زمن ١١ سبتمبر ٢٠٠١ – الحائط العربي
زمن ١١ سبتمبر ٢٠٠١

زمن ١١ سبتمبر ٢٠٠١



التاريخ البشرى مر بأحداث كثيرة تظل راسخة فى أذهان البشر لأهميتها فى حياة الإنسان أو الدول أو مناطق جغرافية بعينها، ولكن حفنة منها هى التى مثلت «نقطة تحول»، أو كما يقال لا يصير العالم بعدها كما كان قبلها. تتغير الحياة وأنماطها وممارساتها، وينتقل البشر، كما يقال أيضا، من «معتاد» إلى «معتاد جديد» يفرض تقاليده وعاداته وممارساته.

وفى أحيان كثيرة لا يخلو الحدث من كثير العجب، ومن بينها أن حدثا له هذا التأثير جاء من الهجمات الجوية التى جرت فى هذا اليوم الأغبر، والتى قامت بها أربع طائرات «مدنية» بتفجيرات فى نيويورك وواشنطن ومزرعة فى ولاية بنسلفانيا، نجم عنها تدمير بما يقدر بالمليارات، ومن البشر ما هو أكثر من ٣٠٠٠ قتيل. لم يكن فى الحساب أن تقوم طائرات مدنية بكل هذا التدمير، أو أن كلفة هذه العمليات الإرهابية كلها لم تزد على ٢٠٠ ألف دولار. وتمدد العجب أكثر عندما عرف من قام بالعمل الإرهابى، فإذا به لا ينتمى، بأى شكل، للعداوات «الدولية» التى تعرفها الولايات المتحدة والعالم، ولم يأت الهجوم لا من دولة عظمى أخرى، ولا من دولة بينها وبين الأمريكيين عداوة أو حسد.

جاء الهجوم مما بات مصطلحا عليه بين علماء السياسة من «فاعل غير الدولة أو non-state actor»، وهو مفهوم جرى استخدامه لكى يصف كيانا مؤثرا فى علاقات الدول، مثل المنظمات الدولية أو الشركات متعددة الجنسية، وكلها لا تعتمد فى التأثير إلا على أدوات سياسية واقتصادية، أما تفجير مركبات سلمية مدنية لكى تقوم بما تقوم به الأسلحة، وعلى مدى هذا النطاق، فقد كان أمرا جديدا فتح الباب لحرب عالمية أخرى باتت معروفة بالحرب ضد الإرهاب. كانت الحرب جديدة على كل الدول، وجاءت من استخدام تنظيمات لأدوات للعنف، وذات طبيعة عالمية عابرة للقوميات، وتتجاوز الحدود المعروفة للدول بفعل المشاركة فى منظمات دولية أو تتحمل مسؤوليات «القانون الدولى».

مرور عشرين عاما على الحدث لم تكن ذكرياته صورا من الماضى، أو من اكتشاف ملفات جديدة لم تكتشف بعد، وإنما كان رؤية الحرب وهى تصل إلى مفصل جديد تمثل فى الخروج الأمريكى من أفغانستان. انتهى فصل مهم من فصول الحرب، ومسرح من مسارح العمليات، ولكنه قدم من الدراما والتراجيديا ما يشير إلى حرب مستمرة ربما تشاهد منعطفا جديدا، ولكنها شهادة بالدوام لأن تنظيم القاعدة لايزال موجودا، وخرج قائده أيمن الظواهرى من الظلام لكى يؤكد على أنه حى، وكانت طالبان التى تؤوى وتحتضن هى التى دخلت كابول، بينما تقوم داعش (خراسان هذه المرة) بالمناوأة، ونجل شاه مسعود، قائد التحالف الشمالى، بالمقاومة. وبينما الساحة بتعقيداتها الجديدة/ القديمة تطل على الولايات المتحدة والعالم، فإن المنصات الفكرية العالمية لم تتوقف عن التنظير لما جرى.

مجلس الشؤون الخارجية الأمريكى أطلق عددا خاصا من دوريته ذائعة الصيت «شؤون خارجية» بعنوان «TheLegacyof 9/11» كيف غيرت الحرب على الإرهاب أمريكا والعالم؟، أعادت فيه نشر مقالات مهمة على مدى العقدين، والتى تفيد كيف تطور الفكر الأمريكى خلال هذه الفترة. فى البداية كانت المقالات دفاعية تبحث فى كيف يمكن منع ما حدث من الحدوث مرة أخرى، حيث كانت تصورات التهديد قد وصلت إلى أنه إذا كان العجب حدث على هذه الصورة، فما الذى يمنع من امتداد العمليات الإرهابية إلى آفاق كيميائية أو بيولوجية أو نووية. ولكن سرعان ما امتد الاهتمام للتعريف بالخصم الجديد والذى امتد من فهم شخص (أسامة بن لادن) إلى تنظيم (القاعدة ومن جاء بعدها) إلى تيار عالمى راديكالى يستند إلى دين، ويحلم بخلافة عالمية.

