شراكة استراتيجية:
دوافع زيارة قائد “أفريكوم” إلى تونس

شراكة استراتيجية:

دوافع زيارة قائد “أفريكوم” إلى تونس



دفعت التطورات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تعزيز علاقاتها مع بعض دول شمال أفريقيا، خاصة تونس، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في حرص واشنطن على تعزيز الشراكة الدفاعية مع الأخيرة، ورفع مستوى التنسيق حول التهديدات الأمنية، ومنافسة القوى الدولية الأخرى التي تسعى نحو دعم انخراطها في الملفات الرئيسية في تلك المنطقة.

قام الجنرال مايكل لانجلي قائد القوات العسكرية الأمريكية بأفريقيا (أفريكوم)، بزيارة تونس، في 18 و19 أكتوبر الجاري، هي الأولى له إلى منطقة شمال أفريقيا منذ توليه منصبه في أغسطس الماضي، على نحو يعكس اهتماماً أمريكياً بالعلاقات مع تونس تحديداً. وقد أكد لانجلي أن “تونس تمثل شريكاً بحرياً مهماً في تعزيز الاستقرار الإقليمي في البحر الأبيض المتوسط وفي جميع أنحاء أفريقيا”، وأضاف أن “الزيارة أسفرت عن مناقشات مثمرة حول الفرص المستقبلية للعمل المشترك بين قواتنا البحرية ومنحتني نظرة ثاقبة إضافية حول كيفية استمرار أفريكوم في دعم الحلول التي تقودها أفريقيا لهذه القضايا البحرية العابرة للحدود”.

أهداف رئيسية

أعلن قائد “أفريكوم” أن هناك أولويات خاصة بالعلاقات بين واشنطن وتونس، وربما هذا ما يفسر مدة الزيارة التي امتدت ليومين، وحرص لانجلي على عقدلقاءات وصفها بـ”المثمرة” مع وزير الدفاع التونسي عماد مميش، وعدد من كبار القيادات العسكرية التونسية.وفي هذا السياق، يمكن تناول الأهداف الرئيسية للزيارة على النحو التالي:

1- تقديم دعم متواصل لتونس: سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه رسائل طمأنة إلى تونس، بأنها سوف تواصل تقديم دعم لها، لمواجهة التحديات التي تتعرض لها، خاصة في ظل تنامي نشاطات شبكات تهريب البشر عبر البحر المتوسط، وتصاعد حدة التهديدات الأمنية الناتجة عن انتشار الفوضى واستمرار المواجهات المسلحة في ليبيا، على نحو يزيد من أهمية توسيع نطاق الشراكات الأمنية مع بعض القوى الدولية. وربما لا ينفصل ذلك عن محاولات الإدارة الأمريكية تأكيد أن الضغوط التي تتعرض لها تونس، من جانب بعض الجهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب بعض الإجراءات التي اتخذتها على الصعيد الداخلي، لا تقلص من أهمية استمرار التعاون الأمني بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.

2- تعزيز الشراكة الثنائية الدفاعية: كان لافتاً أن زيارة قائد “أفريكوم” لتونس جاءت بعد زيارة وفد من الكونجرس الأمريكي إلى الأخيرة في 22 أغسطس الماضي، والتي سبقتها انتقادات وجهها بعض النواب الأمريكيين للحكومة التونسية، على نحو دفع الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال لقاءه بالوفد، إلى تأكيد أن تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين “غير مقبولة”، وقد أشار البيان الذي صدر عن الرئاسة التونسية إلى أن “الرئيس أوضح العديد من الحقائق لدحض الحملات التي يقوم بها أشخاص معروفو الانتماء وبيان الممارسات التي سادت على أكثر من عقد في كل المستويات وأدت إلى مزيد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”. ومن هنا، فإن زيارة قائد “أفريكوم”، جاءت في توقيت تسعى خلاله الإدارة الأمريكية إلى تعزيز الشراكة الدفاعية، وهو ما بدا جلياً في التطور الملحوظ الذي شهدته العلاقات العسكرية بين الدولتين، وزيادة حجم الدعم المقدم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجيش التونسي، سواء من حيث المعدات العسكرية، أو من حيث إجراء تدريبات مشتركة.

3- توسيع نطاق الحضور في شمال أفريقيا: تحظى منطقة شمال أفريقيا، وخاصة تونس، بموقع استراتيجي يكتسب اهتماماً خاصاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تجري في المرحلة الحالية عملية مراجعة لاستراتيجيتها في بعض المناطق، في ظل التحولات الملحوظة على المستوى الدولي، لا سيما فيما يتصل بعلاقاتها مع العديد من القوى الدولية الرئيسية، وفي مقدمتها الصين وروسيا، اللتين تتجهان بدورهما نحو تعزيز نفوذهما في تلك المنطقة.

وقد بدا اهتمام موسكو بتحقيق هذا الهدف جلياً في اتجاهها إلى رفع مستوى علاقاتها العسكرية مع الجزائر، وهو ما انعكس في المناورات العسكرية المشتركة التي أجرتها الدولتان، في 19 أكتوبر الجاري. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن الجزائر حرصت على المشاركة بنحو مائة جندي في مناورات “فوستوك 2022” العسكرية، التي جرت في بداية سبتمبر الفائت، في أقصى شرق البر الرئيسي لروسيا، وهي مناورات تجري بشكل سنوي، وتشارك فيها الدول الحليفة لروسيا، وهو ما يكشف عن أهمية الجزائر بالنسبة لروسيا، خاصة خلال المرحلة الراهنة، التي تتعرض فيها الأخيرة لضغوط وعقوبات غربية بسبب الحرب التي أطلقتها في أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي.

4- استمرار التنسيق حول الملف الليبي: تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً خاصاً بالتطورات الميدانية والسياسية التي تجري على الساحة الليبية. وقد شاركت في الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية من أجل تسوية الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، إلا أن هذه الجهود ما زالت تواجه عقبات عديدة حالت دون تحقيقها نتائج بارزة. ومن هنا، فإنها تسعى إلى مواصلة التنسيق مع القوى الإقليمية المعنية بما يجري على الساحة الليبية، خاصة دول الجوار، حيث ترى أن ذلك يمثل إحدى الآليات المهمة التي يمكن من خلالها مواصلة الانخراط بشكل مكثف في الملف الليبي.

خيارات متعددة

ختاماً، يمكن القول إن زيارة قائد “أفريكوم” إلى تونس في هذا التوقيت تعكس اهتماماً أمريكياً لافتاً بتعزيز العلاقات مع تونس، وتبدو كاشفة كذلك عن استمرار الدعم الأمريكي للرئيس قيس سعيد الذي يؤكد على التزامه بتنفيذ الإصلاحات السياسية والدستورية في البلاد. وربما يمكن القول إن حرص تونس على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، وتعزيز العلاقات مع بعض القوى الدولية الرئيسية، مثل الصين وروسيا، كان له دور بارز في استمرار هذا التوجه الأمريكي تجاهها، وهو توجه يبدو أن تونس سوف تحرص على مواصلة تبنيه خلال المرحلة القادمة، التي ربما تشهد استحقاقات استراتيجية بارزة على المستوى الدولي، في ظل استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية التي دخلت مرحلة جديدة من التصعيد، فضلاً عن تفاقم حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول تايوان.