توجه جديد:
دوافع توغّل حركة “الشباب” الصومالية داخل الحدود الإثيوبية

توجه جديد:

دوافع توغّل حركة “الشباب” الصومالية داخل الحدود الإثيوبية



تصاعدت حدة التوتر على الحدود الصومالية- الإثيوبية منذ 20 يوليو الماضي، جراء سلسلة هجمات لحركة “شباب المجاهدين” الصومالية على مواقع ومقرات للقوات الإثيوبية، قبل أن يتطور الأمر إلى محاولة توغل داخل الحدود الإثيوبية، وهي المرة الأولى التي تُقْدِمُ فيها حركة “الشباب” على هذه الخطوة. وقد ركزت الحركة في عملياتها الخارجية بدول الجوار الصومالي على كينيا بشكل أساسي. وعلى الرغم من تنفيذ عمليات أقل في إثيوبيا، إلا أن سلسلة الهجمات الأخيرة التي تبعها توغل داخل الحدود هي الأبرز على الجانب الإثيوبي، بصورة تستدعي الوقوف على دوافع الحركة لتنفيذ هذه الهجمات.

أبعاد رئيسية

تشير المعلومات المتوفرة من بيانات رسمية، وبيانات مقتضبة من قبل الحركة، حول تفاصيل سلسلة الهجمات التي شنتها على الحدود الشرقية لإثيوبيا؛ إلى أنها عملية منسقة ومنظمة، ضمن خطة تدريجية، تنتهي بتوغل عناصر “الشباب” داخل الحدود الإثيوبية، وكان أبرز ملامحها كالتالي:

1- استهداف القوات الإثيوبية بالصومال: منذ شهر مايو الماضي، أشارت تقارير إعلامية محلية صومالية إلى استهداف عناصر حركة “الشباب” للقوات الإثيوبية التي تُشارك ضمن قوات حفظ السلام في الصومال، بشكل متكرر، وفي أغلبها كان باستخدام العبوات الناسفة، إضافة إلى استهداف قوافل للسفر في مناطق حدودية بين البلدين.

2- القبض على مهربي أسلحة بإثيوبيا: تزامن مع عمليات الحركة لاستهداف القوات الإثيوبية والقوافل، إلقاء قوات الأمن داخل إثيوبيا القبض على مهربي أسلحة في مايو الماضي، حيث قالت إنهم مرتبطون بالحركة لتهريب الأسلحة إلى داخل إثيوبيا، وبعضهم تم القبض عليه في مناطق قريبة من منطقة توغل عناصر الحركة لاحقاً في يوليو الماضي.

3- شن هجمات تمهيدية على الحدود: نفذت الحركة سلسلة هجمات منظمة على 4 نقاط حدودية ضمن إقليم “أوغادين”، على الحدود الغربية مع الصومال، وتضمّ تلك النقاط مقرات لقوات إثيوبية شرطية شبه عسكرية من ناحية القدرات التسليحية، وكانت تلك الهجمات بمثابة المرحلة الأولى من خطة الحركة الصومالية للتوغل داخل الحدود الإثيوبية، إذ أسفرت تلك الهجمات عن مقتل العشرات من القوات الإثيوبية، وذلك خلال الفترة من 20 إلى 24 يوليو الماضي.

4- محاولة إرباك القوات الإثيوبية: اشتدت المواجهات بين عناصر الحركة والقوات الإثيوبية للتصدي لتلك الهجمات في النقاط الأربع، ولكن اتضح أنها كانت عملية إرباك تهدف لاستقدام الدعم للقوات الإثيوبية، لتسهيل توغل مجموعة من عناصر الحركة إلى شرق إثيوبيا، قبل تصدي القوات الإثيوبية لتلك المجموعة في 22 يوليو الماضي، بإقليم “أوغادين” شرقي البلاد.

5- تنفيذ عملية توغل جديدة: في مرحلة ثالثة من خطة الحركة، تقدمت مجموعة ثانية من عناصرها باتجاه الحدود الإثيوبية، وتمكّنت من التغول داخل إثيوبيا في 27 يوليو الماضي، ولكن اللافت أن التوغل كان بعيداً عن مسار توغل المجموعة الأولى التي كانت في نطاق الهجمات التمهيدية الأولى في أربع نقاط حدودية.

أسباب مختلفة

يمكن تفسير إقدام حركة “الشباب” على تنفيذ هذه الهجمات قبل التوغل داخل الحدود الإثيوبية في ضوء أسباب عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توسيع نطاق النفوذ داخل الصومال: في إطار النشاط العملياتي لحركة “الشباب” على الساحة الصومالية، منذ العام الماضي، بعد انتهاء عمل القوات الأمريكية، بموجب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فإن هجمات الحركة جنوب غرب الصومال تعكس رغبة في تعزيز النفوذ داخل الأراضي الصومالية بالأساس، مع الأخذ في الاعتبار أنها المرة الأولى التي تصل فيها عناصر الحركة لتنفيذ عمليات قرب الحدود مع إثيوبيا، وبالتالي فإن سلسلة الهجمات في حد ذاتها تعكس تطوير القدرات الهجومية على الحدود بين البلدين، بغض النظر عن فشل عمليات التوغل داخل الحدود الإثيوبية، ولكن يتوقع استمرار عمليات الحركة باتجاه الحدود مستقبلاً، بما يعني زيادة نطاق النفوذ داخل الصومال.

