صراع المنظومات في الشرق الأوسط – الحائط العربي
صراع المنظومات في الشرق الأوسط

صراع المنظومات في الشرق الأوسط



إذا استثنينا عدداً محدوداً جداً من بلدان الشرق الأوسط التي يتفاعل اقتصادها القومي مع سوق العمل الدولي، لجهة المساهمة الفاعلة في أسواق الطاقة، أو أسواق السلع التحويلية، فإن معظم دول المنطقة، تكاد تكون مجرد مستهلك لما تنتجه السوق العالمية، ما يفرز لدينا، منظومتين في الشرق الأوسط، من دون أن يعني ذلك، تطابقاً في الأنظمة السياسية والقانونية بين الدول الموجودة ضمن المنظومة الواحدة، خصوصاً المنظومة الأولى، الأكثر تشابكاً وتفاعلاً مع سوق العمل الدولي.

هاتان المنظومتان، ونظراً لتباين موقعهما من سوق العمل الدولي، فإن لكل واحدة منهما مقاربتها الخاصّة للمشكلات والأزمات الإقليمية، لكن التمايز الاقتصادي بين المنظومتين، يحدّد درجة أزمة كلّ منهما، فأزمات الدول التي تنتمي للمنظومة الأولى، مختلفة نسبياً، وأحياناً بشكل كبير، عن أزمات الدول التي تنتمي إلى منظومة الدول المستهلكة، أقله، أن أزمات الدول المتشابكة مع سوق العمل الدولي، يمكن أن تشكّل فرصاً للتنمية والتطوّر، بينما أزمات الدول في المنظومة الثانية، هي عبء حقيقي على تنميتها وتطوّرها.

هذه الرؤية التي تقسّم الشرق الأوسط إلى منظومتين، هي رؤية عامة، خصوصاً أنها تمثّل جانباً واحداً، وهو الاقتصاد السياسي، وتغفل جوانب أخرى، من مثل نظام الحكم، والتطور الاجتماعي، ومستويات التعليم، وصراعات الهوية، وغيرها، لكن لكونها رؤية عامة، فهي تساعدنا لتشكيل بوصلة أولية، تساعدنا على فهم التوجّهات السياسية الاستراتيجية للدول، وآليات عملها، وطرق تقييم مخاطر أمنها القومي؛ إذ إن هذه القضايا المصيرية، مرتبطة أشدّ الارتباط بعلاقة السوق المحلية (القومية) بالسوق العالمية.

إن واحدة من مساوئ التطور غير المتكافئ في اقتصادات المنطقة، تكمن في صعوبة حلّ الخلافات بين الدول، وتباين طرق المواجهة بينها، وتغييب ضرورات التعاون والتكامل، لمصلحة التنافس السياسي، وليس الاقتصادي، ما يجعل المنطقة تعيش في دوامة من التوتّر والصراع، ويجعل العلاقات الجيوسياسية متناقضة، فبدلاً من أن تدفع هذه العلاقات، ببعدها الطبيعي والتاريخي إلى التقارب، فإنها تتحوّل إلى لاعب سلبي ضد الجميع.

ووسط هاتين المنظومتين الكبريين، هناك منظومة اقتصاد الحرب، والتي أصبحت تفرض نفسها في عدد من الدول، التي فقدت مقوّمات الإنتاج الحقيقي، وتعتاش على منظومة اقتصادية، قوامها ديمومة الاقتتال، بل ومحاولة فرض منطق الحرب على بلدان الجوار، وهذه المنظومة، ليست في أزمة، بل تعدّت هذه الحالة، فهي نتاج مأزق لم يجد حلّه، وأصبح يفرض نفسه على الجميع.

هذا الوضع المنظوماتي المختلط في الشرق الأوسط، يجعل المنظومات متداخلة ببعضها، بل إن الدول التي تنتمي إلى المنظومة الأولى، الأكثر اندماجاً بسوق العمل الدولي، ليست بمنأى عن ارتدادات الأزمات في المنظومتين الأخريين، خصوصاً منظومة اقتصاد الحرب، وهو ما نجده اليوم في التداخلات الوطنية والإقليمية، كما في سوريا والعراق ولبنان وليبيا..

وما يزيد من حدّة هذا الوضع المنظوماتي، الصراع بين القوى الكبرى، والأكثر هيمنة على سوق العمل الدولي، والتي تمتلك تصوّرات إمبراطورية، من ضمنها تصوّرات لموقع دول الشرق الأوسط في خريطة طموحاتها، أو حتى جعل الشرق الأوسط ساحة صراع بينها، لتفريغ فائض القوة لديها من جهة، وتجنّب الصراع المباشر من جهة ثانية، وفي هذا التضارب بين التصوّرات الإمبراطورية، يحتل الخليج العربي، ودول المتوسط العربية، مكانة أساسية، بوصفها معبراً برياً ومنفذاً بحرياً، بين آسيا وأوروبا.

مع ازياد حدة وشراسة الصراع الإمبراطوري، وقوامه الأساس أمريكا والغرب والدول المتحالفة معها، وفي الجهة المقابلة الصين وروسيا ودول هامشية نسبياً في آسيا وإفريقيا، قد لا يكون بالإمكان تصوّر حالة من الاستقلالية عن هذا الصراع العالمي/العولمي، أو تصوّر حدوث تسوية بين المنظومات في المنطقة، لكن الممكن والمتاح، خصوصاً في المنظومة الأكثر انفتاحاً على سوق العمل الدولي، هو إعادة ضبط مفاهيم الصراع، وإنتاج منظومة قيم جديدة، مفارقة لما هو موجود لدى المنظومة غير المتفاعلة مع سوق العمل الدولي، أو تلك التي تعتاش على الحرب، وهذا يتطلب إعادة نظر في تعريف الدولة نفسها.

نقلا عن الخليج