تأتي الزيارة التي قام بها رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، إلى كل من مالي وبوركينافاسو، في 24 نوفمبر الجاري، في توقيت هام، حيث تشهد مالي تصاعداً في الحرب الدائرة بين الجيش والجماعات المسلحة المرتبطة بالطوارق، وخاصة بعد إعلان الجيش المالي سيطرته على مدينة كيدال، فيما اتّجهت المجموعات الإرهابية الموالية لتنظيمي “داعش” و”القاعدة” إلى استغلال هذه التطورات في تصعيد عملياتها الإرهابية في المنطقة، في الوقت الذي جرت في النيجر محاولة لتهريب الرئيس السابق محمد بازوم الذي أطاح به الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو الماضي.
ومن ثم يبدو أن زيارة رئيس المجلس العسكري النيجري إلى كل من مالي وبوركينافاسو تستهدف تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها تعزيز التنسيق العسكري لمنع تمدد الحرب مع الطوارق إلى النيجر، وزيادة التعاون الأمني والعسكري في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وتوطيد العلاقات السياسية في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
أهداف عديدة
تُعد زيارة رئيس المجلس العسكري النيجري الجنرال عبد الرحمن تياني إلى كل من مالي وبوركينافاسو أول زيارة خارجية له منذ تسلمه السلطة، ومن ثم يمكن القول إن هناك جملة من الدوافع والأهداف التي تقف خلف هذه الزيارة، ومن أبرزها:
1- تصاعد الحرب بين الجيش المالي والطوارق: تشهد مالي تصاعداً ملحوظاً في حدة الحرب الدائرة بين الجيش المالي والجماعات المسلحة بعد سيطرة الجيش على مدينة كيدال في 14 نوفمبر الجاري، وإعلان الجماعات المسلحة الأزوادية عن مواصلة عملياتها وهجماتها العسكرية ضد الجيش. ومن هنا يشكل استمرار الحرب خطراً كبيراً على استقرار الأوضاع في النيجر، إذ يمكن أن يؤدي تصاعد الحرب وزيادة الخسائر والقتلى في صفوف الطوارق إلى انخراط الطوارق في النيجر في القتال إلى جانب الطوارق في مالي، ومن ثم سوف يجد الجيش النيجري نفسه مدفوعاً إلى حرب ممتدة مع الطوارق في شمال النيجر.
2- اتساع نطاق الهجمات الإرهابية: لا تزال العمليات الإرهابية التي اتجهت المجموعات الإرهابية، خاصة الموالية لتنظيمى “داعش” و”القاعدة”، إلى تصعيدها من أهم المخاطر التي تواجه الدول الثلاث: مالي، والنيجر، وبوركينافاسو، خاصة في منطقة المثلث الحدودي بين هذه الدول. ومن ثم يبدو أن زيارة رئيس المجلس العسكري النيجري تسعى، في قسم منها، إلى زيادة التنسيق العسكري، واتخاذ إجراءات أكثر حزماً في مواجهة التهديدات التي توجهها هذه التنظيمات.
3- تعزيز التنسيق الثلاثي المشترك: يواجه المجلس العسكري في النيجر ضغوطاً دولية كبيرة للتخلي عن السلطة وإطلاق سراح الرئيس السابق محمد بازوم، الذي جرت محاولة فاشلة لتهريبه. كما تواجه النيجر- مثل مالي وبوركينافاسو- ضغوطاً إقليمية ودولية مستمرة بسبب السياسات التي تتبناها القيادات العسكرية، والتي ترى بعض القوى أنها تهدف إلى إطالة أمد الفترة الانتقالية.
وقد شكلت الدول الثلاث معاً “تحالف دول الساحل” الذي ينص على المساعدة المتبادلة في حال المساس بسيادة الدول الثلاث ووحدة أراضيها، وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وتخضع النيجر لعقوبات اقتصادية من جانب الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، وعقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي، ويأتي ذلك رداً على اتجاه الدول الثلاث نحو تعزيز التعاون العسكري والأمني مع روسيا في الوقت الذي طالبت فيه هذه الدول بسحب القوات الفرنسية والأوروبية من أراضيها.
