أبلغت السلطات السورية ممثلي مليشيا الحوثي الانقلابية، في 11 أكتوبر 2023، بإخلاء ومغادرة السفارة اليمنية في العاصمة السورية دمشق. وفي اليوم التالي، كشف وزير الخارجية اليمني “أحمد بن مبارك” بأن نظيره السوري “فيصل المقداد” أبلغه بتسليم السفارة اليمنية في دمشق للحكومة الشرعية. وعليه، فإن ثمة أسباباً وراء طرد سوريا للحوثيين في هذا التوقيت، يأتي من بينها: فشل الحوثيين في الحصول على اعتراف دولي، وتفشي فساد البعثة الدبلوماسية الحوثية، وتراجع الدعم الإيراني للحوثيين في سوريا، ومساعي سوريا لاستكمال عملية التوافق العربي، إضافة إلى نجاح جهود الحكومة الشرعية في إثبات “عدم شرعية” الحوثي.
تدهورت العلاقة بين سوريا واليمن بعد عام 2011، وذلك بعدما قاطع عدد من الدول العربية اليمن ومن بينهم النظام السوري، وتزايدت الأوضاع تدهوراً بعد اندلاع “عاصفة الحزم” ودخول قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى اليمن في أبريل 2015، ففي وقتها أعلنت سوريا دعمها للحوثيين بل وأقامت علاقات دبلوماسية مع المليشيا وذلك بتعيين سفير حوثي لليمن في دمشق هو القيادي بحزب البعث اليمني ورئيس اللجنة الثورية العليا الحوثية “نايف أحمد القانص” في مارس 2016، ثم عينت الجماعة الانقلابية في 11 نوفمبر 2020 الإعلامي الحوثي “عبدالله علي صبري” سفيراً لها في دمشق خلفاً لـ”القانص”.
دوافع متعددة
وفي ضوء ما تقدم فإن ثمة دوافع وراء اتخاذ سوريا قراراً بطرد البعثة الدبلوماسية الحوثية من السفارة اليمنية في دمشق، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
1- فشل الحوثيين في الحصول على اعتراف دولي: إن اتجاه السلطات السورية التي أبدت انفتاحاً على العالم العربي منذ مطلع العام لطرد ممثلي الحوثي يرجع إلى عدم قدرة المليشيا الانقلابية على توسيع دورها على الصعيد الدبلوماسي مع مختلف بلدان العالم، وفشل علاقاتها الدولية كونها لا تحظى بأي دعم دولي سوى من قبل إيران وسوريا والمليشيا الموالية لطهران بالأراضي العراقية واللبنانية، وهو ما أدركته سوريا التي أرتأت أنه ليس من مصلحتها التعامل مع “مليشيا مسلوبة القرار” غير قادرة على إدارة قنصلية واحدة، وغير معترف بها على الصعيدين الدولي والإقليمي بل وتتزايد عزلتها الداخلية والخارجية يوماً بعد يوم، خاصة مع فشلها المستمر في إدارة أية مفاوضات بشأن تسوية الأزمة اليمنية التي دخلت عامها التاسع، بل وعدم التزامها بأية مطالب بوقف انتهاكاتها سواء داخل أو خارج الأراضي اليمنية.
وهو ما ألمح إليه المدير بوزارة المالية الحوثية “خالد العروسي” في منشور على حسابه بموقع “فيسبوك” الذي حمل بعض قيادات جماعته المتمردة السبب في طرد دبلوماسييها من سوريا، مشيراً إلى أنّهم “فشلوا في الاختبار الوحيد لتمثيلهم في العلاقات الدولية”، وأضاف قائلاً: “قرار إغلاق سفارة ليس قراراً سهلاً أو عادياً، والموضوع يُشكل فاجعة، لأن معناه أننا فشلنا في إطار التمثيل الدبلوماسي. ذلك فشل مؤسسي داخلي وفشل سياسي خارجي”.
2- تفشي فساد البعثة الدبلوماسية الحوثية: بعد الإعلان عن طرد سوريا ممثلي الحوثي من البلاد، فقد اشتعلت الخلافات بين قيادات المليشيا على منصات التواصل الاجتماعي، التي ألمحت إلى أن إغلاق النافذة الدبلوماسية الثانية للمليشيا (التمثيل الدبلوماسي الآخر في إيران من خلال سفيرها “إبراهيم الديلمي”) سببه تفشي فساد البعثة الدبلوماسية الحوثية داخل وخارج دمشق منذ أيام السفير الحوثي “نايف القانص”، إذ ألمح رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة الحوثية “عبدالرحمن الأهنومي” في تغريدة على حسابه بموقع “إكس” إلى أن سوريا سبق وطردت “القانص” بسبب اتهامه بالفساد، قائلاً: “الذي أزكم الأنوف كان نايف القانص، وقد طردوه قبل أعوام”، فضلاً عنّ أن وزير الإعلام بالحكومة اليمنية الشرعية “معمر الإرياني” كشف أن فشل مسؤولي الحوثي في إدارة بعثة دبلوماسية واحدة خارج إطار القوانين الدولية وتورطهم في قضايا أخلاقية وفساد مالي وإداري، السبب في طردهم من سوريا.