2- ممارسة ضغوط لسحب القوات الإثيوبية: بالنظر إلى استهداف القوات الإثيوبية ومقراتها المنتشرة داخل الصومال وعلى الحدود بين البلدين خلال هجمات يوليو الماضي، وقبلها باستهداف تلك القوات بعبوات ناسفة في الطرق منذ مايو الماضي؛ فإن الحركة تسعى للضغط على إثيوبيا من خلال استهداف قواتها، بصورة قد تدفعها حال استمرار عمليات الاستهداف، وزيادتها إذا تمكنت الحركة من ذلك، إلى سحب قواتها المشاركة ضمن القوات الأفريقية لحفظ السلام ومواجهة نشاط الحركة، خاصة أن إثيوبيا سبق أن سحبت الآلاف من قواتها العاملة في الصومال بداية من عام 2016 وحتى 2020، إما لأسباب تمويلية، أو على وقع استدعاء تلك القوات لمواجهة التمرد في إقليم تيجراي.

3- التخطيط للتوسع داخل إثيوبيا: لم تكن هجمات حركة “الشباب” على الحدود مع إثيوبيا، ثم التوغل عبر مجموعتين في منطقتين مختلفتين،في إطار خطة منظمة للتوغل، وإلقاء القبض على مهربي أسلحة مرتبطين بالحركة؛ إلا محاولة للتوسع داخل إثيوبيا، والرغبة في تأسيس وجود دائم، إذ إن التوغل والهجمات لا تشي بأنها مجرد هجمات خاطفة، خاصة أن الحركة أشركت ما يزيد على ألف عنصر، وفقاً لتقديرات محلية وغربية، في هجمات يوليو الماضي،إضافةً إلى تنسيق تحرك مجموعتين إلى داخل الحدود الإثيوبية، وتقسيم كل مجموعة إلى مجموعات أصغر فور نجاح التوغل داخل إثيوبيا، لزيادة قدرتهم على الصمود في مواجهة المقاومة المتوقعة من قبل القوات الإثيوبية، بما يزيد من حظوظ التقدم داخل عمق إثيوبيا بصورة تصعب مواجهتهم وعدم لفت الأنظار إليهم.

4- تصعيد حدة التوتر بين البلدين: ربما سعت حركة “الشباب” عبر التوغل داخل الحدود الإثيوبية إلى تصعيد حدة التوتر بين البلدين، على خلفيةتصدي القوات الإثيوبية لتحركات عناصرها، وبالتالي إمكانية دخول قوات إثيوبية إلى العمق الصومالي لمطاردتهم، وإبعادهم عن الحدود الإثيوبية. إذ نفذ سلاح الجو الإثيوبي غارات جوية داخل الحدود الصومالية لاستهداف تمركزات ومناطق يتحصن فيها عناصر الحركة. وحال عدم وجود تنسيق بين الجانبين لملاحقة عناصر “الشباب”، فإنها تمثل خروقات للمجال الجوي، قد يترتب عليها توترات بين البلدين، على نحو قد يقلل من التنسيق المشترك أمنياً، خاصة أن حاكم منطقة باكول الصومالية حذر من خروقات القوات الإثيوبية للحدود مع الصومال في 22 يوليو الماضي دون إذن، وطالبهم بالتشاور أولاً قبل التوغل داخل الحدود الصومالية، ومن غير الواضح حتى الآن رد فعل الحكومة الصومالية بشأن إعلان رئيس إقليم “أوغادين” مصطفى محمد عمر، إقامة منطقة عازلة داخل الصومال، لمواجهة تهديدات الحركة مستقبلاً، ومنعها من التوغل مرة أخرى في إثيوبيا.

5- استغلال الأزمات العرقية المتعددة: يمكن النظر إلى توغل حركة “الشباب” في إطار سعيها لتأسيس وجود لها في إثيوبيا، كمحاولة لاستغلال الأزمات الداخلية؛ إذ تشهد إثيوبيا حالة عدم استقرار داخلي، على خلفية الصراع بين الحكومة وإقليم تيجراي، هذا بالإضافة إلى إشارة تقارير غربية إلى توترات بين رئيس الوزراء آبي أحمد وبعض المكونات العرقية الأخرى داخل إثيوبيا، في ظل مواجهات مع جيش تحرير أورومو، ولكن لم تصل المواجهات إلى حد الصدام الكامل كما حدث مع إقليم تيجراي. وبشكل خاص، قد ترغب حركة “الشباب” في تأسيس روابط مع بعض الدوائر داخل إقليم “أوغادين”، في ظل استمرار الشكاوى من ممارسة الشرطة انتهاكات لحقوق الإنسان، وتوظيف ذلك لصالحها.

تحركات مستمرة

وأخيراً، فإن تحركات حركة “الشباب” الأخيرة، بالتوغل داخل إثيوبيا رغم فشل المحاولة، وتوسيع النفوذ باتجاه الحدود الصومالية-الإثيوبية، جنباً إلى جنب مع عملياتها في كينيا المجاورة؛ تعكس زيادة الطموح لدى الحركة في تعزيز النفوذ إقليمياً بدول جوار الصومال خلال الفترة المقبلة، تأسيساً على زيادة النفوذ بعد خروج القوات الأمريكية، واستعادة السيطرة على بعض المناطق التي فقدتها خلال الأعوام الماضية، بصورة تمكنها من محاولة التمدد إلى دول الجوار، وليس مجرد تنفيذ عمليات وهجمات خاطفة، بعض النظر عن نجاحها في ذلك من عدمه. ولكن يبقى أن نشاط الحركة المتصاعد يستدعي تدخلاً لتحجيم النفوذ.