بين القمم التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن في السعودية الجمعة والسبت وقمة طهران التي انعقدت أمس الثلثاء بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعاد تشكيل الشرق الأوسط.
وتتخذ المواجهة الأميركية – الروسية من المنطقة ساحة متقدمة. واشنطن تريد حماية مصالحها ومصالح حلفائها وأصدقائها، وروسيا في المقابل تبذل قصارى جهدها للدفاع عن المكتسبات التي حققتها في السنوات الأخيرة.
ولم يكد بايدن ينهي جولته الأولى في الشرق الأوسط منذ دخوله إلى البيت الأبيض قبل ما يربو على سنة ونصف السنة، حتى انعقدت القمة الثلاثية في طهران. هذه القمة تعتبر من قبيل رد التحدي لجولة بايدن وللسقف العالي الذي رسمته هذه الجولة بالنسبة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
أرادت طهران وموسكو أن تظهرا تعاونهما، ليس فقط بالنسبة إلى الملف النووي، وإنما أيضاً في ما يتعلق بملفات تتصل بشكل رئيسي بسوريا، وهذا ما يضيء على الأسباب التي جعلت تركيا طرفاً ثالثاً في قمة طهران.
لقد جعل بايدن من إسرائيل محطته الأولى في جولته الشرق أوسطية ليبعث برسالة تحذير إلى إيران، وكي يؤكد لتل أبيب الأولوية التي يمنحها لمسألة منع طهران من حيازة القنبلة النووية. وكان هذا جوهر “إعلان القدس”. وفي العمق، لا يريد بايدن أن تُقدم إسرائيل على عمل عسكري منفرد ضد المواقع النووية الإيرانية وتالياً توريط الولايات المتحدة بحرب في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر.
وكان الجزء الأصعب من جولة بايدن، هو المحطة السعودية. فهناك أنهى الرئيس الأميركي مرحلة التوتر في العلاقات مع الدول الخليجية، وخصوصاً السعودية، وبدأ صفحة جديدة مبنية على الإرث التاريخي للعلاقات الأميركية – الخليجية.
وفي وقت بالغ الحساسية بالنسبة الى قضية تعويض النفط الروسي المتناقص يومياً عن القارة الأوروبية، كان لا بد لبايدن من طرق أبواب الخليج.
ويدرك الرئيس الأميركي أن الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة في العالم، يمر بزيادة دول الخليج إنتاجها من النفط، رغم المصاعب الجمة التي قد تعترض ذلك، لأن ليس من السهولة على تحالف “أوبك بلاس”، وروسيا عضو أساسي فيه، أن يتفق على زيادات تتوافق والطموحات الأميركية. ومع ذلك، لم يجد بايدن مفراً من مخاطبة دول الخليج وتأكيد دورها في تجنيب العالم أزمة طاقة على أبواب الخريف والشتاء. وهذا هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يدعو مواطنيه الى الاستعداد لشتاء قاسٍ، بسبب النقص في إمدادات الطاقة الروسية. وتعاني ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، المشكلة ذاتها. وكلما تقلصت إمدادات الغاز الروسي، ارتفع التضخم في الدول الأوروبية إلى مستويات غير مسبوقة، وهدد اقتصادات القارة.
المواجهة الشرسة التي تتصاعد يومياً بين الولايات المتحدة وأوروبا، نتيجة الحرب الأوكرانية، تجرف في طريقها ملفات وقضايا ساخنة، سواء في الشرق الأوسط أم في العالم. وبما أن الشرق الأوسط ساحة رئيسية تتزاحم فيها مصالح الطرفين، فإن نزاعات المنطقة قد تتخذ منحى تصعيدياً في الفترة المقبلة، خصوصاً أن لا مبادرات لحل دبلوماسي في أوكرانيا.
والجدير بالذكر أن الشرق الأوسط شكل أحد مناطق الصراع إبان الحرب الباردة السابقة عقب الحرب العالمية الثانية. والآن في الحرب الباردة الجديدة بين أميركا وروسيا، تبقى هذه المنطقة ساحة نزاع رئيسية بين الطرفين.
وليس أدل على ذلك من صراع القمم الأميركية والروسية في الأيام الأخيرة، مع تصاعد التحذيرات الأميركية والإسرائيلية لإيران، ورد طهران بالقمة الثلاثية وبعرض لمسيّراتها المتطورة التي تطلق من على متن السفن عشية وصول بايدن إلى المنطقة.
نقلا عن النهار العربي