هموم الرئيس جو بايدن الداخلية تلعب دوراً كبيراً في ترتيب اهتماماته وأولوياته الخارجية. وزيارته الأولى إلى الشرق الأوسط تبدو خياراً بالاضطرار إلى أسباب داخلية وخارجية. فالتحدي الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس كبير بعد أن ارتفعت الأسعار في أميركا ووصلت نسبة غير الراضين عن بايدن إلى57 في المئة، حسب استطلاع “رويترز-إيبسوس”. وحرب أوكرانيا دفعته إلى إعادة النظر في موقفه من أوروبا والشرق الأوسط بعد أن ركز كل شيء على الشرق الأقصى، لكن الشرق الأوسط الذي يزوره “لم يعد كما هو على خرائط الخارجية الأميركية”، في رأي مارك لينش أستاذ العلوم السياسية والقضايا الدولية بجامعة جورج واشنطن. ولم يعد ممكناً بقوة الحقائق الجديدة والأحداث أن يخفف بايدن اهتماماته في المنطقة بما يقتصر على أمن إسرائيل ورهان العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وهو رهان قلق وخطير.
ذلك أن التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين وإعطاء القليل من الجهد لمواجهة روسيا اصطدم ليس فقط بالهجوم الروسي على أوكرانيا، بل أيضاً بتمدد الدورين الصيني والروسي في الشرق الأوسط وتنامي النفوذ الإيراني. وحين سأل جدعون روز في “فورين أفيرز” كيف يتعلم بايدن من التاريخ في زمن حقيقي؟ أجاب بالقول، “على بايدن أن يجعل النظريات لا المبادئ محور عمل الإدارة”. أما غريغوري كوز أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس، فإنه قال بصراحة، “على أميركا التعامل مع الحكام الأقوياء، ولو كانوا أوتوقراطيين” رداً على خوض بايدن معركة الديمقراطية ضد السلطوية. وأما أقصى ما يمكن أن تأمل فيه فإنه “شرق أوسط أكثر نظاماً” حسب كوز.
ومن هنا يمكن اختصار زيارة بايدن إلى المنطقة بثلاثة عناوين، أمن، ونفط، وتجديد الشراكة الاستراتيجية. الأمن لأن “الشرق الأوسط يجب أن يكون أكثر استقراراً”، كما رأى بايدن في مقال نشرته “الواشنطن بوست”. والنفط لأن الحاجة إلى زيادة ضخه من دول الخليج للتعويض عن نظيره الروسي الذي تتصاعد المقاطعة له. وتجديد الشراكة الاستراتيجية، لأن واشنطن لم تلتزم تماماً ما عليها التزامه في مواجهة الاعتداءات الإيرانية على المدنيين والأعيان المدنية والمراكز النفطية في السعودية بعد نحو ثمانية عقود من شراكة “كوينسي” بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت عام 1945.
ومن المألوف أن يعتد بايدن بالمساعدات الأميركية لإسرائيل، وقد بلغت في عهده حتى الآن نحو أربعة مليارات دولار. والمألوف أكثر هو أن ترفض إسرائيل السير في “حل الدولتين” الذي يكرر بايدن التزامه، ساعة بحجة أن حكومة إسرائيل قوية، وأخرى بدعوى أنها ضعيفة وذاهبة إلى الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين. وهكذا، فإن اللقاء مع الرئيس محمود عباس في بيت لحم مجرد لقاء رمزي.
وبيت القصيد في الزيارة هو نقاش الشراكة الاستراتيجية بين بايدن والملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم قمة جدة التي تجمع بايدن مع قادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.
ومن المبالغات ما جرى عليه الكلام تحت عناوين كبيرة وصعبة وظروفها غير ناضجة، “ناتو” شرق أوسطي، “ناتو” عربي. فالواقعي هو البحث في ترتيب “أطر دفاع جوي متكاملة في المنطقة لمواجهة صواريخ إيران الباليستية ومسيراتها التي صار بعضها في أيدي وكلاء إيران من الميليشيات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان”. والواقعي أكثر هو ما أشار إليه غريغوري كوز بالقول إن “الخشية في المنطقة ليست من هجوم إيراني مباشر، بل من قدرة إيران على اختراق المجتمعات”. والتحدي مزدوج، ترتيب أمني لمواجهة الخطر النووي والصاروخي الإيراني من جهة، وخطر الميليشيات وتفتيت المجتمعات من جهة أخرى، لكن زيارة رئاسية واحدة لا تحل كل شيء، والدور العربي في النظام الأمني هو المهم.
نقلا عن اندبندنت عربية