حضور متزايد:
دوافع جولة وزير الخارجية الجزائري في أفريقيا

حضور متزايد:

دوافع جولة وزير الخارجية الجزائري في أفريقيا



قام وزير الخارجية الجزائري الجديد أحمد عطاف بجولة في عدد من دول القارة الأفريقية بدأت في 25 أبريل الجاري، شملت موريتانيا ومالي والنيجر، وهي الأولى له في المنطقة منذ توليه منصبه في مارس الماضي. وتأتي هذه الزيارة وسط تطورات مغايرة تشهدها القارة، أهمها تصاعد حدة المواجهات المسلحة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، واستمرار تهديدات التنظيمات الإرهابية في منطقة غرب أفريقيا، وتزايد المخاوف من عودة شبح العنف وتراجع دور الدولة المركزية، خاصةً بعد الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل، بالتوازي مع استمرار التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها المغرب على الساحة الأفريقية خلال الفترة الماضية.

مغزى التوقيت

يمكن القول إن ثمة جملة من التطورات التي تشهدها القارة الأفريقية، وخاصة في منطقة الساحل، خلال الأشهر الأخيرة، دفعت الجزائر نحو التوجه لتعزيز التقارب مع دولها، يأتي في مقدمتها تصاعدالقلق الجزائري من الارتدادات السلبية التي يمكن أن تنتجها عودة العنف إلى منطقة غرب أفريقيا، في ظل اتساع نطاق نشاط الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية من جنوب الساحل نحو الشمال.

ويتوازى ذلك مع استمرار المخاوف من عودة المواجهات في مالي بين الحكومة المركزية والفصائل المسلحة في شمال البلاد، وهو ما قد يفرض تهديدات أمنية على الجزائر. وهنا، يُمكن فهم تصريحات وزير الخارجية الجزائري عشية زيارته مالي، حيث جدد تضامن بلاده الدائم ودعمها المتواصل للأخيرة في سبيل تحقيق أولويات المرحلة الانتقالية، فضلاً عن التأكيد على دعم بلاده لعودة مالي إلى الوضع الدستوري في الآجال المتفق عليها بين الحكومة المركزية وجماعات المعارضة.

ومن دون شك، فإن اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الجاري فرض الملف السوداني على أجندة مباحثات عطاف مع نظرائه في الدول الثلاث، في ظل الأهمية الخاصة التي توليها هذه الدول للتطورات السياسية والميدانية التي تشهدها السودان منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019.

كما لا تنفصل الجولة عن رغبة الجزائر في تطوير صورتها الذهنية في القارة، وإظهار دورها كفاعل رئيسي في المبادرات الإقليمية والدولية لاستعادة السلام وتعزيز الأمن داخل دول القارة، لا سيما وأن بعض القوى السياسية في مالي – على سبيل المثال – تنظر بعين الريبة للدور الجزائري في بلادها، حيث تعتبره امتداداً للنفوذ الفرنسي، رغم التباينات الملحوظة في السياستين الجزائرية والفرنسية إزاء العديد من الملفات الإقليمية.

أهداف رئيسية

تسعى الجزائر عبر الجولة التي قام بها وزير الخارجية الجديد أحمد عطاف في دول الجوار إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الحدّ من الهجرة غير الشرعية: تمثل قضية الهجرة غير الشرعية من القارة الأفريقية، وخاصة دول الساحل القريبة من الجزائر، مصدر قلق كبيراً للأخيرة في ضوء الارتفاع المستمر في عدد المهاجرين الذين يحاولون دخول دول الاتحاد الأوروبي بطرق غير قانونية عبر سواحل الجزائر. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الجزائر تحولت خلال السنوات الماضية بحكم موقعها الجغرافي وظروفها التنموية إلى بلد عبور، ومقصد للمهاجرين القادمين من دول الساحل في قارة أفريقيا، والتي يعيش معظمها اضطرابات ومخاطر أمنية.

ويشار إلى أن الهجرة غير الشرعية باتت تمثل أزمة مزمنة للجزائر، حيث كشفت تقارير عديدة أن معدلات الهجرة غير الشرعية من غرب أفريقيا عبر شواطئ البحر المتوسط في الجزائر وتونس وليبيا تزايدت بنحو 30% خلال عام 2022.

