ملفّات متعددة:
دوافع زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى قطر والعراق

ملفّات متعددة:

دوافع زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى قطر والعراق



تنبع أهمية زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى كل من قطر والعراق، من التوقيت الذي تقع فيه، إذ إنها تأتي بالتزامن مع تحركات فرنسية مستمرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، منها جولة يجريها مبعوث الرئيس الفرنسي للبنان “جان إيف لودريان” إلى كل من قطر والسعودية يومي 17 و18 من يوليو الجاري، كما تأتي بعد شهر من الزيارة التي أجرتها وزيرة الخارجية الفرنسية “كاترين كولونا” إلى الدوحة في 8 يونيو الماضي.

دلالات التوقيت

وبجانب ذلك، فهذه الزيارة جاءت بالتزامن مع محاولات تنظيم “داعش” الإرهابي لاستعادة نفوذه ومناطق سيطرته سواء بسوريا أو العراق، وهو السبب في إجراء وفد من وزارة الخارجية الفرنسية في 18 يوليو الجاري ومن خلال التنسيق مع “قوات سوريا الديمقراطية” المعارضة، زيارة إلى مناطق السيطرة الكردية بشمال سوريا، والتناقش مع القيادات الكردية حول ملف إعادة حملة الجنسية الفرنسية من عائلات مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي الذين تم أسرهم أو قتلهم، وهي الزيارة التي رفضتها الحكومة السورية بشدة في بيان لها، واعتبرتها “انتهاكاً فرنسياً للقوانين والأعراف الدولية، واتهمت فرنسا بالقيام بـعمل تخريبي بالشراكة مع الأكراد وبالعدوان على سوريا”.

أجندة الجولة

في ضوء التطورات سالفة الذكر، انصبّت مباحثات وزير الجيوش الفرنسي في زيارته إلى الدوحة، على عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين القطريين، أبرزهم أمير قطر “تميم بن حمد” ورئيس وزراء قطر “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، ووزير الدفاع القطري “خالد بن محمد العطية”، ركزت جميعها على بحث القضايا العسكرية والسياسية التي تهم البلدين، وسبل تعزيز التبادل الثنائي في مجال الدفاع المشترك، وخلال تلك الزيارة توجّه الوزير الفرنسي برفقة نظيره القطري إلى قاعدة “دخان الجوية” حيث تتمركز طائرات رافال التي حصلت عليها الدوحة من فرنسا. وفي ختام هذه الزيارة، نشر “لوكورنو” تغريدة على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، قال فيها: “العلاقات الدفاعية بين فرنسا وقطر صلبة، ونشترك مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في نفس الرؤية لشراكة استراتيجية تقوم على التعاون العملياتي والصناعي”.

وتوجّه وزير الدفاع الفرنسي إلى العراق، وعقد اجتماعاً مع نظيره العراقي “ثابت العباسي”، تمخض عنه مؤتمر صحفي، كشف فيه الطرفان عن مناقشتهما تعزيز العلاقات الفرنسية العراقية خاصة في المجال الجوي، ودور القوات الفرنسية الموجودة ضمن التحالف الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وأعلن “لوكورنو” عن “دورة تدريبية فرنسية في العراق خلال الفترة المقبلة، ستحمل اسم “كتيبة الصحراء”، وستستمر لمدة عامين، وتضم 80 مدرباً فرنسياً سيتناوبون على تدريب ما يعادل 5 كتائب، أي 2100 عسكري عراقي. وبحث وزير الدفاع الفرنسي مع الرئيس السابق لكردستان “مسعود بارزاني”، العلاقات بين الإقليم العراقي وفرنسا، وأكد “لوكورنو” حرص بلاده على وحدة أراضي بلاد الرافدين. وفي ختام هذه الجولة، أعرب الوزير الفرنسي في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، عن سعادته لـ”تبادل الآراء حول القضايا الإقليمية وسيادة العراق، مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزير الدفاع العراقي ثابت العباسي”.

أهداف الجولة

تحمل جولة وزير الدفاع الفرنسي إلى قطر والعراق جملة من الأهداف، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1- تعزيز مجالات التعاون العسكري مع الدوحة: إن من أبرز الأهداف التي يسعى إليها وزير الدفاع الفرنسي من خلال زيارته إلى قطر، تعزيز آفاق التعاون على الصعيدين العسكري والأمني مع الدوحة التي تعد من أبرز دول مجلس التعاون الخليجي المستوردين للأسلحة من فرنسا، وهو ما كشفه الوزير “لوكورنو” خلال زيارته إلى قاعدة “دخان الجوية”، مبيناً أن القاعدة تضم (36) طائرة رافال فرنسية، وهو الهدف ذاته بالنسبة لقطر التي تحرص على الاستفادة من خبرات الدول الأوروبية في مجال التكنولوجيا العسكرية، وخاصة في ظل التطورات الجارية على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي مقابل ذلك، فإن فرنسا تعول على قطر في الحصول على النفط، سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية وفرض الغرب عقوبات على موسكو، وهو ما دفع الدول الأوروبية لمحاولة تأمين حصتها النفطية والغازية سواء بالاتجاه إلى الخليج أو للجزائر، ويبدو أن فرنسا اختارت قطر لهذا الهدف، وذلك مقابل إمداد الأخيرة بأحدث الأسلحة الفرنسية.

