تهديدات مشتركة:
دوافع تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وموريتانيا

تهديدات مشتركة:

دوافع تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وموريتانيا



تأتي زيارة الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة المغربية قائد المنطقة الجنوبية، إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، في أول نوفمبر الجاري، للقاء قادة الجيش الموريتاني، في توقيت هام، حيث شهدت مدينة السمارة بإقليم الصحراء أربعة تفجيرات أعلنت بعض مصادر “جبهة البوليساريو” مسئوليتها عنها، فيما كشفت السلطات المغربية عن تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية التي ترتبط بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي.

ويشير ذلك إلى أن هذه الزيارة تستهدف بشكل رئيسي تعزيز التعاون الأمني مع موريتانيا في مواجهة التصعيد العسكري من جانب “البوليساريو”، ومنع الأخيرة من شن عمليات عسكرية ضد القوات المغربية من الأراضي الموريتانية، وفي الوقت نفسه توسيع نطاق التنسيق الأمني مع الجيش الموريتاني لمنع تسلل واختراق العناصر الإرهابية القادمة من منطقة الساحل عبر المناطق الحدودية بما يشكل تهديداً لأمن واستقرار الدولتين، فضلاً عن الاهتمام المغربي المتزايد باستقطاب دعم موريتانيا للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.

أسباب عديدة

رغم أن الزيارة جاءت في إطار المشاركة في أعمال الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المشتركة التي استضافتها العاصمة الموريتانية، وبحث علاقات التعاون القائم بين الجيشين المغربي ونظيره الموريتاني وسبل تعزيز التنسيق والمصالح المشتركة بين البلدين؛ لكن يمكن القول إن ثمة جملة من العوامل التي تدفع المغرب لتكثيف جهودها لتعزيز التعاون الأمني مع موريتانيا، يتمثل أبرزها في:

1- استقطاب دعم نواكشوط لمبادرة الحكم الذاتي: تبذل المغرب جهوداً حثيثة من أجل استقطاب دعم موريتانيا لمبادرة الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، وليس بخافٍ أن ثمة تنافساً جزائرياً-مغربياً على استقطاب موريتانيا في ملف الصحراء، وخاصة أن الأخيرة أعلنت عن موقف محايد تجاه النزاع القائم بين الطرفين بغرض الحفاظ على علاقات ودية معهما. ويبدو أن الموقف الموريتاني لا يزال يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للرباط.

2- التصعيد العسكري من جانب “البوليساريو“: أجريت هذه الزيارة بعد أيام قليلة من إعلان السلطات المغربية عن مقتل شخص واحد وإصابة ثلاثة آخرين جراء أربعة انفجارات في مدينة السمارة بإقليم الصحراء، وسط احتمالات وقلق مغربي من أن تكون الأراضي الموريتانية هى مصدر انطلاق هذه الهجمات، وفي الوقت الذي اعترف فيه ممثل “جبهة البوليساريو” في نيويورك بمسئوليتها عن استهداف مناطق مدينة السمارة، فقد ذكر أن هذا “الأمر هو نتاج حرب نخوضها تستهدف بالأساس أي منطقة بها وجود عسكري مغربي”.

وكان السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال قد قال أن “المغرب ستستخلص الاستنتاجات اللازمة، بناء على النتائج الملموسة للتحقيقات التي تجريها الشرطة القضائية بخصوص الانفجارات الأربعة”، مضيفاً أن “صمت جبهة البوليساريو حول أحداث السمارة يشير إلى أنها المتورطة في الحادث، ونحن لنا الحق الدولي في الرد على أي هجوم إرهابي”.

ويشير مراقبون إلى أن القصف الصاروخي الذي استهدف أربعة مواقع سكنية في مدينة السمارة، سواء من داخل المنطقة العازلة أو من خارجها، قد جرى تنفيذه من قبل عناصر تسللت عبر التراب الموريتاني، علاوة على أن حجم الدمار الذي خلّفه القصف الصاروخي يدل على أن العملية تمت بواسطة صواريخ ذات رؤوس حربية تم إطلاقها من مسافة تفوق 30 كم.

