أبعاد متداخلة:
دوافع زيارة قائد قوة مكافحة الإرهاب الليبية إلى العراق

أبعاد متداخلة:

دوافع زيارة قائد قوة مكافحة الإرهاب الليبية إلى العراق



استقبل العراق، في 22 يونيو 2022، وفداً ليبياً برئاسة اللواء محمد الزين، آمر قوة مكافحة الإرهاب في ليبيا والوفد المرافق له، وعَقَدَ الأخير عدداً من اللقاءات مع مسؤولين عراقيين، أبرزهم مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي.ووفقاً لبيان المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي العراقي، فإن اللقاء مع الزين، تناول القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، قبل أن يُشير إلى محورية الملفات الأمنية، في إطار تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وتبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب.

وعلى الرغم من اختلاف الظروف والسياقات في كلا البلدين؛ فإنهما يشهدان تحديات أمنية تتعلق بتنظيم “داعش” على وجه الخصوص، وإن كانت التحديات بالنسبة للعراق أكبر، في ضوء عدد من العوامل، منها ظروف نشأة “داعش” إذ كان العراق مركزاً لـ”الخلافة” المزعومة، إضافة إلى طبيعة النشاط، مقارنة بنشاط محدود لفرع التنظيم في ليبيا.

محددات رئيسية

يمكن الوقوف على بعض المحددات لهذه الزيارة، في ضوء عدد من السياقات على الساحة الليبية، كالتالي:

1- استمرار تهديدات “داعش” في الجنوب الليبي: بعد طرد عناصر “داعش” في المناطق التي كانت تحت سيطرته في شمال ليبيا، وبشكل خاص في مدينة سرت عام 2016، إلا أن عناصر التنظيم اتجهت إلى الجنوب الليبي، في محاولة لتجميع الصفوف وترتيب الأوراق، لإعادة تنشيط فرع “داعش”. وقد نفّذ التنظيم عدة عمليات في الجنوب منذ عام 2019. وعلى الرغم من تراجع التنظيم بصورة ملحوظة منذ مطلع العام الجاري، بالإعلان عن تنفيذ ثلاث عمليات فقط، تركزت في مدينة “سبها”؛ إلا أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً لأمن ليبيا في المنطقة الجنوبية.

2- قوات تابعة للتشكيلات العسكرية في الغرب الليبي: تُعد قوة مكافحة الإرهاب التي زار قائدها اللواء محمد الزين، العراق، ضمن التشكيلات العسكرية المحسوبة على تشكيلات المنطقة الغربية، إذ تتبع قيادة رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، وتشكلت عام 2016 بعد طرد عناصر “داعش” من المناطق الساحلية في الشمال الليبي، وتحظى بدعم من المجلس الرئاسي، وسبق أن حضر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة حفل تخرج دفعة جديدة لقوة مكافحة الإرهاب، في مارس الماضي، بحضور أعضاء من المجلس الرئاسي وعدد من الوزراء.

3- ملامح التعاون الليبي العراقي في مكافحة الإرهاب: بالنظر إلى البيانات الرسمية، سواء الصادرة عن الجانب العراقي والمؤسسات المختلفة، أو تلك الصادرة عن المكتب الإعلامي لقوة مكافحة الإرهاب الليبية؛ فإنّ لقاءات الوفد الليبي، بخلاف لقاء مستشار الأمن القومي العراقي، تنوعت بين لقاء رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق أول ركن عبدالوهاب الساعدي، ونائب قائد العمليات المشتركة العراقية الفريق الركن عبدالأمير الشمري، إضافة إلى لقاء اللواء محمد العيثاوي مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، ومدير دائرة العلاقات والإعلام ورئيس خلية الإعلام الأمني اللواء الدكتور سعد معن، في مقر وكالة الاستخبارات. ويهدف اللقاء إلى بحث التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، وإمكانية الاستفادة من التجربة العراقية في هذا المجال، في ضوء الخبرة الكبيرة في مواجهة تنظيم “داعش”.

دوافع متعددة

في ضوء المحددات الرئيسية للزيارة وأبعادها، يمكن الإشارة إلى أبرز الدوافع وفقاً لمستوى التمثيل والمشاركين، وتوقيتها، كالتالي:

1- مساعٍ لتطوير أداء قوات مكافحة الإرهاب: تواجه ليبيا في المنطقة الجنوبية تهديدات لا تقتصر على تنظيم “داعش” فقط، وإنما تمتد إلى مرتزقة أفارقة وعصابات للجريمة المنظمة، تستغل هشاشة الحدود بين السودان وتشاد وليبيا، وبالتالي فإن الزيارة تهدف إلى محاولة تطوير أداء العناصر المشاركة في قوة مكافحة الإرهاب الليبي، والتعرف على الخبرة العراقية في التعامل مع حروب العصابات، وكيفية التعامل مع التكتيكات المختلفة لمواجهة عناصر التنظيم، في ضوء أن المرحلة التي يمر بها “داعش” في ليبيا، والتي لا تميل إلى السيطرة الميدانية وإنما تعزيز النفوذ وترتيب الصفوف واستقطاب عناصر جديدة، كانت جزءاً رئيسياً من الخبرة العراقية عقب طرد تنظيم “داعش” من معاقله الرئيسية وتحديداً في الموصل عام 2017، وما لبث أن أعاد التنظيم صفوفه مجدداً اعتماداً على تكتيكات حروب العصابات، وأحدث اختراقاً أمنياً كبيراً في عدة مناطق بالعراق. وهنا ربما تسعى قوة مكافحة الإرهاب الاستفادة من الخبرة العراقية في مواجهة فرع “داعش” قبل تزايد التهديدات خلال الفترة المقبلة، كما أن الزيارة شملت محاولة التعاون في المجال الإعلامي ومواجهة دعايات التنظيمات الإرهابية.

