شرق أوسط أقل استقرارا – الحائط العربي
شرق أوسط أقل استقرارا

شرق أوسط أقل استقرارا



هل الصراع الدائر الآن بين روسيا والغرب فى أوكرانيا سيؤثر على الاستقرار الشامل فى منطقة الشرق الأوسط؟!

الكثيرون يتحدثون عن التأثيرات الصعبة للأزمة على اقتصاد العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط، لكن قليلين فكروا فى التأثيرات الأمنية على المنطقة.

يوم الخميس الماضى قالت كارن راينهارت كبيرة الاقتصاديين فى البنك الدولى «إن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسى لأوكرانيا، قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائى القائمة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما قد يؤدى إلى تنامى الاضطرابات الاجتماعية».

راينهارت قالت لوكالة رويترز: «ستكون هناك تداعيات مهمة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا جنوبى الصحراء الكبرى ومعظمها يعانى بالفعل من انعدام الأمن الغذائى، وحسب رأيها فإن: «انعدام الأمن الغذائى كان أحد الأسباب وراء انفجار الربيع العربى قبل أكثر من عشر سنوات».

رانيهارت أشارت أيضا إلى أن الانقلابات الناجحة والفاشلة زادت فى العامين الماضيين، وهى تلمح إلى أن أحد أسباب ذلك هو الأمن الغذائى.

ليس خافيا على أحد العلاقة بين الأمن الغذائى وبين الاستقرار السياسى، وأنصار هذه النظرية يقولون إن الصين التى لا تعرف الحريات والديمقراطية على الطريقة الغربية، لم تشهد اضطرابات سياسية واجتماعية كبرى منذ أكثر منذ عام ١٩٨٩، والسبب هو النمو الاقتصادى المتواصل وانتشال مئات الملايين من الفقر إلى الطبقة المتوسطة.

ويقولون أيضا إن بلدان الخليج لا تعرف التعددية أو الحزبية أو الحريات الغربية ــ إلا فيما ندر ــ ورغم ذلك فإن عائدات النفط تجعل غالبية المواطنين يعيشون فى مستوى اقتصادى مرفه أو معقول، وبالتالى تنعدم إلى حد كبير إمكانيات عدم الاستقرار الأمنى والاجتماعى أو السياسى.

وبغض النظر عن مدى دقة هذه النظرية، فإن توافر الأمن الاقتصادى بصفة عامة والغذائى بصفة خاصة، يعزز من الاستقرار العام، والعكس صحيح إلى حد كبير وانتفاضات الخبز موجودة ومعروفة فى الكثير من البلدان النامية، ومصر عاشتها فى ١٧ و١٨ يناير ١٩٧٧، وتركت بصمات واضحة فى المشهد السياسى لسنوات طويلة.

البنك الدولى قال فى الشهر الماضى إن أسعار السلع الغذائية زادت بنسبة ٣٥٪، على أساس سنوى والمتوقع أن تواصل الارتفاع بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا لأن البلدين من كبار مصدرى الحبوب خصوصا القمح والذرة والشعير وزيت دوار الشمس، وأن تداعيات هذه الحرب ستكون قاسية على منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص لاعتمادها على روسيا وأوكرانيا فى استيراد القمح، وعلى سبيل المثال فإن مصر تستورد ٨٠٪ من القمح من البلدين. لكن فى المقابل فإن الحكومة المصرية تؤكد طوال الوقت أن لديها مخزونا من القمح يكفى حتى نهاية العام، وأنها ستبحث فورا عن بدائل إذا طال أمد الحرب.

ما يفاقم أزمة الشرق الأوسط من جراء تداعيات الحرب فى أوكرانيا، هو أن الارتفاع المتوقع فى أسعار المواد الغذائية كان قد وصل بالفعل إلى مستويات قياسية فى العامين الماضيين نتيجة مزيج سام من الصراع والمظالم السياسية والانهيار الاقتصادى فى العديد من بلدان المنطقة.

وحتى البلدان التى كانت تتلقى مساعدات إنسانية من الغرب فإن هذه المساعدات مرشحة للتناقص ليس فقط بسبب أزمة المناخ وكورونا ولكن لأن غالبية هذه المساعدات إذا توافرت ستذهب إلى أوكرانيا والمتضرر الأكبر من ذلك اليمن ثم سوريا.
وحسب كيلى بتسلو محللة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، فإن «الصورة ستكون معقدة للغاية من التأثيرات فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل القضايا المحلية والصراعات الإقليمية مع الآثار المتتالية لأزمة خارجية مثل أوكرانيا، والنتيجة الحتمية هى شرق أوسط أقل استقرارا».

وطبقا لغسان بوحبيب الرئيس التنفيذى لشركة «وودن بيكرى» فإنه سيكون من الصعب للغاية الحفاظ على الأعمال الجارية لأن التقلبات السياسية يمكن أن تدفع بأعداد كبيرة من الناس إلى حالة انعدام الأمن الغذائى.

الصورة ليست شديدة القتامة فى كل المنطقة الغربية، لأن ارتفاع أسعار البترول والغاز سوف يصب فى مصلحة غالبية بلدان الخليج، لكنها هى أيضا تستورد معظم احتياجاتها من الغذاء وهو موضوع آخر يحتاج المزيد من النقاش، لكن فى اللحظة التى ترتفع فيها تكاليف المعيشة إلى مستويات صعبة فإن الاستقرار العام فى أى بلد يكون مرشحا للانفجار حتى لو لم تكن الحكومات المحلية هى المسئولة عن أسبابه.

نقلا عن الشروق