مع تصاعد حدة الخلافات الجزائرية المغربية، قرر الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون”، في 31 أكتوبر 2021، عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب، وإعلان كلٍّ من “محمد عرقاب” وزير الطاقة والمناجم الجزائري، ووزيرة التحول البيئي الإسبانية المسؤولة عن الطاقة “تيريسا ريبيرا”، أنه سيتم الإعتماد في نقل الغاز الجزائري على أنبوب الغاز البحري “ميدغاز” الذي تم إدخاله في الخدمة منذ عام 2011، ومجمعات تحويل الغاز الطبيعي المسال.
محفزات القرار
يمكن تفسير القرار الجزائري بعدم تجديد العقد الخاص باستغلال خط أنابيب الغاز الذي ينقل الغاز الطبيعي الجزائري إلى إسبانيا مروراً بالمغرب، من خلال مجموعة من الدوافع، ومن أبرزها ما يلي:
1- مواصلة التصعيد ضد المغرب في إطار الخلافات الجارية: حيث استند القرار الصادر عن الرئاسة الجزائرية إلى اتهام المغرب بمواصلة سياساتها ذات الطابع العدواني ضد الجزائر منذ قطع الأخيرة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس الماضي. وهنا رأت الجزائر عدم تجديد العقد التجاري الموقع بين شركة “سوناطراك” الجزائرية مع المغرب في هذا الخصوص والذي انتهى بالفعل في 31 أكتوبر 2021، وذلك بعد أن تمت سلسلة من النقاشات بين الرئاسة الجزائرية ووزراء الخارجية والطاقة والمال الجزائرية، والتي توصلت إلى هذا القرار بسبب تعمد المغرب مواصلة سياساتها التي تمس السيادة الجزائرية حسب وصف الرئاسة الجزائرية، وهو ما دفع الجزائر للتفكير في معاقبة المغرب بحرمانها مما تحصل عليه نظير مرور خط الغاز الطبيعي عبر أراضيها.
حيث تحصل الرباط على مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي تقريباً سنوياً نظير مرور الغاز الجزائري عبر أراضيها وصولاً إلى إسبانيا، وتمثل هذه الكمية حوالي 97% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتستهلك منها حوالي من 15 – 20% لتوليد الكهرباء، ومع عدم تجديد هذا العقد ستضطر الحكومة المغربية برئاسة “عزيز أخنوش” لشراء كامل احتياجاتها من الغاز الطبيعي تجنباً لتأثير ذلك سلباً على الطاقة الكهربائية التي تعتمد البلاد في توليدها على الغاز الطبيعي. ورغم ذلك فقد أعلن “المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء الصالح للشرب” بعد هذا القرار أنه ذو تأثير محدود على أداء النظام الكهربائي، حيث تم اتخاذ بعض الإجراءات لضمان استمرارية توليد الطاقة الكهربائية من محطتي “تهدارت” شمالاً و”عين بني مطهر” شرقاً، اللتين تعتمدان في ذلك على 700 مليون متر مكعب من الغاز الجزائري سنوياً.
2- دعم جبهة البوليساريو بشأن قضية الصحراء المغربية: يأتي قرار عدم تجديد عقد نقل الغاز عبر خط أنابيب الغاز المار بالمغرب، في إطار الدعم الجزائري السياسي والعسكري لموقف جبهة البوليساريو ضد المغرب بشأن قضية الصحراء، حيث قامت الجزائر بتوظيف ورقة عدم نقل الغاز الطبيعي عبر المغرب في محاولة جزائرية للضغط على المغرب لتعديل موقفها التفاوضي مع جبهة البوليساريو، خاصة وأن القرار الجزائري جاء عقب 24 ساعة فقط من إصدار مجلس الأمن الدول قراراً يقضي بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في إقليم الصحراء الغربية “المينورسو” لمدة عام إضافي حتى 31 أكتوبر 2022.
وبالإضافة إلى دعوة المغرب وجبهة البوليساريو فضلاً عن دول الجوار (الجزائر- موريتانيا) للعودة إلى المسار السياسي باستئناف المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، فقد عينت مبعوثاً جديداً لها هو “ستيفان دي ميستورا” لدفع عملية التسوية السياسية لهذه القضية، وهو ما دفع الجزائر لانتقاد القرار الأممي الجديد تضامناً مع الموقف الرافض لجبهة البوليساريو أيضاً، حيث كانت الجزائر تفضل إجراء مفاوضات مباشرة بين الرباط وجبهة البوليساريو، كما أن القرار الأممي لم يُشر إلى مسألة إجراء استفتاء شعبي حول تقرير المصير كما تطالب به البوليساريو.
3- تعظيم المكاسب الاقتصادية والمالية: إذ إن الإجراء الجزائري يهدف إلى الحصول على مكاسب إضافية، خاصة وأن تكلفة نقل الغاز عبر خط الأنابيب البديل “ميدغاز” ستكون منخفضة، نظراً لأنه يعد أقصر بنسبة 30% عن الخط المغاربي الأوروبي. ومن ناحية أخرى فإن هذا القرار من شأنه التأثير على كميات الغاز الطبيعي التي ستستقبلها إسبانيا. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر تزود إسبانيا والبرتغال بحوالي 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً منذ عام 1996 عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا.
