تسعى الجزائر إلى تطوير علاقاتها الثنائية مع موريتانيا، على نحو بدا جلياً في إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 22 فبراير الجاري، عن تدشين عدد من المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين، وأهمها المعبر الحدودي، وإطلاق طريق تندوف-الزويرات، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى الجزائر.
ويأتي تدشين مشاريع استراتيجية بين البلدين بعد إعلان الجزائر عن تأسيس منطقة للتبادل التجاري الحر في جنوب البلاد، وذلك لصالح كل من موريتانيا والنيجر ومالي، وبعد مضيّ فترة وجيزة من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء النيجري إلى المغرب، في 12 فبراير الجاري، لتعزيز العلاقات بين البلدين على المستويين الأمني والدبلوماسي.
أهداف عديدة
يمكن القول إن الجزائر وموريتانيا تسعيان عبر تدشين هذه المشاريع الاستراتيجية المشتركة في هذا التوقيت إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- موازنة التحركات المغربية في منطقة الساحل: يأتي الإعلان عن هذه المشاريع الاستراتيجية بعد فترة وجيزة من زيارة رئيس الوزراء النيجري علي لامين زين إلى المغرب، في 12 فبراير الجاري، والتي رافقه فيها وزيرا الدفاع والخارجية، مما يشير إلى توجه النيجر نحو تعزيز العلاقات الأمنية والدبلوماسية مع المغرب، ولا سيما بعد انضمام النيجر إلى المبادرة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفي الوقت الذي يترافق مع انضمام مالي وبوركينافاسو ومالي وتشاد إلى المبادرة، وهو ما يبدو أنه أثار قلق الجزائر التي تخشى من تمدد النفوذ المغربي في منطقة الساحل على حسابها.
ولذا، اتجهت الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع موريتانيا من خلال إطلاق مشاريع استراتيجية يمكن أن تمثل بديلاً للمبادرة الأطلسية، وقد جاء ذلك بعد إعلان الجزائر نفسها منذ فترة وجيزة عن منطقة للتبادل التجاري الحر في جنوب البلاد لفائدة مالي والنيجر وموريتانيا، وذلك لموازاة المبادرات الاقتصادية والأمنية التي تطرحها المغرب لاستقطاب دول الساحل الأفريقي.
2- تقليص ضغوط التصعيد مع دول الساحل: فقد اتخذت مالي والنيجر عدداً من الإجراءات لتحجيم ما اعتبرته تدخلات جزائرية في شئونها الداخلية، حيث أعلنت مالي عن إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة مع الجماعات المسلحة في شمال مالي، وهو الأمر الذي تضمن رسائل موجهة للجزائر بعد قبول الحكومة الانتقالية المالية، في فترات سابقة، للوساطة الجزائرية، وذلك برغم دور الجزائر البارز في رعاية اتفاقية السلام بين الجانبين، وكان ذلك بمثابة إعلان من جانب مالي عن سعيها لإقصاء الجزائر وتقليص دورها في رعاية المفاوضات ومن ثم تحجيم نفوذها وتأثيرها في مالي، وقد رافق ذلك اتهامات من جانب مالي للجزائر باستضافة لقاءات مع الجماعات المالية في الجزائر بدون حضور ممثلين عن مالي، وهو ما اعتبرته بمثابة تحريض لهذه الجماعات ضد الحكومة الانتقالية.
وبالمثل، اتبعت الحكومة الانتقالية في النيجر المنحى نفسه تجاه السياسة الجزائرية في النيجر، حيث رفضت الأخيرة الاقتراحات الجزائرية لحل الأزمة مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو الماضي وأطاح بنظام الرئيس السابق محمد بازوم. وقد دفعت هذه التطورات الجزائر إلى الاتجاه نحو تطوير العلاقات الثنائية مع موريتانيا، والحفاظ على ما تبقى لها من أوراق ضغط في المنطقة.
3- استقطاب الموقف الموريتاني من قضية الصحراء: تكشف كل التحركات التي تقوم بها الجزائر على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية عن اهتمامها باستقطاب الدعم الموريتاني في ملف الصحراء، خصوصاً أن موريتانيا لا تزال تحافظ على موقف محايد تجاه هذا الملف وترفض الانحياز إلى أيٍّ من الدولتين.
وربما يرجع ذلك إلى اهتمام موريتاني بتوظيف موقفها المحايد لتحقيق أقصى استفادة سياسية واقتصادية من الجانبين، لا سيما أن المغرب لا تزال تعلن عن مبادرات اقتصادية وأمنية لتعزيز العلاقات مع موريتانيا. وتشهد موريتانيا زيارات متكررة من جانب الدبلوماسيين والعسكريين المغاربة، حيث يعقد في موريتانيا، خلال الفترة الحالية، المنتدى المغربي-الموريتاني الذي يستهدف تعزيز الاستثمارات المغربية في موريتانيا.
سيناريوهات محتملة
من المتوقع أن يكون لهذه التطورات التي طرأت على صعيد العلاقات بين موريتانيا من جهة وكل من الجزائر والمغرب من جهة أخرى صدى كبير في منطقة الساحل الأفريقي. وفي هذا السياق، يمكن توقع سيناريوهات ثلاثة محتملة:
السيناريو الأول، يتمثل في انضمام موريتانيا إلى المبادرة الأطلسية، إذ لا يستبعد مراقبون أن تتجه موريتانيا، في إطار سياستها للحفاظ على موقف محايد تجاه الخلاف الجزائري-المغربي، إلى الإعلان عن انضمامها إلى المبادرة الأطلسية، خاصة أن موريتانيا لم تنضم إلى هذه المبادرة ولم تحضر اجتماعاتها حتى الآن، ويبدو أن نواكشوط لا تستبعد أن يثير التقارب مع الجزائر قلق المغرب التي تحافظ على علاقات اقتصادية وأمنية نوعية معها.
والسيناريو الثاني، ينصرف إلى خروج موريتانيا عن حيادها واعترافها بحق تقرير المصير في الصحراء، وهذا يعني أن نواكشوط سوف تتجه إلى الانحياز والاصطفاف مع الجزائر، وذلك تأثراً بالحوافز الاقتصادية التي تقدمها الأخيرة. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو مستبعداً في ظل حرص موريتانيا على تجنب حدوث توترات مع الجارة الشمالية (المغرب)، والحفاظ على علاقات هادئة ومستقرة مع المغرب والجزائر على حد سواء.
أما السيناريو الثالث، فيتعلق بتصاعد حدة الصراعات السياسية داخل كتلة الساحل الخماسية، إذ يبدو واضحاً اتساع الفجوة بين دول تحالف الساحل (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) وموريتانيا، وخاصة بعد انسحاب الدول الثلاث من مجموعة الساحل الخماسية ثم الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”. لذلك من المتوقع أن يُحدِث التنافس المغربي-الجزائري في منطقة الساحل الأفريقي حالة من الاستقطابات والصراعات السياسية بسبب اصطفاف بعض الدول مع المغرب واصطفاف البعض الآخر مع الجزائر.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن قضية الصحراء سوف تبقى متغيراً رئيسياً سوف يكون له دور رئيسي في تحديد اتجاهات العلاقات بين كل من المغرب والجزائر من جهة ودول الساحل من جهة أخرى، لا سيما في ظل المصالح المتقاطعة وحالة السيولة التي تتسم بها أنماط التفاعلات التي تجري بين هذه الدول.