بعد نحو شهر على زيارته إلى روسيا، يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة العاصمة الصينية بكين، في 17 يوليو الجاري، يجري خلالها مباحثات مع نظيره الصيني شي جينبينغ وكبار المسئولين الصينيين، حول حزمة من الملفات الثنائية التي ترتبط بتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي؛ فضلاً عن مسألة انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، إضافة إلى قضايا إقليمية ودولية متعددة تحظى باهتمام مشترك من الجانبين.
وتكتسب الزيارة أهميتها من توقيت إجراءها، حيث تأتي في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها الجزائر لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، وفي خضم التصعيد المستمر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول العديد من الملفات التي تتعلق بالعلاقات الثنائية والتطورات التي تشهدها الساحة الدولية والتي يأتي في مقدمتها الحرب الروسية – الأوكرانية.
عوامل متشابكة
يسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبر زيارته المرتقبة للصين إلى تكريس سياسة تتضمن التوجه نحو الشرق، وتحديداً تجاه الصين، ومن قبلها روسيا؛ إذ تُعزز زيارة تبون لبكين استدارة سياسية واقتصادية لافتة للجزائر، خاصة بعد زيارات سابقة قام بها لبعض دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا؛ الأمر الذي يعكس توجهاً سياسياً يستند إلى عدة عوامل متشابكة، معظمها يتمحور حول الأبعاد الاقتصادية. ويمكن تناول أهم هذه العوامل على النحو التالي:
1- تعزيز فرص الانضمام إلى مجموعة “بريكس”: لم يُخْفِ الرئيس الجزائري، خلال زيارته إلى روسيا، في 16 يونيو الماضي، رغبة بلاده في الحصول على عضوية مجموعة “بريكس”، وعبر عن ذلك بالقول: “الجزائر تريد التعجيل في دخول منظمة بريكس، والخروج من هيمنة الدولار والأورو، كون ذلك فيه فائدة كبيرة لاقتصادنا”. وسبق أن قال أيضاً، في 7 أغسطس 2022، أن “الجزائر مهتمة ببلدان بريكس لأنها تشكل قوة اقتصادية وسياسية”، مضيفاً أن “العضوية المحتملة لبلاده في هذا النادي من البلدان ذات الاقتصادات الناشئة يمكن أن تكون سريعة”.
ورغم ما يبدو من خلال مقولة تبون من أن الجزائر تستهدف بُعدين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، عبر محاولة انضمامها إلى مجموعة “بريكس”؛ إلا أنها تولي الأخير اهتماماً متزايداً، ذلك أن مثل هذا الانضمام يتيح لها إمكانية حصولها على تسهيلات تجارية واقتصادية، إضافة إلى تعميق علاقاتها البينية مع المجموعة، خاصة مع الصين التي تُمثل أكبر مستورد للطاقة على مستوى العالم، والتي يمكن للجزائر الاستفادة من استثماراتها في صناعات النفط والغاز الجزائريين.
ويبدو أن الجزائر تعتمد في هذا الصدد على الرسائل الإيجابية التي توجهها الصين، والتي توحي بأن لديها رغبة في توسيع عضوية المجموعة لتضم دولاً أخرى، مثل الجزائر. وقد بدا ذلك جلياً في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، في 30 مايو 2023، والتي قالت فيها: “إن الصين تدعم عملية توسيع البريكس، ومستعدة لجلب المزيد من الشركاء المتشابهين في التفكير إلى عائلة البريكس الكبيرة”.
2- تفعيل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة: وقعت كل من الجزائر والصين، في 5 نوفمبر 2022، على الخطة الخماسية الثانية (2022-2026) للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الطرفين. وتعزز هذه الخطوة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها بين الجانبين في عام 2014. وتسعى الدولتان عبر تلك الخطوات إلى توسيع نطاق العلاقات الثنائية فيما بينهما، على نحو يبدو جلياً أيضاً في توقيع الطرفين، في 5 ديسمبر 2022، على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق.
وهنا، يمكن القول إن الجزائر تسعى عبر ذلك إلى الاستفادة من تطلع بكين إلى مواصلة رفع حجم التبادل التجاري مع دول الشرق الأوسط. ووفقاً لتقديرات عديدة، فإن التبادل التجاري بين الصين وهذه الدول وصل في عام 2022 إلى 507.152 مليار دولار، بما يعني أنه شهد نمواً بلغ 27.1% على أساس سنوي. ويبدو الاهتمام الصيني برفع مستوى التبادل التجاري مع هذه الدول جلياً في مقارنة المستوى الذي وصل إليه في عام 2022 بذلك الذي كان عليه في عام 2017، حيث كان يبلغ آنذاك نحو 262.5 مليار دولار فقط.
3- تطبيق الخطة التنفيذية لـ”الحزام والطريق”: انضمت الجزائر إلى مبادرة “الحزام والطريق”، في عام 2018. وبدا أن الطرفين حريصان على اتخاذ مزيد من الإجراءات التي يمكن أن تساعد في الحصول على مكاسب استراتيجية عبر تفعيل تلك المبادرة. ويكتسب هذا التوجه أهميته ليس فقط من كونه يمثل متغيراً دافعاً نحو توسيع نطاق التعاون المشترك بين الجزائر وبكين، في قطاعات معينة يأتي في مقدمتها الموانئ البحرية، وحتى الجافة منها، والتي تشكل أساس المبادرة؛ وإنما أيضاً من موقع الجزائر بالنسبة إلى الصين، والتي تُمثل إحدى البوابات الأساسية للقارة الأفريقية، بما يعني أن انضمامها إلى المبادرة يُساهم في فتح الطريق أمامها للدخول إلى أسواق القارة، خاصة في منطقة غرب أفريقيا.
4- ترسيخ التعاون الأمني والعسكري: تمكنت الصين، في مجال التعاون العسكري، من تعزيز موقعها كأحد مصدري السلاح إلى دول عديدة على مستوى العالم، من بينها الجزائر. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن الصين باعت صاروخ HJ-12 المضاد للدبابات إلى الجزائر، كما قامت ببناء ثلاثة فرقاطات وطرادات لصالح الأخيرة. بل إن التعاون الجزائري مع بكين لم يتوقف عند حدود الصفقات العسكرية، وإنما وصل أيضاً إلى مجال الفضاء، حيث أطلقت الجزائر أول قمر صناعي يحمل اسم “ألكوم سات”، في 10 ديسمبر 2017 من قاعدة فضائية في الصين، موجه للاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي والتلفزيوني والإنترنت.
استدارة لافتة
على ضوء ذلك، يُمكن القول في النهاية إن الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى بكين تأتي في إطار “استدارة جزائرية” في اتجاه الشرق، نحو روسيا والصين. وهي استدارة تستهدف مواجهة الضغوط الغربية عموماً، والأمريكية على وجه الخصوص؛ إلا أن العلاقات الجزائرية مع الصين تعتمد على الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية، ربما أكثر من المجالات الاستراتيجية، التي تتميز بها العلاقات الجزائرية-الروسية.
ورغم أن هذه السياسة يمكن أن تساهم في تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين الجزائر والعديد من الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تبدي قلقاً ملحوظاً من التحركات التي تقوم بها الصين على المستوى الدولي خلال المرحلة الحالية، خاصة في ظل تفاقم التصعيد بين الطرفين حول العديد من الملفات، والتي يأتي في مقدمتها الملف التايواني، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخطوات التي تتخذها الجزائر على هذا الصعيد تأتي في إطار التغيير الملحوظ في اتجاهات السياسة الخارجية منذ أن وصل الرئيس تبون إلى سدة الحكم، في 19 ديسمبر 2019.