يقوم وفدٌ عراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، ويضم المحافظ الجديد للبنك المركزي علي العلاق، ووزيرة المالية طيف سامي، بزيارة الولايات المتحدة، بداية من 7 فبراير الجاري، حيث سيعقد لقاءات متعددة مع المسئولين الأمريكيين في وقت تواجه فيه الحكومة العراقية غضباً شعبياً متزايداً لانخفاض قيمة الدينار، انعكس في خروج احتجاجات متعددة في بغداد والمدن الجنوبية للمطالبة بتحرك الحكومة لتثبيت العملة الوطنية.
وتأتي زيارة الوفد العراقي بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ٢ من الشهر نفسه، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والذي شارك فيه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال وجوده بالبيت الأبيض. وقد أكد بايدن على الالتزام الأمريكي باتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق، التي تم توقيعها في عام ٢٠٠٨ في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، والتي تُحدد إطار التعاون بين البلدين بشأن قضايا مثل الأمن، والتنمية الاقتصادية، والاستقرار الإقليمي.
ملفات متعددة
سبق زيارة الوفد العراقي للولايات المتحدة لقاء بين وزير الخارجية العراقي والسفيرة الأمريكية بالعراق آلينا رومانوسكي، في ٢ فبراير الجاري، للترتيب للزيارة ووضع اللمسات الأخيرة على محاور وجدول الأعمال المكثف واللقاءات المزمع عقدها مع جهات متعددة في الإدارة الأمريكية. وتتمثل أبرز الملفات التي تتقدم أجندة الوفد العراقي خلال لقاءاته بكبار مسئولي الإدارة الأمريكية فيما يلي:
1- حلّ أزمة الدولار المستمرة: منذ الغزو الأمريكي للعراق في مارس ٢٠٠٣ تم وضع عائدات النفط العراقي في حساب خاص لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مما منح الولايات المتحدة سيطرة كبيرة على إمدادات العراق من الدولار. وقد خفّض البنك الاحتياطي الفيدرالي تدفق الدولار بشكل حاد للعراق بعد وضع قيود على تحويلات البنك المركزي العراقي بسبب عدم التزامه بنظام “سويفت” وزيادة التدقيق الأمريكي في المتلقين النهائيين للأموال بهدف وقف تهريبه لإيران، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدولار في السوق العراقية إلى ما يصل إلى ١٧٠٠ دينار مقابل الدولار الواحد.
وتعد أزمة العملة العراقية إحدى نتائج الصراع الأمريكي-الإيراني على الساحة العراقية وجهود الإدارة الأمريكية لمنع تدفق الأموال من العراق إلى إيران ووكلائها في المنطقة وسوريا، وملاذات غسل الأموال في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
ويتوقع العديد من المحللين والخبراء الاقتصاديين أن تخف وطأة أزمة الدولار بالعراق في أعقاب زيارة الوفد العراقي للولايات المتحدة الذي يركز مباحثاته مع المسئولين الأمريكيين على إنهاء تلك الأزمة التي تهدد بانهيار العملة العراقية، والتي انعكست بشكل كبير على أسعار السلع وتفاقم معدلات التضخم، ومزيد من الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت أمام البنك المركزي العراقي اعتراضاً على الانخفاض المستمر لسعر صرف الدينار أمام الدولار، وما قد يرتبه من تهديد لاستقرار العراق، الذي قال الرئيس الأمريكي خلال اتصاله برئيس الوزراء العراقي إنه مهم لمنطقة الشرق الأوسط. وربما يزيد من هذا الاحتمال القرار الذي اتخذه البنك المركزي العراقي، في 7 فبراير الجاري، بتعديل سعر صرف الدولار إلى 1300 دينار، بدلاً من 1470، في خطوة تدعم قيمة العملة المحلية أمام الدولار.
