صوملة العالم العربي! – الحائط العربي
صوملة العالم العربي!

صوملة العالم العربي!



هل أدرك الناشطون العرب و”ثورجية” الثورات و”مهاويس” الربيع العربي، يساريين كانوا أو ليبراليين، أن نظرية الفوضى الخلاقة لتحقيق الديموقراطية في بلادهم والحرية لشعوبهم لن تفضي إلا لمزيد من الانهيار لمجتمعاتهم، والتقسيم لدولهم، والإرهاب بين أهلهم؟ السؤال بطبيعة الحال غير موجه من الأساس إلى من يطلقون على أنفسهم “تيار الإسلام السياسي” عموماً، وقادة وعناصر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي خصوصاً، فهؤلاء وإن تحدثوا أحياناً عن الديموقرطية وطنطنوا بالكلام عن الحرية، فإن سلوكهم منذ تفجر ذلك الربيع العربي وتجربة حكمهم لدولة مثل مصر أثبتا أن الاستقرار أو التنمية أو تداول السلطة أو قبول الآخر أو الممارسة السياسية أو مصلحة الوطن كلها مجرد كلمات تستخدم لكن لا مجال لها على أرض الواقع، فمصلحة الجماعة أهم من حدود الوطن، والحفاظ على التنظيم مقدم على الحفاظ على الدولة، والتحالف مع الغرب أو الشرق ممكن إذا حقق فائدة للدعوة!

ويكفي أن تراجع ردود فعل وسائل إعلام الإخوان، من قنوات وصحف ومواقع إلكترونية، على كل عملية إرهابية في مصر أو أي دولة عربية، أو حتى في أوروبا، لتدرك مدى تعاظم المصالح بين الجماعة والتنظيمات الإرهابية، وسعي الإخوان الدائم إلى استثمار تداعيات الإرهاب لنشر الفوضى، وإفشال خطط التنمية، والإساءة إلى كل مشروع ناجح، وحرق كل شخص يفند أفكارهم أو يتصدى لأفعالهم.

ويبدو الخلاف مستمراً حول ماهية الإرهاب والوصول إلى تعريف متفق عليه بين الدول التي يفترض أنها تقاومه، وما إذا كان الإخوان مثلاً سبباً له، وهي وجهة النظر التي تتبناها مصر، أم أن تمكين الجماعة من حكم الدول العربية أولى خطوات مواجهته! وهي النظرية التي تبنتها جهات أميركية خصوصاً وغربية عموماً لفترة، لكن حقيقة لا يمكن إنكارها بدأت تترسخ، مفادها أن كل تغيير كان الأجانب طرفاً فيه أو دعموه أو حركوا عناصره أفضى إلى الخراب والدمار والإرهاب. دعك هنا من نماذج حديثة “نسبياً” كالعراق وليبيا، أو قديمة كأفغانستان، ويمكنك استعادة الماضي القريب في الصومال مثلاً، لتتوقع المصير الذي كانت ستؤول إليه مصر ودول عربية أخرى عصفت شظايا الربيع العربي بها.

فقبل نحو ثلاثة عقود كان الصومال يئن تحت وطأة حكم محمد سياد بري، ما زاد من الحنق الشعبي ضده في ظل أزمة اقتصادية طاحنة اشتدت وط‍أتها بسبب حربه مع إثيوبيا. أطيح حكم سياد بري في 26 كانون الثاني (يناير) 1991، لكن فشلت كل المحاولات لإقامة حكم دستوري في البلاد، ثم أعلن الإقليم الشمالي انفصاله تحت لافتة “جمهورية أرض الصومال”، بينما دخلت باقي الأقاليم حرباً أهلية طاحنة. وعندما حاول المجتمع الدولي التدخل لإنقاذ البلاد قفز الأميركيون إلى واجهة الصورة وضغطوا من أجل قرار دولي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 1992 نص على تشكيل قوة حفظ سلام بقيادة الولايات المتحدة، حيث أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش (الأب) أن الجنود الأميركيين سيحققون الأمن وينهون المجاعة ثم سيرحلون، لكنهم لم يرحلوا، بل مدد خليفته بيل كلينتون إقامتهم هناك، وعندما أظهرت الحقائق أن التدخل الأميركي لم يكن لأهداف إنسانية بل كانت وراءه أطماع في مشروعات بترولية واعدة، خصوصاً في “بونت لاند” بدأ الصوماليون مقاومة “الاحتلال الأميركي”، إلى أن انسحبت القوات الأميركية في آذار (مارس) 1994 بعد معارك عنيفة مع الميليشيات الصومالية قتل فيها 19 جندياً أميركياً، سُحل بعضهم في الشوارع، وجرى تصوير مشاهد إهانتهم وبثها على العالم.

ما جرى للصومال بعدها معروف للجميع من فقر إلى حرب، ومن حكم إلى آخر، ومن غياب للدولة إلى تفشي الميليشيات، ومن أمل في الإنقاذ إلى يأس من الحياة! نادرة الآن الأخبار عن الصومال، ورغم جهود الحكم هناك إلا أن الواقع يقول إن الصومال خرج من المعادلة العربية، أو قل الدولية، وسيُمضي الصوماليون بقية حياتهم يتقاتلون.

تسخر منصات تنظيم الإخوان الإرهابي وصفحات الناشطين الذين تمتطيهم الجماعة من عبارة يطلقها كثيراً مؤيدو الدولة في مصر، مفادها أن بلدهم نجا من مصير سوريا أو ليبيا أو السودان، بينما الحقيقة أن دولاً عربية عدة، بينها مصر، نجت من الذهاب إلى مصير الصومال، فيما دول عربية أخرى تتجه بكل وضوح إلى المصير الصومالي، وربما بعد سنوات قليلة ستخرج من اهتمامات وسائل الإعلام وصناعة الأخبار، لأن شعوبها صدقت أن لدى الغرب حلولاً وعند المتاجرين بالدين مستقبلاً وردياً، فلم تحصد سوى التلاشي والفناء!

تتعافى مصر الآن من مرض الربيع العربي، وتدرك أن تفشي ذلك الفيروس في بلدان عربية أخرى يهدد بعودة المرض إليها مرة أخرى، ويدفع المصريون ثمن نجاتهم من مصير الصومال الذي ستؤول إليه دول عربية ضربتها الفتن وقسمتها الميليشيات وعصفت بها الطائفية، وهي التي كانت يوماً تبحث في حلول للمشكلة الصومالية، وعندما ظهرت لديها العوارض نفسها اتبعت طريق العلاج نفسه، واعتقدت أن في الغرب طبيباً، وأن لدى الإخوان وباقي التنظيمات الإرهابية وناشطي الفضائيات وعملاء الاستخبارات “علاجاً”، فأصبحت لا تعيش سوى الموت.

نقلا عن النهار العربي