إضافة لذلك، فقد كشفت وسائل إعلام يمنية أن مسؤولي الحوثي تم إبلاغهم من فترة بالخروج من السفارة في أقرب فرصة ممكنة، وأنه قبل أسبوع من القرار السوري غادر سفير الحوثيين “عبدالله صبري” دمشق واتجه إلى لبنان بدعوى العلاج. ووفقاً لموقع “الحدث اليمني” فبرغم التوجيهات الصادرة عن السلطات السورية بعدم أخذ أي أجهزة أو مقتنيات من السفارة، إلا أن بعض دبلوماسيي الحوثي وهم “ياسر المهلهل، رضوان الحيمي، معتز القرشي، عمار إسماعيل”، نهبوا بعض محتويات السفارة وسرقوا تبرعات بقيمة مليون دولار، خاصة التي تم جمعها لإغاثة ضحايا زلزال “كهرمان مرعش” الذي ضرب شمال سوريا فبراير الماضي.
3- تراجع الدعم الإيراني للحوثيين في سوريا: شكل هذا القرار صدمة داخل أوساط المليشيا الانقلابية نظراً لعدم توقعها أن يحدث ذلك، خاصة أنها من أبرز حلفاء إيران (الداعم الأول للحوثيين) التي تعد بدورها من حلفاء الرئيس السوري “بشار الأسد” وتوجد عناصر من الحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي السورية لدعم النظام، ولذلك فإن اتجاه دمشق لطرد الحوثيين وعدم تعليق النظام الإيراني على هذا القرار سواء بالدعم أو الرفض، يعني تغيير السياسة الإيرانية تجاه المليشيا الانقلابية التي تكشفت ملامحها عقب الاتفاق الإيراني السعودي الذي قضى بعودة العلاقات بين طهران والرياض في 10 مارس 2023 برعاية صينية، بعد قطيعة دامت سبع سنوات، ومن وقتها ظهرت ملامح تكشف عن تراجع دعم طهران السياسي للمليشيا، التي حرصت على عدم التدخل بالشأن اليمني على الأقل بشكل علني كما كانت تفعل، لعدم خسارة علاقاتها مع المملكة.
4- مساعي سوريا لاستكمال عملية التوافق العربي: إن طرد البعثة الدبلوماسية الحوثية يأتي بعد خمسة أشهر على قرار عودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية وإعادة العلاقات السعودية السورية في مايو 2023، واستئناف عمل البعثات الدبلوماسية لكلا البلدين، وإعادة افتتاح السفارة السورية بالمملكة في 1 أكتوبر 2023 بعد أكثر من عقد على إغلاقها. وبناء عليه، فإن ما قامت به سوريا يأتي ضمن مساعيها لاستكمال عملية التوافق مع الدول العربية وتحسين علاقاتها معهم بعد سنوات من العزلة، ولذلك ليس من مصلحة النظام السوري في الوقت الراهن دعم الحوثيين الذين يشكلون بشكل دائم تهديداً لدول التحالف العربي وخاصة السعودية والإمارات.
5- نجاح جهود الحكومة الشرعية في إثبات “عدم شرعية” الحوثي: تأتي هذه الخطوة نتيجة للجهود التي تقوم بها الحكومة اليمنية الشرعية التي لطالما اعتبرت وجود الحوثيين في سفارة اليمن بدمشق “أمراً غير شرعي ومخالفاً للأعراف والقوانيين الدولية”، وعملت خلال السنوات الثماني الماضية على إثبات أن الحوثيين “طرف غير شرعي” ولا ينبغي لأي دولة أو منظمة التعامل معهم بخلاف هذا النهج. وبناء عليه، فإن القرار السوري يأتي نتيجة للقاء الذي جمع وزيري الخارجية اليمني “بن مبارك” ونظيره السوري “المقداد” لأول مرة منذ 2011، على هامش اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في 9 سبتمبر 2023 بالقاهرة، وبحث الوزيران وقتها سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وهو ما أكده “بن مبارك” قائلاً في تصريحات له، في 11 أكتوبر الجاري: “أُبلغت رسمياً من وزير الخارجية السوري بأنهم أخرجوا الحوثيين من مبنى السفارة اليمنية في دمشق”. مشيراً إلى أن “هذا جاء ثمرة اللقاءات الأخيرة للخارجية اليمنية مع السوريين في مصر والسعودية”، ومعلناً “استعداد الشرعية لتعيين بعثة دبلوماسية في دمشق خلال الفترة المقبلة”.
عزلة الحوثي
خلاصة القول، إن قرار سوريا بطرد البعثة الدبلوماسية التابعة للحوثيين سيخدم في المقام الأول الحكومة السورية التي أبدت خلال الفترة الماضية حرصها على العودة إلى محيطها العربي بعد سنوات من العزلة، إذ إن هذا القرار قد يعزز علاقاتها مع الدول العربية التي لا تعترف جميعها بالمليشيا الحوثية وتعتبرها طرفاً انقلابياً وغير شرعي. ومن الجهة المقابلة، فإن هذا القرار سيزيد من الدعم الشعبي للحكومة الشرعية بالداخل اليمني، حيث سيثبت نجاح الدبلوماسية اليمنية في قطع الطريق أمام الانقلابيين لاستغلال اليمنيين، ومحاولة إثبات أنهم طرف شرعي حريص على مصلحتهم، وأن أطراف الصراع الأخرى (التحالف والشرعية) يريدان السيطرة على ثروات ومقدرات اليمن. وعليه، قد تشهد الفترة المقبلة عودة العلاقات السورية اليمنية وتبادل السفراء بين الجانبين بعد 12 عاماً من القطيعة، وهو ما سيزيد من العزلة الدولية للحوثيين، وسيعزز من المكانة الدولية للحكومة الشرعية.