وفي نوفمبر الماضي، شهدت مالي انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة من شمال البلاد. وفي الوقت نفسه، جرت في النيجر محاولة لتهريب الرئيس السابق محمد بازوم، وهو ما أثار شكوك المجلس العسكري حول استمرار مساعي بعض القوى الخارجية لإعادة بازوم إلى منصبه.
انعكاسات محتملة
من المتوقع أن تثير التحركات الخارجية لرئيس المجلس العسكري النيجري ردود فعل إقليمية ودولية يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تصعيد الجماعات المسلحة في النيجر: أعلنت جماعات مسلحة تشكلت حديثاً في النيجر عن الانخراط في الحرب الدائرة في مالي بين الجيش العسكري والجماعات المسلحة الأزوادية. ففي 9 أغسطس الماضي، كشف زعيم سابق لمتمردين في النيجر، ريسا أغ، عن قيام حركة مناهضة للمجلس العسكري في النيجر. وقد مارس أغ دوراً في ما يسمى بـ”انتفاضة الطوارق” في التسعينيات من القرن الماضي، وجرى دمجه في الحكومة في عهد بازوم وسلفه محمد إيسوفو، وأكد أغ أن حركته تدعم “إيكواس” وأي أطراف دولية أخرى تسعى إلى استعادة النظام الدستوري في النيجر. وليس من المستبعد أن يتجه إلى الانضمام إلى العمليات العسكرية في شمال مالي، ويعلن الحرب على المجلس العسكري في النيجر.
2- تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة: وذلك لتقليص تحركات الطوارق عبر الحدود، ولا سيما حركة المقاتلين وتهريب السلاح والدعم اللوجيستي للعمليات العسكرية التي تنفذها الجماعات المسلحة الأزوادية.ويلاحظ أن هناك حلقات اتصال بين جنوب ليبيا وشمال النيجر وشمال ليبيا وأيضاً جنوب الجزائر؛ حيث يمكن لجماعة الطوارق اختراق هذه المناطق ونقل المقاتلين والدعم اللوجيستي والسلاح من ليبيا إلى النيجر ومالي. وما يُعزز من فرص التعاون الأمني أن هناك اتفاقية دفاع مشترك وقّعها المجلس العسكري في النيجر مع الحكومتين العسكريتين في مالي وبوركينافاسو تنص على التعاون في مواجهة أي تهديدات محتملة ضد استقرار النظام الجديد في النيجر.
3- دعم دور مجموعة “فاجنر”: وهي مجموعة منخرطة بالفعل في القتال إلى جانب الجيش المالي في الحرب الدائرة بين الجيش والجماعات المسلحة الأزوادية. وقد أعلنت “فاجنر” من قبل استعدادها للتدخل لدعم المجلس العسكري في النيجر ضد أي محاولة خارجية أو داخلية لإسقاطه، وليس من المستبعد أن تعرض “فاجنر” مساعدتها للقتال إلى جانب الجيش النيجري في حال تعرض لهجمات من جانب الجماعات المسلحة في شمال النيجر، وهذا يعني أن “فاجنر” سوف تستفيد من هذه التطورات في توسيع نطاق وجودها العسكري في منطقة الساحل، وزيادة أنشطتها العسكرية والاقتصادية في النيجر.
تأثير مباشر
في المجمل، من المتوقّع أن يكون للتحركات الخارجية لرئيس المجلس العسكري النيجري وزيارته لدولتي مالي والنيجر تأثيرها في دفع المجموعات المسلحة في مالي والنيجر إلى زيادة التصعيد العسكري في مواجهة الجيش المالي، واستدراج الجيش النيجري إلى حرب ممتدة في شمال النيجر، علاوةً على اتجاه الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية إلى زيادة تنسيق عملياتها التي تستهدف المواقع العسكرية، وهو الأمر الذي يتوقع معه اتجاه كل من مالي والنيجر إلى تكثيف الاعتماد على مجموعة “فاجنر” لمواجهة التصعيد العسكري من جانب هذه الأطراف.