وقد تهدف الجزائر من وراء ذلك إلى توظيف ورقة الغاز الطبيعي للحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والمالية من خلال رفع السعر الخاص، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات على الجانب الإسباني في ظل ارتفاع الأسعار والغموض بشأن الموردين مع اقتراب فصل الشتاء وما يصاحب ذلك من أزمة كبيرة داخل إسبانيا. وهنا تتزايد المخاوف الإسبانية إزاء هذه المسألة، وذلك رغم ما تقدمه الجزائر من تطمينات بالتوريد لإسبانيا احتياجاتها من الغاز عبر أنبوب “ميدغاز” بعد توسعة طاقة نقل الغاز من خلاله إلى 10 ملايين متر مكعب تقريباً، إلا أن ذلك قد يُلحق أضراراً بالجزائر، فقد تلجأ إسبانيا للجوء إلى موردين آخرين مثل روسيا وقطر، وبالتالي لن تستطيع الجزائر في هذه الحالة تحقيق مكاسب إضافية عبر هذا الإجراء.
تداعيات محتملة
يرى خبراء الاقتصاد أن القرار الجزائري بعدم تمديد عقد نقل الغاز عبر المغرب لإسبانيا قد تترتب عليه جملة من التداعيات على الاقتصاد الجزائري من جهة، وعلى مستقبل علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول الجوار والدول المستوردة للغاز الطبيعي الجزائري من جهة أخرى، ومن ذلك ما يلي:
1- خسائر محتملة نتيجة زيادة التكلفة: رغم الحديث عن انخفاض حجم الخسائر المحتملة بالنسبة للجزائر، إلا أن هذا القرار قد يترتب عليه عدم قدرة الجزائر على الوفاء بكامل التزاماتها الخاصة بتوريد الغاز الطبيعي لإسبانيا وفق ما تحتاجه الأخيرة، وقد تضطر إلى نقل مزيد من الغاز عبر سفن الشحن، وهو ما يعني زيادة تكلفة نقل الغاز الطبيعي لإسبانيا، وبالتالي تحمّل الحكومة الجزائرية مزيداً من النفقات المالية.
2- اهتزاز الثقة بالسوق الدولية للطاقة: قد يؤثر هذا القرار على صورة الجزائر في السوق الدولية للطاقة، نظراً لأن العقود الخاصة بالطاقة يجب أن تستمر بغض النظر عن الخلافات أو الصراعات السياسية بين الدول، لأن ذلك سيجعل من الجزائر مصدراً غير موثوق به أو مورداً للحصول على إمدادات الطاقة، وأيضاً على العلاقات الجزائرية التونسية، خاصة وأن هناك أنبوباً لنقل الغاز الجزائري إلى إيطاليا عبر الأراضي التونسية، مما قد يدفع كلاً من تونس وإيطاليا إلى إعادة التفكير في علاقاتهما الاقتصادية والتجارية مع الجزائر، وهو ما ظهر في إعلان إيطاليا البحث عن بدائل للغاز الجزائري تحسباً لأية قرارات جزائرية غير مدروسة ومفاجئة للجانب الإيطالي، وتوظيف ذلك الأمر في المفاوضات الجزائرية الإيطالية بشأن ملفي الهجرة غير النظامية ودور كل منهما في الأزمة الليبية، وقد تلجأ إيطاليا إلى تعديل عقودها مع الجزائر بتضمين بنود تضمن حقوقها في حال توقف الجزائر عن الإمداد لأي سبب محتمل في المستقبل.
3- البحث عن منافسين لتأمين احتياجات الغاز: حيث دفع القرار الجزائري المغربَ إلى اللجوء لموردين آخرين غير الجزائر لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، مثل دول الخليج العربي ومصر، والعمل على توظيف العلاقات المغربية الجيدة مع الدول المشاركة في منظومة غاز شرق المتوسط. كما قد تلجأ المغرب كذلك إلى الحصول على الغاز الطبيعي من نيجيريا، مستفيدة من مرور خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد من القارة الإفريقية إلى دول الاتحاد الأوروبي، أو الاستيراد من النرويج أو الولايات المتحدة، غير أن ذلك سيزيد من تكلفة الغاز المستورد بالنسبة للمغرب.
تأثير عكسي
خلاصة القول، يُشير القرار الجزائري بعدم تجديد عقد نقل الغاز الطبيعي إلى إسبانيا عبر المغرب، إلى وجود دوافع سياسية وراء هذا القرار، وخاصة فيما يتعلق بتوجهات السياسة الخارجية الجزائرية التي تتبنى نهجاً تصعيدياً ضد جارتها المغرب منذ قطع العلاقات بينهما في أغسطس الماضي. ويمكن أن يؤثر هذا القرار على مستق