نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 20 فبراير 2024، جلسة استماع بعنوان “محددات التأثير: سبل تفعيل الدور العربي في المنظمات الدولية“، واستضاف المركز السفير معتز خليل مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة نهلة عبد المنعم، والأستاذة ثريا فتحي.
أهمية حيوية
وتطرق السفير معتز خليل، إلى أهمية المنظمات الدولية الحكومية ودورها في حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق مصالح الدول الشعوب، رغم أنه في بعض الأحيان قد لا تتفق مصالح الشعوب مع ما تقرره بعض الحكومات، وهذا يحدث سواء في الدول النامية أو المتقدمة والكبرى التي قد تتخذ قرارات تضر بشعوبها مثل قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية المناخ.
وتضم المنظمات الدولية أعضاء ودولاً متساوية في السيادة بغض النظر عن حجم الدولة أو مكانتها في النظام الدولي وهو ما يصعب من عملية فرض قرارات معينة ومهمة في الكثير من الأحيان على جميع الأعضاء، لأن المنظمات الدولية تفضل عملية التوافق في الآراء وأخذ مصالح الأعضاء والدول في الاعتبار، فيمكن لدولة واحدة داخل المنظمة كسر التوافق الذي قد يتوصل إليه الأعضاء، مثل اتفاق كوبنهاجن بشأن تغير المناخ الذي أقرته الدول الكبرى بدون تطمين الدول الأخرى خاصة النامية، لذا لم يتم اعتماد التوافق الذي جرى على هذا الاتفاق.
كما أنّ الدول لديها القوة لوقف القرارات التي لا تتفق ومصالحها، لذا فالمنظمات الدولية لا تفضل فرض العقوبات على الأعضاء، وحتى العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة لا تكون بنفس قوة العقوبات الفردية التي تفرضها الدول مثل العقوبات الأمريكية ضد إيران.
كذلك، تأخذ منظمة الأمم المتحدة قراراتها ببطء وهو ما يحد من فاعليتها في بعض السياسات، ومع هذا تظل مهمة، فقد حققت العديد من الإنجازات منذ نشأتها، وخاصة تصفية الاستعمار، وتطوير معايير بشأن العلاقات الدولية، وفتح مجالات جديدة، خاصة حماية البيئة، وقوانين حقوق الإنسان.. وغيرها، وهذا لم يكن من الممكن الوصول إليه وتحقيقه بدون وجود الأمم المتحدة.
ضوابط فاعلية الدور العربي
وتطرق مندوب مصر الأسبق في الأمم المتحدة إلى دور الدول العربية في المنظمة الدولية، ومدى فاعلية هذا الدور، وأبرز العوائق التي قد تواجهه، وكيفية زيادته وتفعيله، واستغلال التطورات الجارية في النظام الدولي من أجل تقويته وخلق مساحات جديدة له.
ويكون الدور العربي في المنظمات الدولية سواء بشكل فردي أو جماعي من خلال الكتلة العربية، حيث تمرر الدول مصالحها داخل المنظمات الدولية إما اعتماداً على قدراتها الفردية، أو عبر تشكيل موقف عربي موحد داخل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة من خلال المجموعة العربية التي تجتمع وتتشاور بين أعضائها بشأن القضايا المهمة المشتركة.
لكن يتم تفعيل الدور العربي في المنظمات الدولية -بحسب السفير معتز خليل- من خلال حجم ووزن وثقل الدول العربية داخل المنظمات الدولية.
ولتحديد مدى فاعلية الدور العربي الجماعي في المنظمات الدولية طرح عدة تساؤلات وهي: هل مصالح الدول العربية متسقة وموحدة مع بعضها بعضاً تجاه قضايا معينة حتى لا يؤثر على تفعيل المصالح العربية؟ هل مواقف الدول العربية متسقة مع بعضها بعضاً أم هناك اختلافات؟ هل مواقف الدول العربية متسقة مع مواقف الدول التي تريد الحصول على تأييدها داخل المنظمات الدولية؟ هل الدول العربية على استعداد لتقديم مقابل ما تريده من الدول الأخرى داخل المنظمات الدولية؟ هل الدول الأخرى تستطيع الاعتماد على الدول العربية في المنظمات الدولية للحصول على دعمها في مواقف وقضايا خاصة بها؟ هل المجموعة العربية تتأثر بالدول الكبرى وضغوطها داخل المنظمات الدولية؟ ما مدى إمكانية استخدام القدرات والإمكانيات العربية وتوظيفها والمثابرة على استخدامها وفي أي موضع ومتى؟
ضعف الفاعلية
وتطرق سفير مصر الأسبق إلى أن ما يُضعف الدور العربي داخل المنظمات الدولية عدة عوامل، ومنها:
1- سوء توظيف الموارد والآليات واستخدامها لوقت محدد: يضر توظيف الموارد العربية على المدى القصير بمصالحها وعدم استغلالها العمل على المستوى الاستراتيجي والبعيد المدى، مثل استخدام دول الخليج العربي لقدراتها المالية للضغط للحصول على مكسب معين من الدول، وإن لم يتحقق يتوقف الدعم، وهذا استثمار سيئ للقدرات، لأنه على مدى زمني طويل يضر بالوجود العربي وفاعلية الدور العربي داخل المنظمات الدولية، لذا يجب المثابرة والانتظار لتحقيق ثمار هذا الدعم، فليس من الضروري الحصول على تأييد الدول في كافة المواقف والقضايا داخل المنظمات الدولية نظراً لاعتبارات ضاغطة خاصة بهذه الدول.
