ذلك اليوم.. والآن – الحائط العربي
ذلك اليوم.. والآن

ذلك اليوم.. والآن



يتصادف نشر هذا المقال فى هذا التاريخ 22 فبراير مع حدث مهم مصريا وعربيا فى نفس اليوم ولكن منذ 64 عاما، وأقصد به إعلان الوحدة الفورية بين مصر وسوريا فى 22 فبراير عام 1958. وافق عبدالناصر على قبول هذه الوحدة تحت ضغط وفد عسكرى سورى جاء إلى القاهرة خصيصا دون استئذان حكومته، وأعلن عبدالناصر أن هذه الجمهورية العربية المتحدة دولة «تحمى ولا تهدد، تبنى ولا تبدد». تعبيرات جميلة ألهبت أكثر وأكثر مشاعر الجماهير العربية التى انتظرت أن تكون هذه التجربة الوليدة بداية طريق توحيد الأمة العربية التى مزقها الاستعمار.

نعرف الآن أنه بالرغم من هذه المشاعر الجميلة وكذلك جهود الوحدويين، فإن هذه التجربة لم تستمر إلا ثلاث سنوات وسبعة شهور، ففى 28 سبتمبر عام 1961 حدث انقلاب من داخل مكتب نائب رئيس الجمهورية المقيم فى دمشق ـ المشير عبدالحكيم عامر ـ وأدى إلى الانفصال. أسباب فشل هذه التجربة اليتيمة فى الوحدة العربية متعددة، خارجية وداخلية ويطول شرحها، ولكن أهمها يكون الارتجال فى إعلان الفورية لهذه الوحدة بدلا من تخطيط مراحل لإعدادها، ثم بعد ذلك عدم وجود خطط محددة لتثبيتها ليس فقط على مستوى المؤسسات ولكن بين الشعبين المصرى والسورى تعلمت بعض القيادات من هذا الفشل وحاولت إعادة التجربة ولكن عدم ثقة عبدالناصر فى زملائه الوحدويين من حزب البعث جعلته أكثر حرصا، وحقيقة غير قادر على تجاوز آلام تجربة الفشل. ولنتذكر أن عبدالناصر وافته المنية فى 28 سبتمبر عام 1970، أى بعد الانفصال بتسع سنوات ولكن فى نفس اليوم!

أين نحن الآن؟

قصة سوريا دامية ومحزنة. تفكك مجتمعى وحرب جماعات وضد النظام أدت إلى وفاة أكثر من نصف مليون سورى ومئات الآلاف من المعوقين، ونصف سكان سوريا أصبحوا لاجئين داخليا أو خارجيا، وبنية تحتية متهالكة أو مدمرة تماما. فقدت سوريا خلال السنوات العشر من الحرب الأهلية هذه نحو 60% من إنتاجها المحلى الإجمالى وتعتمد على المساعدات الخارجية من روسيا وإيران، بينما تزداد تكلفة إعادة البناء والتى تراوحت فى عام 2020 ما بين 250 و 400 مليار دولار، أى ما بين 9 و 13 ضعفا من الناتج المحلى الإجمالى حاليا وهذه الأرقام للأسف تقديرات محافظة جدا. سوريا حاليا مثل غيرها من اليمن إلى ليبيا ـ تبدد أكثر ما تبنى.

ماذا عن الوضع العربى إقليميا؟ فقد قامت الجمهورية العربية المتحدة فى سنة 1958، أى فى وقت يشعر فيه العرب بالتهديد الإسرائيلى، والذى وصل إلى ذروته فى حرب عام 1967 أو ما يعرف بحرب الأيام الستة والتى أدت إلى احتلال الأراضى العربية فى سيناء، الجولان والضفة الغربية. تغير التوجه ناحية إسرائيل، بداية من مصر فى عصر السادات الذى قام بزيارة القدس، ثم أعقب ذلك باتفاقيات كامب ديفيد فى سنة 1978 وتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية فى سنة 1979 وإقامة علاقات دبلوماسية فى مقابل تحرير الأراضى المصرية. اعترضت معظم الجماهير العربية ـ وحتى المصرية ـ على هذا التوجه الجديد، لدرجة أن وزير الدولة للشئون الخارجية الأسبق ـ بطرس غالى ـ وصف العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية بـ «السلام البارد».

ولكن هذا التغير فى التوجه المصرى ناحية إسرائيل ـ الذى كان ثوريا فى سبعينيات القرن الماضى – أصبح-جد-متواضعا مقارنة بما حدث بعد ذلك، خاصة مع «الاتفاقيات الإبراهيمية»، مع كل من الإمارات، والبحرين، والمغرب وكذلك السودان فى سنة 2020. هى إذن حديثة، ولكنها قامت بطفرة كبيرة فى فترة قصيرة، وللتوضيح هى اتفاقيات تطبيع أكثر منها اتفاقيات سلام لأن هذه الدول لم تكن فى حالة حرب فعلية مع إسرائيل لأنها لا تشترك معها فى حدود جغرافية. كما أن العلاقات مع إسرائيل كانت موجودة وقوية فى السر وقبل فترة طويلة من إعلانها، ولكن ما حدث بعد توقيعها رسميا فى سنة 2020 هو طفرة سريعة بكل المقاييس. هناك زيارات ـ المعلنة فقط ـ أكثر مما تحصى وهى على مستوى رئيس الوزراء ورئيس الدولة ووزارات سيادية من الخارجية إلى الدفاع، وتعاون سريع على مستوى الاستثمار والتجارة مثلا قفزت التجارة بين إسرائيل والإمارات فى أقل من عام بنسبة 1000%، كما تم عقد اتفاقيات عسكرية مع البحرين والمغرب والقيام بمناورات مشتركة، وهذا هو المعلن فقط، العلاقات إذا تطورت من تعاون رسمى إلى مشاركة Partnership إلى تحالف، قد يكون الدافع مواجهة إيران (أو الجزائر فى حالة المغرب)، ولكن هذه العلاقات تشكل تغييرا هيكليا فى النظام الإقليمى بكل المقاييس.

من الناحية التحليلية، وجب إذن تغيير أسلوبنا فى النظر إلى المنطقة، وعدم التركيز على الاستمرارية بدلا من الاهتمام بالتغيير ومصادره خاصة تداعياته، وهو بالتأكيد أصعب بكثر من ناحية التحليل لأننا كما نصوب على عدة طيور تتحرك باستمرار من شجرة إلى أخرى. ولكن لا مفر من متابعة هذا التغيير Ynamic analysis وكذلك تقدير المكاسب والخسائر لكل طرف. فبالرغم من أهمية السلام وفوائده للجميع، فإننا نرى حاليا أن أكبر الخاسرين هو الطرف الفلسطينى الذى لا يزال منقسما وغير قادر على وضع إستراتيجية فعالة لمواجهة الوضع الجديد فى المنطقة.

نقلا عن الأهرام