وكان السؤال ضروريا عما إذا كانت الظاهرة تقع فى نطاق القانون الدولى أو لا، وعندما حصل الجمع على ثروة كبيرة من المعلومات بعدما تم قتل أسامة بن لادن (كشفت المخابرات المركزية الأمريكية فى ٢٠١٧ عن ٤٧٠ ألف ملف إلكترونى منها)، وجاء ذلك فى إطار من نقلة جديدة ترتبت على ما جاء من رد الفعل الأمريكى والغربى بغزو أفغانستان والعراق، ومواجهة أشكال جديدة من العنف. ظهر أن حسابات توازنات القوى لا تفيد كثيرا فى التعامل مع قوى تتعامل باحتراف شديد مع سلعة الخوف. وبينما كان ممكنا غزو دول، وإسقاط نظم سياسية، فإن القضاء على الإرهاب ظل عصيا، حتى غلب الاتجاه الذى يرى ضرورة نشر الديمقراطية وتغيير شعوب وتقاليد.

الأدب المنشور عن ذلك يعود باستمرار إلى جماعة «القرن الأمريكى الجديد» ممن عرفوا بالمحافظين الجدد الذين صاحبوا الرئيس جورج بوش الابن إلى السلطة والذين نقلوا الحرب من أفغانستان إلى العراق بالادعاء الكاذب عن وجود الأسلحة النووية. بات غياب الديمقراطية هو الذريعة، وفى الدوائر الهامسة لواشنطن العاصمة كان القول إن الهدف ليس فقط بغداد، وإنما الرياض والقاهرة. كان ذلك امتدادا للقوة الأمريكية بأكبر مما تستطيع، وكانت النتائج أكثر كارثية مما كان مقدرا، ولم يكن ذلك تجاه الولايات المتحدة وحدها، وإنما كان أكثر ثقلا على الشرق الأوسط والعالم الإسلامى.

فرغم كل الحسابات عن العمليات الإرهابية وأعداد القتلى التى نتجت عنها، ومدى البشاعة التى صاحبتها، فإنه وفقا لكل المراجع عن الإرهاب فإن ٩٥٪ من الخسائر وقعت على العرب والمسلمين، ولم يكن سببها لا الفقر ولا البحث عن الديمقراطية، وإنما كانت أيديولوجيات دينية متطرفة. التحمت الجماعات الإرهابية بطبعاتها وأسمائها المختلفة بموجات ما سمى «الربيع العربى» لكى تولد حروب أهلية، وبلدان خربة ومنهارة، وعدم استقرار إقليمى يقاوم التنمية والبناء. لم يكن العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين رحيما بالمنطقة، ولايزال الإقليم كله يعانى من آثاره المخيفة.

«زمن ١١ سبتمبر ٢٠٠١» وصل إلى مصر بعد عشر سنوات عندما جرت على أرض المحروسة «جمعة قندهار» الشهيرة التى خلدت سمعة قندهار الأفغانية لكى تمد زمنا بدأ فى نيويورك وامتد إلى القاهرة. ما كان «دعوة» صار إرهابا له صلاته الدولية التى وجدت مستمعين لها فى مراكز البحث الأمريكية. كانت المفارقة مخيفة أن أمريكا تحارب الإرهاب فى العراق وأفغانستان وسوريا، ولكنها لم تجد بأسا من الاستعانة والاستضافة فى واشنطن ولندن لجماعة الإخوان، وتجعلهم ضحية للاستبداد الذى بات يتحمل ثمن المقاومة للإرهاب.

لحسن الحظ أن مصر خطت الخطوة الأولى فى النصر على الإرهاب ساعة الإطاحة بحكم الإخوان فى ٢٠١٣، وصاحبته بخطوات تالية للإصلاح واسع النطاق، وهو توجه نجده الآن يندفع بقوة كبيرة فى العديد من الدول العربية، وسواء كان ذلك بالقوة الشعبية، كما حدث فى مصر والسودان ومؤخرا فى تونس والآن فى المغرب. هل يمكن لأمريكا فهم هذا الزمن الجديد؟.

نقلا عن المصري اليوم