تعزيز الاصطفاف:
دوافع زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا

تعزيز الاصطفاف:

دوافع زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا



لا يمكن فصل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى سوريا عن مجمل التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال الفترة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتزايد التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا، والتحولات الأخيرة في السياسة التركية، واقتراب موعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، وارتفاع مستوى الهجمات التي تشنها إسرائيل ضد مواقع إيران وحزب الله في سوريا.

قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة سوريا، في 2 يوليو الجاري، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية السوري فيصل المقداد. كما عقد اجتماعاً مع قادة الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا. وقد حرصت إيران وسوريا خلال الزيارة على توجيه رسائل مشتركة للقوى الدولية والإقليمية المعنية بما يحدث من تطورات على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بتطورات المفاوضات النووية، والتصعيد بين تركيا والأكراد في سوريا، والهجمات المتكررة التي تقوم بها إسرائيل.

أهداف متعددة

يمكن القول إن ثمة أهدافاً متعددة سعت إيران إلى تحقيقها عبر زيارة عبد اللهيان إلى دمشق، يتمثل أبرزها في:

1- ممارسة دور الوسيط بين أنقرة ودمشق: ربما تحاول إيران خلال المرحلة القادمة ممارسة دور الوسيط بين تركيا وسوريا. ففي رؤيتها، فإن توازنات القوى الاستراتيجية تغيرت لصالح النظام السوري، وبات المناخ مهيأ بشكل أكبر لتقليص حدة التوتر بين دمشق وأنقرة. وقد كان لافتاً أن زيارة عبد اللهيان إلى دمشق أعقبت زيارته إلى تركيا في 27 يونيو الفائت، كما تسبق الزيارة التي سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران في 19 يوليو الجاري، مما يوحي بأن إيران تبدو معنية في الوقت الحالي بتعزيز فرص الوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين الطرفين، مع إدراكها -في الوقت ذاته- أن هذه الخلافات ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة، ولا سيما فيما يتعلق بالتواجد التركي في شمال شرق سوريا، وتهديدات أنقرة المستمرة بشن عملية عسكرية ضد مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

ولا يمكن استبعاد أن تحاول إيران الذهاب بعيداً في هذا المسار، حيث إنها تراقب من دون شك التحولات الملحوظة في السياسة التركية، خصوصاً إزاء بعض دول المنطقة، ومن هنا فإنها ربما تسعى إلى استغلال ذلك في تعزيز فرص إعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة خلال المرحلة القادمة.

2- الوصول إلى توافق ثلاثي ضد “الطموح الكردي”: رغم أن إيرانأعلنت معارضتها للعملية العسكرية التي تهدد تركيا بالقيام بها في شمال شرق سوريا، إلا أن ذلك في مجمله لا ينفي أن ثمة مخاوف إيرانية مستمرة تجاه المعطيات التي يمكن أن يفرضها الدور الذي تقوم به مليشيا “قسد”، لا سيما أنها تحظى باهتمام ودعم خاص من جانب الولايات المتحدة الأمريكية في إطار انخراطها، خلال المرحلة الماضية، في الحرب ضد تنظيم “داعش”. ومن هنا، يمكن تفسير حرص طهران على تأكيد “تفهمها” للمخاوف التركية في شمال شرق سوريا، وهي الرسالة التي حرصت على إبلاغها إلى أنقرة خلال زيارة عبد اللهيان ولقائه الرئيس أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو.

3- الرد على تعثر المفاوضات النووية: كان لافتاً أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حرص على تأكيد دعم بلاده لإيران في المفاوضات النووية والتي أجريت آخر جولاتها في العاصمة القطرية الدوحة يومي 28 و29 يونيو الفائت دون أن تسفر عن نتائج إيجابية. وهنا، فإن أحد أهداف الزيارة ربما يكمن في محاولة إيران استعراض نفوذها في الإقليم، بالتوازي مع الإجراءات التصعيدية الأخرى التي تستغلها لممارسة ضغوط على الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، واستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً. وانطلاقاً من ذلك، يمكن تفسير اهتمام عبد اللهيان بعقد اجتماع مع قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق، في إشارة أيضاً إلى دور إيران في الملف الفلسطيني، وهى إشارة لا تخلو من مغزى يتصل باستمرار التصعيد مع إسرائيل سواء داخل إيران، حيث تصاعدت حدة الاختراقات الأمنية خلال الفترة الماضية والتي أدت إلى اغتيال قادة عسكريين وعلماء في البرنامجين النووي والصاروخي واستهداف منشآت نووية وعسكرية، أو على الساحة السورية.

4- استباق زيارة الرئيس بايدن: منذ الإعلان عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، في الفترة من 13 إلى 16 يوليو الجاري، بدأت إيران في التحرك بشكل مكثف على المستوى الإقليمي، حيث التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة بحر قزوين في عشق آباد، في 29 يونيو الفائت، وقام عبد اللهيان بزيارة أنقرة قبل ذلك بيومين، واختارت إيران الدوحة لتكون مقراً لانعقاد المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية برعاية أوروبية يومى 28 و29 من الشهر نفسه، واستقبلت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل ذلك بيومين، وأعلنت عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 19 يوليو الجاري. ويوحي ذلك في المقام الأول بأن إيران تسعى إلى إعادة ترتيب اصطفافاتها الإقليمية والدولية، وضبط أنماط تفاعلاتها مع التطورات التي تجري على الساحة الإقليمية قبل الزيارة التي تتوقع اتجاهات عديدة في طهران أن تسفر عن تعزيز فرص صياغة ترتيبات إقليمية مناوئة لها في المرحلة القادمة سواء بسبب أزمة الملف النووي، أو بسبب تدخلاتها في أزمات المنطقة.

5- توجيه رسائل مضادة لإسرائيل: سعت إيران عبر الزيارة إلى تأكيد استمرارها في تعزيز وجودها العسكري في سوريا الذي يثير قلقاً ملحوظاً لدى إسرائيل، على نحو دفعها إلى توجيه ضربات عسكرية متتالية إلى المواقع التابعة لإيران والنظام السوري وحزب الله اللبناني. وقد تعمدت تل أبيب، بالتوازي مع زيارة عبد اللهيان إلى دمشق، توجيه ضربة لموقع في محيط بلدة الحميدية جنوب مدينة طرطوس على الساحل السوري، حيث أشارت تقارير إلى أنها استهدفت مواقع تابعة لحزب الله يستغلها لتخزين أسلحة كان يتم تجهيزها لنقلها إلى لبنان. وربما يفسر ذلك قسماً من التصعيد الحالي بين إسرائيل والحزب، بعد أن اعترض الجيش الإسرائيلي، في 2 يوليو الجاري، وبالتوازي مع زيارة عبد اللهيان، ثلاث مسيرات تابعة للحزب قال أنها كانت في طريقها إلى منطقة حقول الغاز في مياه المتوسط.

تحركات متواصلة

في ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران سوف تواصل تحركاتها المكثفة خلال المرحلة القادمة قبل وبعد الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، والتي باتت إيران تعتبر أن المعطيات التي سوف تفرضها سوف يكون لها دور في تحديد سياستها إزاء الملفات العالقة، لا سيما المفاوضات النووية المتعثرة، والتصعيد المتواصل مع إسرائيل، والأزمات الداخلية في دول الصراعات.