السيطرة الاستراتيجية:
صراع “باخموت” والسيناريوهات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية

السيطرة الاستراتيجية:

صراع “باخموت” والسيناريوهات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية



مع إعلان روسيا يوم 21 مايو 2023 عن السيطرة على مدينة “باخموت” الاستراتيجية، بات الكثيرون يعتقدون أن مسار الحرب الروسية الأوكرانية قد يشهد تغييرات ولو متوسطة الأمد. إذ إن انتهاء أطول معركة حربية بين موسكو وكييف في باخموت يعني الكثير بالنسبة للطرفين؛ نظراً لأهمية المدينة عسكرياً ومعنوياً بالنسبة لهما.

وفي ضوء تلك التحولات التي تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية مؤخراً، ترى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، الدكتورة نورهان الشيخ، أن التقدم العسكري الروسي على الأرض واضح، وأن من مؤشرات ذلك السيطرة على زاباروجيا وماريوبول، ومؤخراً على باخموت أو ارتموفسك، مضيفة: “أعتقد أن هناك تقدماً روسياً واضحاً وإن كان بوتيرة ليست سريعة بالقدر الذي كان يتوقعه البعض، لكنّ هناك تقدماً روسياً”.

وعللت أستاذ العلاقات الدولية هذا التباطؤ الروسي بكم الدعم الأمريكي عموماً والغربي لأوكرانيا، حيث قالت: “كان له بالتأكيد دور في إبطاء هذا التقدم الروسي إلى حد كبير”.

وحول خريطة مواقع التمركز الروسي الحالي في أوكرانيا، تشير الدكتورة نورهان الشيخ إلى أن “هدف روسيا الرئيسي هو تمركزها على خط التماس بهدف إحكام السيطرة على باقي الأراضي التي تُعتبر جزءاً من الجمهوريتين والمقاطعتين اللتين تم ضمهما إلى روسيا. طبعاً هناك مساحات ليست أقل من 30% من دونيتسك ما زالت خارج السيطرة الروسية وأجزاء مماثلة في خيرسون وزاباروجيا، وبالتالي هدف روسيا هو التمركز على خط التماس، وهو خط طويل يصل إلى 1100 كم، وبالتالي هو خط مهم، مما يعني تحقيق روسيا مزيداً من التقدم في هذه الجمهوريات حتى اللحظة.

وعلى الجانب الاقتصادي، أوضحت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة أنه “حتى اللحظة، فإن العقوبات مؤثرة، وهي ليست مؤثرة على روسيا فقط، بل الواضح أن العقوبات مثلث أزمات عالمية، وهي أزمة الغذاء وأزمة الطاقة وأزمة الديون. وأن الكثير من دول العالم التي ليست طرفاً مباشراً أو حتى غير مباشر في الأزمة، وخاصة دول الجنوب التي التزمت بدرجة عالية من الحياد والتوازن في موقفها، قد تأثّرت بهذا المثلث”.

وتضيف الدكتورة نورهان الشيخ أن “أداء الاقتصاد الروسي حتى اللحظة يُعد جيداً جداً، ويفوق التوقعات” التي كانت تدور حوله مسبقاً.

وبشأن أحدث التطورات الميدانية العسكرية على الأرض في أوكرانيا وسيطرة روسيا على مدينة “باخموت” الاستراتيجية، تقول أستاذ العلاقات الدولية إن السيطرة على باخموت أو أرتموفسك يتيح فرصاً كبيرة جداً للتقدم بالنسبة لروسيا؛ لأن باخموت كانت تمثل “ثغرة في خط الدفاع الروسي” وكانت مركزاً لوجستياً أساسياً للإمدادات بكافة أشكالها لأوكرانيا، وبالتالي فإن السيطرة على باخموت تُعد تطوراً مهماً جداً يتيح التقدم لروسيا بشكل كبير، حسبما تشير الشيخ.

وتابعت أستاذ العلاقات الدولية أنه بالإضافة لما سبق، فإن هناك جانباً آخر مهماً ذا صلة بسيطرة موسكو على باخموت، ألا وهو “الجانب المعنوي المتمثل في اعتبار أوكرانيا والرئيس زيلينسكي أن باخموت قلعة منيعة، وهو ما جاء نتيجة لمجموعة الأنفاق التي كانت تحتها والتي كانت تتيح لهم فرصة كبيرة للتحصين وتخزين الأسلحة”.

وأشارت الشيخ إلى أن الأوكرانيين كانوا يعتبرون سقوط باخموت أمراً شبه مستحيل، وأنها سوف تظل مشكلة بالنسبة لروسيا، موضحة في الوقت نفسه أن سقوط باخموت سوف يؤثر على صورة أوكرانيا لدى حلفائها والعالم.

وعلى صعيد الأمن النووي الذي تشوبه بعض المخاطر في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد المعارك أحياناً حول محيط أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا وهي “زاباروجيا” الواقعة جنوب شرقي أوكرانيا، تقول الدكتورة نورهان الشيخ إن “محطة زاباروجيا من الناحية الفنية مؤمنة بالكامل؛ لأنه لن تستطيع أية ضربات أن تطال المفاعلات نفسها، وربما يخشى البعض من أن تطال الضربات مناطق تخزين المواد المشعة، أو أن يحدث بشكل أو بآخر تأثير على التبريد في المحطة”، لافتة إلى أن “روسيا قد اتخذت كل الإجراءات اللازمة لتأمين المحطة بما فيها عمليات التبريد، وبالتالي لا توجد مخاطر مع الإجراءات الروسية”.

وفي النهاية، تطرقت الدكتورة نورهان الشيخ إلى السيناريوهات المحتملة مستقبلاً للحرب الروسية الأوكرانية، قائلة: “من الواضح أن المعارك ستطول، كما أن صاحب القرار في هذا الأمر ومن يستطيع نزع فتيل الأزمة هي الولايات المتحدة، ومن الواضح للغاية أن قمة مجموعة السبع من حيث البيان وجميع التصريحات تؤكد أنه لا رغبة ولا إرادة حقيقية لدى واشنطن أو الغرب لوقف العمليات. وبالتالي، أعتقد أنه سيكون هناك استمرار للعمليات ما لم يوجد تغيير جذري في توجهات الإدارة الأمريكية، ولا توجد مؤشرات على هذا حتى اللحظة”.

وأضافت أستاذ العلاقات الدولية: “كما أن الحل الآخر هو أن تأتي إدارة أمريكية جديدة يكون لها منحى مختلف ولا شيء مستبعد، فالولايات المتحدة دخلت أفغانستان وظلت بها 20 سنة ثم انسحبت. كما أن تغيرات المواقف والسياسات الأمريكية أمر ليس مستبعداً أو أن توجد إدارة جديدة أو أن يحدث تفوق روسي كاسح، وإن كان حدوث هذا الأمر دون وجود إرادة للتسوية سيؤدي إلى نجاحات روسية دون إنهاء للأزمة”.