مقاربة مختلفة:
دوافع تعيين واشنطن توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً للسودان

مقاربة مختلفة:

دوافع تعيين واشنطن توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً للسودان



أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 26 فبراير الجاري، تعيين الدبلوماسي وعضو الكونجرس السابق توم بيرييلو، مبعوثاً خاصاً إلى السودان، في وقت تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى زيادة التركيز على الصراع العسكري المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، والذي قارب على افتتاح عامه الثاني، وفرض تداعيات عديدة على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية والإنسانية.

وقد أشار بيرييلو، في بيان عقب إعلان تعيينه مبعوثاً خاصاً إلى السودان، إلى أنه سوف يبني على جهود الشركاء في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط من أجل وضع حد للحرب والأزمة الإنسانية والأعمال الوحشية التي تشهدها السودان منذ اندلاع الصراع.

أسباب عديدة

يمكن تفسير القرار الأمريكي بتعيين مبعوث جديد للسودان في ضوء جملة من الدوافع التي يتمثل أبرزها في:

1- استعادة الدور في الأزمة: اتسم الموقف الأمريكي تجاه السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، وإعادة سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة السياسية في البلاد، والتراجع في أكتوبر ٢٠٢١ عن نقل السلطة إلى حكومة مدنية، بالضعف، حيث لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل المركزي في الملف بعدما كانت الطرف الدولي المؤثر في إنهاء الحرب بين شمال السودان وجنوبه لعقود، ودعم استفتاء الاستقلال لجنوب السودان، وهو الأمر الذي سمح لقوى إقليمية ودولية، ولا سيما روسيا، بتعزيز نفوذها ومصالحها في السودان، وبما يتعارض مع المصالح والرؤية الأمريكية. وقد أصبحت تلك القوى أكثر تأثيراً من الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد مستقبل السودان.

ويكشف تعيين بيرييلو عن التزام واشنطن بإنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من ١٢ ألف سوداني، والذي قوض الجهود الدولية لمساعدة الخرطوم على تطوير اقتصادها، فقد أدت الحرب الأهلية إلى نزوح ما يقرب من ٨ ملايين سوداني واستئناف عمليات القتل الجماعي في دارفور حسب تقارير دولية عديدة.

2- الاستجابة لضغوط المشرعين الأمريكيين: مارس بعض المشرعين الأمريكيين ضغوطاً على الإدارة لإجراء تحول في سياستها تجاه السودان، واتباع نهج أكثر قوة مع استمرار الحرب الأهلية التي تؤدي لمزيد من الفوضى بعد تعثر الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الصراع.

وقد دفع أعضاء بمجلس الشيوخ في رسالة لوزير الخارجية الأمريكي، في ١٨ ديسمبر الماضي، بضرورة تعيين الإدارة الأمريكية مبعوثاً خاصاً للسودان لتنشيط السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السودانية في وقت تركز فيه الإدارة الأمريكية على منع تحول العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى حرب إقليمية، والحرب الروسية-الأوكرانية، وعزل روسيا سياسياً واقتصادياً ومنعها من الانتصار في تلك الحرب، ومواجهة النفوذ الصيني المتصاعد عالمياً وفي منطقة الإندوباسيفيك تحديداً.

وتكشف ضغوط المشرعين الأمريكيين عن إحباط متزايد داخل الكونجرس بشأن استجابة الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي للصراع في السودان، الذي يعتبر من أسوأ الأزمات الدولية الإنسانية، ولكنه لم يحظَ إلا باهتمام ضئيل من قبل الإدارة الأمريكية.

3- تعثر إحياء محادثات السلام: يرى عديد من المشرعين الأمريكيين وكذلك المسئولين بالإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية أهدرت الوقت والموارد في محاولة لإحياء محادثات السلام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي لم تحقق، حتى الآن، إنجازاً ذي مغزى، وهو ما دفع الإدارة للتفكير في تعيين مبعوث جديد لمعالجة الأزمة المستمرة منذ ما يزيد على 10 أشهر.

ويعكس تعيين بيرييلو التزام واشنطن بدعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، والوصول إلى تسوية للصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فقد صرح مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، بأن تعيين بيرييلو يعكس التزام واشنطن العميق بإنهاء الصراع، ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور بسرعة في السودان والمنطقة.

وبحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية، فإن بيرييلو سيقوم بتنسيق السياسة الأمريكية بشأن السودان، وتعزيز جهود واشنطن لإنهاء المعارك، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بدون عوائق، ودعم الشعب السوداني في سعيه لتحقيق تطلعاته من أجل الحرية والسلام والعدالة.

4- خبرة بيرييلو في حل النزاعات: يمتلك المبعوث الأمريكي الجديد للسودان خبرة واسعة في مجال تسوية النزاعات التي يمكن أن تساعده في تعزيز فرص إنجاح الدور الأمريكي في إنهاء القتال المستمر منذ أكثر من 10 أشهر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فلديه خبرة في العمل بالقارة الأفريقية خلال توليه في السابق منصب المبعوث الخاص إلى منطقة البحيرات الكبرى.

وبحسب بيان وزارة الخارجية، يتمتع بيرييلو بخبرة طويلة في قضايا السلام والأمن والعدالة الانتقالية في القارة الأفريقية وأجزاء أخرى من العالم، فضلاً عن عمله في السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بما يمكنه من التنسيق بينهما لإنجاح السياسة الأمريكية تجاه السودان، بجانب خبرته خلال عقدين في المؤسسات متعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية التي ستساهم في إنجاح دوره في تحسين الأوضاع الإنسانية للسودانيين في مناطق الصراع. وتلك الخبرة تجعله مؤهلاً لدعم الحوار الوطني وبناء توافق بين القوى السودانية المتصارعة.

اهتمام خاص

يكشف تعيين توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً إلى السودان عن تحول في مقاربة الإدارة الأمريكية تجاه الصراع المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل من العام الماضي، بعد إخفاق جهودها السابقة في حلحلة الأزمة والتقدم في المباحثات بين أطراف الصراع، وكذلك إخفاق العقوبات التي فرضتها على الجهات والأفراد الذين يؤججون الصراع ويعرقلون العملية السياسية، حيث لا تزال الأزمة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان مستمرة.

ورغم انشغال الإدارة الأمريكية بالتصعيد العسكري في المنطقة على خلفية العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهجمات المليشيات الموالية لإيران ضد القواعد والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة؛ فإنها بدأت تولي اهتماماً للحرب الأهلية في السودان، وبالحد من الكثير من أعمال العنف ضد المدنيين، والحيلولة دون تحول الوضع الإنساني المروع بالفعل إلى مجاعة كارثية، حيث يأتي تعيين المبعوث الأمريكي للسودان بعد اتهامات أمريكية للقوى السودانية المتصارعة بعرقلة دخول المساعدات عبر الحدود إلى المناطق التي مزقتها الحرب.

ويأتي تعيين بيرييلو في إطار عودة اهتمام الإدارة الأمريكية بالأزمات التي تشهدها المنطقة، خاصة بعد أن بات لغياب الدور الأمريكي تأثيرات على القوى الداخلية الأمريكية التي تولي أهمية لتلك القضايا، بشكل سيكون له تأثير على القاعدة الانتخابية للرئيس الأمريكي الذي سيكون في حاجة إلى أصواتها في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 5 نوفمبر القادم للفوز بفترة رئاسية ثانية، بجانب أن غياب التأثير فرض فراغاً سعت القوى المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية لملئه بما يخدم مصالحها وأهدافها والتي تتعارض مع المصالح والأمن القومي الأمريكي.