2- مواجهة مشكلات القطاع المصرفي: يتوقع أن يستكمل الوفد العراقي خلال زيارته للولايات المتحدة القضايا التي ناقشها محافظ البنك المركزي العراقي مع وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشئون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون بتركيا في ٤ فبراير الجاري، والتي تهدف لتعزيز الجهود الأمريكية–العراقية لتحسين القدرات المصرفية العراقية، للامتثال لمبادرات مكافحة تبييض الأموال، والتصدي لتمويل الإرهاب، ومواصلة التعاون لمنع استفادة دول وتنظيمات إرهابية من الثغرات الموجودة بالقطاع المصرفي العراقي، والتي تتيح تدفق العملة الأمريكية (الدولار) إليهما عبر البوابة العراقية.
3- بحث الشراكة العراقية-الروسية: تأتي زيارةُ الوفد العراقي للولايات المتحدة بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لبغداد، في ٥ فبراير الجاري، لبحث إمكانيات التعاون بين الشركات العراقية والروسية، ولا سيما في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة ودول أوروبية عقوبات اقتصادية على روسيا في أعقاب عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢. ولذلك يتوقع أن تكون قضية استمرار الشراكة العراقية-الروسية على أجندة الوفد العراقي، وخاصة مع إعلان وزير الخارجية العراقي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي أنه سيبحث مع الجانب الأمريكي آلية تسديد مستحقات الشركات الروسية العاملة في العراق، حيث قال: “هناك عقوبات لا ينبغي فرضها على الجانب العراقي؛ لأن التعاون مع الشركات الروسية مستمر، وهناك شركات روسية نشطة في العراق”.
4- التمهيد لزيارة السوداني لواشنطن: تُشير تقارير أمريكية إلى أن زيارة الوفد العراقي للولايات المتحدة تأتي في إطار تمهيد الطريق لعقد اجتماع بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت لاحق من هذا العام، ولا سيما بعد الاتصال الأخير بين السوداني وبايدن والتطمينات التي قدمها الأول للإدارة الأمريكية بأنه ليس ضد وجود القوات الأمريكية في العراق، على الرغم من وصوله للسلطة عبر تحالف من الأحزاب المدعومة من إيران، والرافضة للوجود العسكري الأمريكي في العراق، حيث قال خلال حواره مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، في ١٥ يناير الفائت، إن بلاده لا تزال بحاجة إلى قوات أمريكية للحفاظ على الأمن والقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، وهو ما يتوازى مع تأكيداته خلال لقاءاته المتعددة بالسفيرة الأمريكية في العراق والعديد من المسئولين الأمريكيين على رغبة العراق في الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وعدم تحول أراضيها لمنصة لاستهدف القوات الأمريكية.
متغيران رئيسيان
تتوقع اتجاهات عديدة أن ينجح الوفد العراقي خلال زيارته للولايات المتحدة في مهمته، وذلك لسببين رئيسيين: يتمثل أولهما، في السياق الذي تأتي فيه، حيث تأتي الزيارة في أعقاب اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والذي حمل دعماً أمريكياً لسياسات الأخير الاقتصادية، وهو ما يُؤشر لاحتمالات نجاح مهمة الوفد العراقي في إنهاء أزمة الدولار بإلغاء الإدارة الأمريكية الشروط الأخيرة على صرف الدولار، أو على الأقل تجميدها لبعض الوقت، ولا سيما في أعقاب ظهور عدد من المؤشرات على موافقة العراق في أعقاب لقاء محافظ البنك المركزي العراقي ووكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشئون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية بأنقرة على الشروط الأمريكية والتعهد بالامتثال للمعايير الدولية والأمريكية لوقف تهريب العملة الأمريكية لإيران والتنظيمات التي تصنفها الولايات المتحدة بـ”الإرهابية”. وينصرف ثانيهما، إلى إعلان القوى السياسية، التي تضم قوى شيعية قريبة من إيران والتي شكلت الحكومة العراقية الحالية برئاسة السوداني، دعمها الكامل لمهمة الوفد العراقي، وتأييدها للإجراءات التي سيقوم بها. وربما يمكن القول إن ما يعزز من ذلك هو نجاح رئيس الوزراء العراقي في إحداث موازنة صعبة في علاقات بغداد بين واشنطن وطهران.