2- حشد الدعم الخليجي للأزمة الأوكرانية: حرصت فرنسا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير العام الماضي، على تقديم مختلف وسائل الدعم خاصة العسكرية إلى كييف، بهدف مساعدتها على مواجهة القوات الروسية، واستعادة السيطرة على كامل أراضيها، ولكن استمرار هذه الحرب وعدم وجود أية مؤشرات على انتهائها، يعني تحول الدعم الفرنسي لأوكرانيا إلى “شبه استنزاف”، وهو ما دفع فرنسا إلى محاولة البحث عن داعم لها للاستعداد لمواجهة هذا الاستنزاف.

وعليه، فإن اختيار وزير الدفاع الفرنسي (قطر) كمحطة خليجية أولى، يعكس رهان فرنسا على الدوحة لمساعدتها حتى تتمكن من مواجهة الأزمة التي تعانيها جراء الصراع الأوكراني الذي جاء على رأس القضايا الدولية التي ناقشها وزير الدفاع الفرنسي خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء القطري الشيخ “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، كما أن هذا الصراع كان أيضاً محور مباحثات وزيرة الخارجية الفرنسية “كاترين كولونا” مع نظيرها القطري، خلال زيارتها إلى الدوحة مطلع يونيو الماضي، وأيضاً خلال جولتها الأولى لمنطقة الخليج التي شملت السعودية والإمارات في فبراير الماضي.

3- رفع قدرات القوات المسلحة العراقية لمحاربة “داعش”: تأتي زيارة وزير الجيوش الفرنسي لبلاد الرافدين، بالتزامن مع أمرين، أولهما، محاولة بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي العودة إلى العراق مرة أخرى بعد القضاء عليه في 2019، والأمر الثاني، استراتيجية الحكومة العراقية لمحاربة الإرهاب وإحباط أية محاولات للتنظيم الإرهابي للعودة، ولكي تنجح هذه الاستراتيجية، فإن العراق سيكون بحاجة للحصول على دعم خارجي، وهو الهدف الذي دفع رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” لزيارة فرنسا في يناير الماضي.

وفي ضوء ذلك، فإن أحد أهداف زيارة الوزير الفرنسي إلى العراق شمل تعزيز التعاون العسكري المشترك وخاصة بجوانب التسليح والتدريب وأيضاً المجال الاستخباراتي للحفاظ على إنجازات البلدين في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، ولذلك أعلن “لوكورنو” عن تدريبات فرنسية للقوات المسلحة العراقية لرفع كفاءتها، وستسهم هذه التدريبات في تعزيز الحضور الفرنسي في الأراضي العراقية، خاصة أن الإعلان عن هذه التدريبات جاء بعد إجراء القوتين الجويتين الفرنسية والعراقية لأول مرة في مايو الماضي، تدريباً مشتركاً في العراق بمشاركة مقاتلات رافال الفرنسية.

وفيما يخصّ مجال التسليح، فإن رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” كشف خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، ولقائه مع ممثلين عن مجموعتي “تاليس” و”داسو” الفرنسيتين لتصنيع الطائرات، عن رغبة العراق في الحصول على معدات جديدة تشمل رادارات وطائرات رافال ومروحيات عسكرية، وعليه فإن زيارة “لوكورنو” من أبرز أهدافها مناقشة كيفية تزويد بغداد بهذه الأسلحة، خاصة أنه كشف خلال تصريحات له أن “تاليس الفرنسية” تواصل مباحثاتها مع بغداد لتسهيل عملية حصول الأخيرة على الرادار جي إم 400، وأسلحة أخرى.

4- تنسيق التعاون الفرنسي الخليجي لحل الأزمة اللبنانية: من أبرز الأهداف التي يحملها مسؤولو الحكومة الفرنسية خلال زيارتهم الخارجية خاصة إلى دول المنطقة العربية، وتحديداً لدول مجلس التعاون الخليجي، العمل على حل الأزمة في لبنان التي تشهد فراغاً رئاسياً منذ أواخر أكتوبر الماضي، ولذلك كانت هذه الأزمة محور محادثات وزير الدفاع الفرنسي مع رئيس الوزراء القطري، وفي الوقت ذاته كان الملف اللبناني على قائمة أهداف الجولة الخليجية التي أجراها مبعوث الرئيس الفرنسي للبنان “جان إيف لودريان”، حيث بحث مع المسؤولين بقطر والسعودية خلال جولته سبل تعزيز التعاون المشترك لإيجاد حل سياسي لهذه لأزمة، بما يضمن الحفاظ على سيادة واستقلال لبنان.