2- عدم الاهتمام بعدالة القضايا المراد دعمها: مفهوم “عدالة القضية” مهم في تفعيل الدور العربي داخل المنظمات الدولية، فيجب أن تكون القضية التي تنسق بشأنها الدول العربية عادلة، والاهتمام بها مثل قضايا حقوق الإنسان وعملية مكافحة الإرهاب، فمدى عدالة القضية التي يريد العرب دعمها يؤثر أيضاً على قوة موقفهم داخل المنظمات الدولية.
3- ضعف أداء وفاعلية المنظمات العربية ذاتها: مثل ضعف دور جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، فهو يساهم في ضعف الموقف العربي الجماعي داخل المنظمات الدولية، لأن الأعضاء لم يتفقوا على مصالح وأهداف واضحة داخل منظماتهم، فما بالنا بالتوافق داخل المنظمات الدولية، لذا فتفعيل وتقوية المنظمات العربية يدعم دورها داخل المنظمات الدولية.
4- عدم استقلال القرار السياسي العربي: وهو يساهم أيضاً في إضعاف الدور العربي داخل المنظمات الدولية نتيجة الحرص على كسب رضى بعض القوى الكبرى في بعض المواقف، مثل عدم انتقاد الولايات المتحدة في بعض المواقف وكذلك الصين أو روسيا رغم أن القرارات التي قد تطرح ضدها تكون عادلة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، أو رفض الحصار الأمريكي ضد كوبا الذي أيدته الدول العربية.
تقييم الفاعلية
وأكد السفير المصري أنه رغم الضغوط والقصور في فاعلية الدور العربي في المنظمات الدولية إلا أنه يحقق نجاحات قوية، مثل الدور العربي في القضية الفلسطينية كما اتضح بعد حرب غزة الأخيرة منذ السابع من أكتوبر 2023، سواء التصويت داخل الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي أو محكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية الأخرى، مثل مشروع القرار الجزائري داخل مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، فرغم رفضه إلا أنه مؤثر وقبله المشروعات التي طرحتها الإمارات في المجلس خلال الحرب ونجحت في تمرير قرار خاص بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وقد نجح الدور العربي هنا بسبب عدالة القضية الفلسطينية ذاتها بجانب تجربة تضرر الدول الأفريقية ودول العالم النامي من الاحتلال والاستعمار في السابق والتي سبق وساندتها الدول العربية ضد الاحتلال.
كما أصبح الدور العربي فاعلاً في قضايا المناخ والبيئة بسبب مراعاته لمصالح الدول الأخرى، وتفهم مواقفهم، وتقديم مساعدات لهم، بجانب شرح وتوضيح مشاغل ومخاوف الدول العربية تجاه هذه القضية بشكل مهم وواضح.
متطلبات ضرورية
بحسب السفير المصري، يمكن تقييم فاعلية الدور العربي في المنظمات الدولية بنسبة تصل من 50-60%، فهذه نسبة مهمة ولكن يمكن زيادتها وتفعيلها من خلال التالي:
1- رشادة استخدام الإمكانيات العربية: وذلك بعدم هدر الإمكانيات والأدوات العربية، سواء المالية أو السياسية أو الثروات الطبيعية، واستخدامها بصورة أكثر رشادة.
2- منع الصراع بين الدول العربية: يجب منع خروج الخلافات العربية عن الأطر المعقولة، لأن الدول الأخرى تستغل هذه الخلافات في إضعاف الموقف العربي والتأثير عليه.
3- وجود تماسك عربي قوي داخل المنظمات الدولية: عدم التشرذم وتخفيف التنافس في هذه التكتلات الدولية يقوي من الموقف العربي، ويمنع استغلاله من قبل الآخرين.
4- متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية: من المهم تحقيق هذا الأمر لأن فاعلية الدور تتوقف أيضاً على تنفيذ ما تم النجاح في إقراره داخل المنظمات الدولية، وهذا الأمر يحتاج إلى مثابرة وجهد دبلوماسي كبير، مثل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بشأن فلسطين، سواء المستوطنات الإسرائيلية أو غيرها، ويجب الضغط نحو تفعيل هذه القرارات.
5- تقوية التنسيق العربي داخل المنظمات الدولية: يعد من أهم متطلبات تفعيل الدور لاتخاذ موقف محدد وواضح ومشترك تجاه القضايا الحيوية مثل القضية الفلسطينية.