2- تعزيز التعاون الاستخباراتي لمواجهة “داعش”: تأتي أهمية الزيارة في ضوء الرغبة في التعاون الاستخباراتي بين قوة مكافحة الإرهاب والمؤسسات المعنية بهذا المجال في العراق، بالنظر إلى أهمية هذا التنسيق، بعد تقارير إعلامية وتحليلات تتطرق إلى عملية انتقال عناصر وقيادات من نطاق “القيادة المركزية” لـ”داعش” في العراق وسوريا إلى ليبيا، ثم إعادة توزيعهم إلى دول أفريقية أخرى، وتحديداً نيجيريا، التي تشهد تصاعداً لعمليات فرع “داعش” المسمى “ولاية غرب أفريقيا”. ويُمكن التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات من محاولة وقف حركة انتقال محتملة لعناصر وقيادات التنظيم إلى ليبيا، كما أن هذا التعاون الاستخباراتي يتعلق أيضاً بعمليات الملاحقة وجمع المعلومات، إضافة إلى إجراء التحقيقات مع العناصر المقبوض عليها، خاصة مع تصريحات عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي (أغسطس 2021) بدعم قوة مكافحة الإرهاب وإمدادها بكل الإمكانيات اللازمة، وتأسيس فروع لها.

3- تحقيق التوازن مع “الجيش الوطني” الليبي: في إطار مساعي تطوير قوة مكافحة الإرهاب، التابعة لقيادة رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي (غرب ليبيا)، ربما يأتي هذا التطوير لموازنة الموقف مع القوات التابعة لـ”الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، خاصة أن قواته تتمركز في الجنوب الليبي، وتُقدم على تنفيذ عمليات لملاحقة المرتزقة والمليشيات الأفريقية على الحدود مع تشاد، وتحظى بوجود عسكري في الجنوب، وبالتالي فإن محاولات تعزيز قوة مكافحة الإرهاب وتنظيم دورات جديدة للانضمام إلى القوة، وتزويدها بأسلحة متوسطة وثقيلة، إضافة إلى الإعلان عن تنفيذ تلك القوة مناورة عسكرية بالذخيرة الحية، قبل أيام قليلة من الزيارة إلى العراق، كما أن القوة تنفذ عمليات تمشيط للمناطق التي يُشتبه في ضمها عناصر إرهابية من خلال دوريات صحراوية تستمر لبضعة أيام، وكان آخرها بمنطقة القطرون جنوب البلاد، بعد أعمال تفجير إرهابية لعناصر “داعش”، وبالتالي فإن الزيارة إلى العراق والتعرف على الخبرة العراقية يمكن أن يُعزز من قدرات تلك القوة.

4- محورية الأبعاد السياسية للزيارة: بعيداً عن الأبعاد العسكرية والأمنية التي غلفت الزيارة التي كانت ذات طابع أمني بالأساس، إلا أن الأبعاد السياسية كانت حاضرة خلال الزيارة، إذ أفادت تقارير إعلامية (23 يونيو 2022) بأن وفداً من وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التقى مع مسؤولين في وزارة الخارجية العراقية، لبحث تعزيز العلاقات والتعاون المشترك، إضافة إلى الدفع باتجاه إعادة تفعيل اللجنة المشتركة، مع الإشارة إلى اقتراب عمل السفارة العراقية في طرابلس، فضلاً عن إرسال وفد عراقي للعاصمة الليبية لبحث احتياجات الجالية العراقية في ليبيا. وهنا يمكن تفسير الزيارة في إطار محاولة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، توظيف هذه الزيارة لتوطيد العلاقات مع العراق خلال الفترة المقبلة، لإرسال رسالة باستمراره في عمله، وعدم النية في تسوية الخلافات مع حكومة فتحي باشاغا المعتمدة من البرلمان الليبي، إضافة إلى تعزيز حضور حكومته لدى مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

تحجيم “داعش”

وأخيراً، فإن مساعي قوة مكافحة الإرهاب للاستفادة من الخبرة العراقية في مكافحة الإرهاب، خلال زيارة آمر تلك القوة، تأتي لمحاولة تحجيم أي نشاط لتنظيم “داعش” في ليبيا، عبر الاستفادة من التكتيكات المختلفة للتعامل مع تلك التهديدات، ولكن يبقى أن التحدي الأبرز لمواجهة التنظيم هو عدم التنسيق بين المكونات العسكرية المختلفة، في ظل عدم التوصل لاتفاق لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية في كيان واحد، رغم تعدد اللقاءات في هذا المسار، وآخرها لقاء في القاهرة جمع رئيس الأركان العامة بالجيش الوطني عبدالرازق الناظوري، مع رئيس الأركان العامة بالمنطقة الغربية الفريق أول ركن محمد الحداد، إذ إن تضارب الرؤى وأحياناً المواجهات بين الكيانات العسكرية في الجنوب الليبي، تمثل بيئة مناسبة لـ”داعش” للاستمرار.