وهو ما يكشف عن رغبة فرنسية في تنسيق التعاون السياسي مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الدول المعنية بالتوصل لتسوية سياسية للأزمة اللبنانية، وبالإضافة لذلك فقد تكون مباحثات الوزير الفرنسي ركزت على دعم دول الخليج للقوات المسلحة اللبنانية لمساعدتها على تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد، خاصة أن قطر من الدول التي لطالما قدمت دعماً عسكرياً إلى لبنان، فوفقاً لما كشفه المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية “ماجد الأنصاري” في ختام أعمال اجتماع استضافة الدوحة للاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان، فإن بلاده قدمت دعماً للجيش اللبناني بقيمة 60 مليون دولار خلال السنوات الماضية.

5- تكثيف أوجه التعاون لإعادة الفرنسيين من الأراضي السورية: لقد كانت الأزمة السورية محور حديث وزير الدفاع الفرنسي في كل من العراق وقطر، خاصة أن الدوحة وباريس تجمعهما رؤية مشتركة بشأن سوريا، فكل منهما كان يرى أن قرار إعادة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية كان ينبغي أن يتم بفرض بعض الالتزامات على النظام السوري لحل الأزمة في بلاده وتحقيق تطلعات الشعب السوري، ولذلك عقب قرار عودة سوريا ارتفعت الأصوات على الصعيدين الإقليمي والدولي لمطالبة النظام السوري بإعادة اللاجئين، والعمل على محاربة الإرهاب في البلاد.

وفي الوقت الراهن، تعمل فرنسا على تكثيف جهودها ودفع مختلف مسؤوليها لدول المنطقة المعنيين بالأزمة السورية، من أجل إعادة الفرنسيين القابعين في مخيمات تضم متشددين في شمال شرقي سوريا، ولذلك فهي بحاجة إلى تنسيق التعاون الأمني مع القوات العراقية وأيضاً السورية من أجل تسهيل عملية إعادة الفرنسيين، ولذلك عقد “لوكورنو” خلال زيارته للعراق لقاء خاصاً مع قائد عملية “العزم الصلب”، وهو تحالف دولي يحارب تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهو سبب توجهه أيضاً إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان.

6- زيادة مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى دول المنطقة: تستهدف باريس من خلال تحركات مسؤوليها إلى الدول العربية، زيادة صادراتها من الأسلحة خاصة إلى العراق، التي أعربت أكثر من مرة على لسان مسؤوليها، عن الرغبة في تعزيز قدرات الجيش العراقي بأحدث الأسلحة والمعدات الفرنسية، وتريد بلاد الرافدين شراء طائرات “رافال الجيل الرابع بلس” من فرنسا، ومؤخراً كشفت بعض المصادر المطلعة لموقع “ديفينس نيوز” الأمريكي، أن العراق يريد شراء 14 مقاتلة فرنسية طراز “رافال” بقيمة 240 مليون دولار سيسدد العراق ثمنها بشحنات من النفط.

وفي الوقت ذاته، فإن الوزير الفرنسي يعمل في الوقت الراهن على تطوير القوات العسكرية الفرنسية وهو ما دفعه لتقديم طلب أواخر مايو الماضي للحصول على 413 مليار يورو على مدى 7 أعوام من أجل إصلاح المنظومة الدفاعية الفرنسية في إطار مشروع قانون البرمجة العسكرية 2024-2030، الأمر الذي قوبل بمعارضة من قبل البرلمان الفرنسي، ولذلك فقد يستهدف “لوكورنو” من خلال جولته إقناع الدوحة بالحصول على مزيد من المعدات التسليحية الفرنسية وإمداد العراق بالأسلحة، بما يضمن زيادة مبيعات الأسلحة ومساعدته على تنفيذ استراتيجيته الرامية إلى توفير الموارد المالية اللازمة لتطوير المنظومة الدفاعية الفرنسية.

تعزيز الدور

خلاصة القول، إن زيارة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو إلى كل من قطر والعراق، في هذا التوقيت، تؤكد حرص فرنسا على تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة على الصعد كافة، السياسية والعسكرية وأيضاً الاقتصادية. وتحمل هذه الزيارة رسالة غير مباشرة، مفادها “النفط مقابل السلاح”، ومن المتوقع أن تكثف فرنسا خلال الفترة المقبلة من تحركاتها نحو دول منطقة الشرق الأوسط لتعزيز دورها، خاصة في ضوء التغييرات والتطورات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي بهدف إعادة صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية التي تشهدها هذه البلدان، والتأكيد في الوقت ذاته على أن فرنسا حاضرة بقوة في المحيط العربي.