شهدت سوريا منذ عام 2011 مثل عدد من الدول العربية أعمال عنف وصراعات داخلية وصلت إلى حد الاقتتال الداخلى والحرب الأهلية، وذلك فى إطار ما أطلق عليه الربيع العربى، أو ما يمكن أن يطلق عليه فى رأى البعض الفوضى الهدامة، وبحيث أصبحت مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية وجيشها تواجه تهديدات خطيرة و نظرا للاقتتال العنيف و الصدامات التى شهدتها سوريا فقد اتخذ وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم الطارئ فى نوفمبر 2011 قرارا بتعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية بشأن سوريا والتى تضمنت إيقاف أعمال العنف والاقتتال، وإقامة حوار بين السلطات السورية والمعارضة ، وإنهاء الوجود العسكرى فى المناطق المدنية، وإطلاق سراح المعارضين للنظام ورغم تقبل السلطات السورية والمعارضة للمبادرة فى حينها فإنه لم تتحقق نتائج ايجابية على الأرض مما ترتب عليه الإبقاء على تعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية.
وترتب على الحرب الأهلية والفوضى التى شهدتها سوريا إضافة إلى ابتعادها عن محيطها العربى تدخل العديد من الأطراف فى الشأن السورى، سواء كان هذا التدخل سياسيا أو عسكريا وهى أطراف دولية أو إقليمية، وبالتالى أصبحت الأزمة السورية مدخلا لوجود هذه الأطراف، وتعكس التوازنات الإقليمية والدولية والمنافسة بين هذه الأطراف المتعددة والمختلفة فى وجهات النظر والتوجهات والتى قدمت مساعدات للجماعات فى الداخل السورى، سواء من خلال السلاح أو التمويل مما ساعد على استمرارية الأزمة.
ويمكن القول أنه بدأت تظهر بعض المؤشرات الإيجابية والتى تصب فى زيادة احتمالات عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، ومن ذلك على سبيل المثال موافقة منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوابك) على رئاسة سوريا للمنظمة لمدة عام ابتداء من 2022 خلفا للملكة العربية السعودية، وتضم المنظمة دولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والسعودية، والبحرين، والعراق، والجزائر، وليبيا، ومصر، وتونس، والعراق ولعل من المؤشرات الإيجابية أيضا قيام عدد من وزراء خارجية دول عربية خليجية بزيارات للعاصمة السورية دمشق وهو ما يمكن أن يطلق عليه عملية استعادة الزخم العربى تجاه سوريا، فضلا عن إعادة افتتاح بعض البعثات الدبلوماسية العربية فى سوريا.
وتتطلب عودة سوريا إلى محيطها العربى وإلى الجامعة العربية أن يوجد توافق على ذلك بين الدول العربية وبحيث لا يترتب على هذا الموضوع درجة من الانقسام بين الدول العربية المؤيدة والرافضة لعودة سوريا وبمعنى آخر أن يكون عودة سوريا مجالا للتوافق والتوحد فى وجهات النظر، بدلا من أن يكون مجالا للاختلاف والانقسام، كما يتطلب الأمر أيضا أن تتقبل الحكومة السورية المبادرة العربية وتعمل على تنفيذ بنودها وهو أمر متوقع نتيجة لمرور عقد من الزمان على بداية الأزمة السورية تأثرت خلاله سوريا تأثرا جسيما من النواحى الاقتصادية والمالية فضلا عن الكوارث الإنسانية، وتدفق ملايين من اللاجئين السوريين إلى الدول الأخرى والدمار الذى لحق بالدولة وبنيتها التحتية، اضافة إلى أن الأزمة السورية لا تقتصر فى آثارها السلبية وتداعياتها على سوريا فقط بل تمتد لتطرح آثارها على الأمن العربى ككل، وذلك من خلال دول الجوار خصوصا من جانب إيران والتى تحاول التمدد فى القضايا والملفات المختلفة فى المنطقة العربية مثل الملف السورى، والملف اليمنى واللبنانى، ويحدث ذلك فى إطار المنافسة الإقليمية من بعض الدول الإقليمية والتى يعتبرها البعض حربا بالوكالة بين إيران وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى، ومعنى ذلك أن هناك تحديات تواجه الأمن القومى العربى وتنعكس عليه سلبا نتيجة للأزمة السورية وابتعاد سوريا عن محيطها العربى، ويساعد ذلك أيضا على زيادة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية للعمل على ايجاد حلول لمواجهة هذه التحديات.
ونأمل أن يحدث تقدم فى مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإنهاء تعليق العضوية فى المستقبل المنظور خصوصا مع انعقاد القمة العربية، فقد يتيح ذلك فرصة لتكثيف الجهود العربية فى اطار الجامعة العربية للوصول إلى حل للأزمة السورية وحتى تكون الجهود الدولية للحل تمثل إضافة للجهد العربى فى هذا الشأن وليست بديلا له، وتكثيف وتوحيد جهود الدبلوماسية العربية بأشكالها المختلفة، سواء كانت الدبلوماسية التقليدية أو الدبلوماسية البرلمانية لتحقيق مصلحة الدولة السورية، ومصالح الأمن القومى العربى فى ظل وجود سوريا فى الجامعة العربية، و لعل المنطق فى ذلك أن سوريا التى توجد فى الأمم المتحدة والبالغ عدد دولها الأعضاء 193 دولة يكون من المفارقة ألا توجد فى الجامعة العربية.
نقلا عن الأهرام