ومن هنا، فإن الجزائر تسعى إلى توسيع نطاق التنسيق مع موريتانيا ومالي والنيجر، وكافة دول غرب أفريقيا بشأن ضبط عمليات الهجرة غير الشرعية، ووضع أطر قانونية وأمنية حاكمة لعمليات الهجرة والتنقل بين الجزائر وهذه الدول.

2- تعزيز الدور الجزائري في القارة: تمثل موريتانيا ومالي والنيجر، في رؤية الجزائر، نقاط ارتكاز محورية تستطيع الأخيرة من خلالها تعزيز نفوذها داخل القارة، وخاصة في مناطق جنوب الصحراء وغرب أفريقيا. ويبدو أن الجزائر تسعى في هذا الصدد إلى توظيف تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين فرنسا وبعض دول منطقة الساحل، بالتوازي مع انسحاب الأخيرة من مواقعها العسكرية والاستراتيجية خلال العام الماضي من مالي وتشاد وبوركينافاسو وغيرها من دول غرب أفريقيا، من أجل دعم حضورها في منطقتى وسط وغرب القارة الأفريقية.

3- موازنة نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية: وذلك من خلال تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع الدول الأفريقية، خاصةً أن الجزائر بدأت تشعر بالقلق إزاء التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها منافسوها الاستراتيجيون على الساحة الأفريقية، لا سيما المغرب، التي بدأت تعيد تشكيل علاقاتها مع دول القارة خلال الفترة الماضية، على نحو يبدو في الجولات المتكررة التي يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تلك الدول. كما تحاول الجزائر أيضاً عبر الجولة تعزيز قدرتها على امتلاك أوراق ضغط للتأثير على مقاربات بعض القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي وجهت انتقادات حادة للأولى بسبب اتجاهها إلى تطوير علاقاتها مع روسيا، فضلاً عن سعيها للانضمام إلى مجموعة “بريكس”.

4- توسيع نطاق التعاون الأمني: وهو ملف يحظى باهتمام خاص من جانب الجزائر، التي تسعى إلى ضبط الحدود مع دول الجوار بهدف منع تسلل عناصر الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، خاصة في ضوء التقارير الأخيرة، على غرار “مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022” الصادر في منتصف مارس الماضي عن معهد الاقتصاد والسلام، والذي أشار إلى أن منطقة غرب أفريقيا تحولت إلى بؤرة رئيسية للإرهاب بعد الانسحاب الفرنسي.

5- رفع مستوى العلاقات الاقتصادية: تهدف الجزائر من دعم تقاربها مع موريتانيا ومالي والنيجر في هذا التوقيت إلى توثيق العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول، ولا سيما في ظل جهودها لدفع الاقتصاد، وزيادة قدرتها على مواجهة الارتدادات السلبية التي أنتجتها أزمة “كوفيد – 19″، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على سلاسل توريد الغذاء والتي وصلت إلى عدد كبير من دول العالم. ومن هنا، أشارت تقارير عديدة إلى أنها تسعى إلى تطوير معابرها البرية الحدودية مع موريتانيا ومالي من أجل تنشيط التجارة البينية، وتأسيس مزيد من مناطق التجارة الحرة مع هذه الدول بهدف رفع مستوى التبادل التجاري والاستثمارات.

اهتمام مستمر

ختاماً، يمكن القول إن جولة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في عدد من الدول الأفريقية تكشف أن هناك تطوراً ملحوظاً في اهتمام الجزائر بعمقها الأفريقي، وهو ما ظهر في تأكيده على توافق بلاده مع موريتانيا ومالي والنيجر على تعزيز مساحات التفاهم والتنسيق بشأن التحديات المشتركة. ولا شك أن الزيارة تؤكد، في جانب آخر، أولوية القارة بالنسبة للجزائر، سواء لتعزيز مصالحها الاستراتيجية، أو لاحتواء التهديدات التي يمكن أن تفرضها بعض التطورات التي شهدتها القارة في الفترة الماضية.