3- تصاعد النشاط الإرهابي بمنطقة الساحل: أعلنت السلطات المغربية خلال الشهر الماضي عن تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، التي تشهد تصاعداً في نشاط العمليات الإرهابية والاضطرابات الأمنية المتنامية بعد تزايد وتيرة الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينافاسو والنيجر، واتجاه فرنسا إلى سحب قواتها في المنطقة، الأمر الذي يثير المخاوف لدى دول الجوار، مثل موريتانيا والمغرب، من امتداد نشاط التنظيمات الإرهابية عبر حدودها، والذي يستدعي تكثيف التعاون الأمني الثنائي على الحدود لمنع هذه التنظيمات من اختراق الحدود لتنفيذ مخططاتها في دول الجوار.

تداعيات محتملة

من المتوقع أن تثير التحركات المغربية المستمرة لتعزيز التعاون الأمني مع موريتانيا تداعيات محتملة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تحركات سياسية جزائرية موازية: لا يمكن استبعاد أن تتجه الجزائر إلى تعزيز جهودها وتحركاتها تجاه موريتانيا، فغالباً ما يعقب زيارات الوفود الرسمية المغربية زيارات الوفود والمسئولين الجزائريين لموريتانيا. وتحافظ الجزائر على علاقات راسخة ومستقرة مع الأخيرة، ولا سيما من خلال المشروعات التنموية المشتركة التي أقامها البلدان عبر المناطق الحدودية، وهو ما ساهم في توسيع نطاق المصالح الاقتصادية المشتركة التي يحرص البلدان على تطويرها. وتدرك الجزائر حاجة موريتانيا إلى مثل هذا الدعم والتعاون الاقتصادي، ولذلك فهي تستثمر فيه بكثافة لموازنة التحركات المغربية.

2- التزام موريتانيا بموقف براجماتي: تسعى المغرب إلى تكثيف تعاونها الأمني مع موريتانيا، في حين تعمل الجزائر على رفع مستوى استثماراتها لإقامة مشروعات تنموية مشتركة وخاصة في المناطق الحدودية مع الأخيرة. لذلك، من المتوقع أن تحافظ موريتانيا على سياسة براجماتية بهدف تعزيز العلاقات مع كل من الجزائر والمغرب في وقت واحد، وعدم دفع “جبهة البوليساريو” للعمل ضدها.

3- تكثيف العمليات العسكرية ضد “الجبهة”: ربما يتجه الجيش المغربي إلى تنفيذ ضربات عسكرية مكثفة ضد مواقع “جبهة البوليساريو” رداً على تفجيرات السمارة، وهو ما يستتبع تصعيد “الجبهة” من عملياتها ضد الجيش المغربي في منطقة الصحراء، وخاصة أن “الجبهة” تحرص على عرقلة الاستراتيجية التنموية للرباط في المنطقة، خاصة أن الدبلوماسية المغربية تتحدث بشكل متكرر عن النموذج التنموي الناجح في الصحراء.

ختاماً،يمكن القول إن تكثيف المغرب تحركاتها، على المستويات المختلفة، لتعزيز العلاقات الثنائية مع موريتانيا، يرتبط بتنامي التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، لا سيما التهديدات الإرهابية القادمة من منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة بعد إعلان المغرب عن تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى التفجيرات التي شهدتها منطقة السمارة في إقليم الصحراء والتي اعترفت بعض قيادات “البوليساريو” بمسئوليتها عنها. لذلك، من المتوقع أن تدفع التحركات المغربية الجزائر إلى بذل مزيد من الجهود من أجل الحفاظ على علاقات قوية مع موريتانيا، وتقليص احتمالات اتجاه الأخيرة إلى التماهي بشكل أكبر مع السياسة التي تتبناها الرباط إزاء ملف الصحراء.