6- عدم مهاجمة الداعمين للموقف العربي: من المهم عدم الإساءة للدول الداعمة للمواقف والقضايا العربية الجوهرية، لأن هذا يضر بالدور العربي في المنظمات الدولية وقضاياه.
7- عدم طلب أشياء غير منطقية أو غير عادلة: لأن طلب مثل هذه الأمور لتحقيق مصالح معينة يؤثر على فاعلية الدول العربي في المنظمات الدولية.
8- تفعيل استخدام كافة الإمكانيات العربية: من المهم الحرص على تفعيل كافة الأدوات العربية، وعدم الاقتصار على آليات معينة مثل المال، فتوظيف قدرات أخرى مثل النفط يكون ذا دور مؤثر كما حدث في حرب أكتوبر 1973.
9- التصدي للقدرات النووية الإسرائيلية: تعتبر القدرات النووية الإسرائيلية مضرة بالدور العربي وفاعليته، لذا يجب الضغط على نزع هذه القدرات ومحاصرتها داخل المنظمات الدولية، ومتابعة تنفيذ القرارات الدولية الصادرة ضدها وعدم الاستسلام للضغوط الأمريكية.
10- تقوية دور الدول العربية خارج المنظمات الدولية: من المهم دعم وجود أدوار قوية للدول العربية، سواء بشكل فردي أو جماعي خارج نطاق المنظمات الدولية، لأنه ينعكس لاحقاً على الدور العربي في مواقف معينة داخل المنظمات الدولية، فرفض السعودية طلب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن زيادة إنتاج النفط عقب الحرب الروسية الأوكرانية قوّى من الموقف العربي في العديد من المواقف والمنظمات الدولية، وبالتالي يمكن توجيه الإمكانيات الفردية لدعم مصالح الدول العربية.
11- دعم وجود جماعات ضغط عربية: يكون ذلك سواء داخل المنظمات الدولية أو حتى داخل الدول الكبرى المؤثرة، فمثلاً الإمكانيات العربية لا تستغل بشكل قوي في واشنطن مثل اللوبي الصهيوني الذي يوظف إمكانياته في دعم مصالح إسرائيل من قبل الولايات المتحدة.
12- تعيين وتمويل موظفين داخل المنظمات الدولية من الدول العربية: وهذا أمر شرعي وقانوني. فعلى سبيل المثال، يقوم الاتحاد الأوروبي بتعيين موظفين في هيئات الأمم المتحدة، ويتولى دفع رواتبهم بعيداً عن ميزانية المنظمة، ويساهم ذلك في معرفتهم بمجريات صنع القرارات داخل المنظمة، وبالتالي يمكن للدول العربية اتّباع هذا المسلك لدعم مصالحها.
13- دعم مصالح دول الجنوب: على الدول العربية دعم ما يعرف بدول الجنوب، سواء في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، مثل مجموعة 77 التي تعادل مجموعة دول عدم الانحياز، فهذه الكتلة مهمة في التصويت بالمنظمات الدولية خاصة في الأمم المتحدة، وبالتالي فوجود علاقات قوية معها يدعم المصالح العربية.
توقعات مرتقبة
وفيما يتعلق بمستقبل الدور العربي في المنظمات الدولية، فقد حدد السفير المصري التوقعات التالية:
1- عدم التأثر بالتحولات الدولية الجارية: التحولات الجارية في النظام الدولي قد لا تؤثر كثيراً على قوة الموقف العربي داخل المنظمات الدولية، لأنه حتى القوى الصاعدة ستعمل وفق مصالحها.
2- استبعاد حصول الدول العربية على مقعد دائم في مجلس الأمن: من المستبعد حصول الدول العربية على مقعد دائم في مجلس الأمن، ولا حتى حصولهم على فيتو مؤثر داخله، لأن من مصلحة المجلس عدم توسيعه حتى لا يؤثر ذلك على فاعليته رغم ما به من قصور وعوار في العديد من المواقف والسياسات، لأن توسيع العضوية بناء على حجم الدولة أو قدراتها المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية سيؤثر على مهام المجلس المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين.
ولكن بدلاً من ذلك يمكن دعم توجه زيادة مدة عضوية الدول العربية في الأعضاء غير الدائمين، مع دعم توجه الحصول على “فيتو عربي” داخل مجلس الأمن من خلال علاقات قوية مع الدول صاحبة الفيتو على غرار إسرائيل التي لها ما يشبه فيتو داخل المجلس من خلال الولايات المتحدة.
3- استمرار أهمية المنظمات الدولية بالنسبة لمصالح العرب: مستقبل الدور العربي في المنظمات الدولية سيكون مهماً وواعداً رغم ما به من ضعف، فالمنظمات الدولية مهمة لدعم المصالح العربية، ولا ينبغي التقليل منها أو إضعافها، حتى إن الدول الكبرى باتت تنتقد هذه المنظمات لأنها تتعارض مع مصالحها، مثل خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات.