قام وزير الدولة لشئون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية توم توجندهات بزيارة العراق في الفترة من ٢١ إلى ٢٣ أغسطس الجاري، التقى خلالها برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير الداخلية الفريق الركن عبد الأمير الشمري، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وكذلك رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ونائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني، ووزير الداخلية بالإقليم ريبر أحمد. وقد هدفت الزيارة، بحسب موقع الحكومة البريطانية، إلى تعزيز أمن المملكة المتحدة والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، والبناء على العلاقة القائمة بين البلدين.
ملفات متعددة
ركزت زيارة الوزير البريطاني ولقاءاته بالمسئولين السياسيين والأمنيين في بغداد وكردستان على جملة من الملفات الأمنية المشتركة بين العراق وبريطانيا، وفرص التعاون بين البلدين بما يحقق الأمنين العراقي والبريطاني. ومن أبرز تلك الملفات ما يلي:
1- دعم العراق في الحرب ضد الإرهاب: تعد قضية دعم العراق في الحفاظ على النجاحات التي حققها التحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش”، الذي تشارك فيه بريطانيا، أولوية للحكومة البريطانية. ولهذا، عينت الحكومة البريطانية، في ٢١ يونيو الماضي، ستيفن هيتشين مدير إدارة مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية، سفيراً جديداً لها في العراق. وبالفعل، كانت قضية مساعدة العراق في مكافحة الإرهاب على أجندة لقاءات توجندهات بالعراق. وخلال الزيارة، أبدى الوزير البريطاني استعداد لندن لدعم القوات الأمنية العراقية وتزويدها بالمعدات والتقنيات الحديثة لتعزيز قدرتها على مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم “داعش” وتحقيق الاستقرار الأمني في العراق.
فقد ناقش الوزير البريطاني مع مستشار الأمن القومي العراقي سبل تعزيز تبادل المعلومات بين البلدين لتقوية التعاون البريطاني-العراقي في مجال مكافحة الإرهاب، وبحث توقيع الدولتين على مذكرة تفاهم بشأن التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب. وتأتي أهمية تبادل المعلومات بين البلدين لمواجهة الإرهاب بعد أن كشفت المخابرات العراقية، في ٢٩ يونيو الماضي، عن مؤامرة لتنظيم “داعش” لتنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق في المملكة المتحدة باستخدام إرهابيين بريطانيين، كانوا يخططون لشن هجوم إرهابي على تجمع عام كبير.
ولم يقتصر الدور البريطاني على تقديم الدعم العسكري والتدريب للقوات العراقية لتعزيز قدراتها ومنع عودة تنظيم “داعش” الإرهابي لتجميع قواه مرة أخرى وتشكيل تهديد للدولة العراقية، والانطلاق منها لتهديد المصالح البريطانية في المنطقة، ولكن انخرطت القوات الجوية البريطانية في استهداف عناصر التنظيم النشطة على الأراضي العراقية. ففي ٢ مايو الماضي، نفذت طائرات “تايفون” التابعة لسلاح الجو الملكي هجوماً على هدفين إرهابيين في شمال شرق العراق، وذلك في إطار التعاون بين القوات البريطانية والحكومة العراقية لمنع عودة تنظيم “داعش” لاستعادة نفوذه في البلاد.
2- التعاون لوقف الهجرة غير الشرعية: هدفت الزيارة أيضاً إلى البناء على التعاون الأمني القوي بين العراق وبريطانيا في مكافحة الإرهاب، وتوسيع نطاق العلاقات الأمنية بين البلدين لمعالجة التهديدات المشتركة للجريمة المنظمة بما في ذلك تهريب البشر والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال التي تعمل معاً كشبكة إجرامية تقوض دولة العراق بأكملها وفقاً للوزير البريطاني. وقد أشار توجندهات إلى أنه بفضل التدريب المتخصص من القوات المسلحة البريطانية ستستخدم سلطات إنفاذ القانون العراقية نفس تقنيات مكافحة الإرهاب التي فككت البنية التحتية لتنظيم “داعش” لملاحقة العصابات ومجموعات الجريمة المنظمة التي تسهل عمليات تهريب الأشخاص إلى المملكة المتحدة.
ويأتي الاهتمام البريطاني بمساعدة العراق على مواجهة شبكات الجريمة المنظمة في ظل تقدم أزمة المهاجرين لبريطانيا لتكون أولوية رئيسية لرئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي تعهد بشكل أساسي بوقف قوارب المهاجرين لبريطانيا، والذين وصل عددهم لهذا العام إلى حوالي ١٨ ألف مهاجر، في وقت تواجه حكومته تحدياً قانونياً بشأن أحد بنود خطتها لإرسال المهاجرين الذين يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير قانوني إلى رواندا، حيث من المقرر أن تنظر المحكمة العليا في القضية في أكتوبر القادم.
ولذلك، تركز لندن على مواجهة المشكلة من المصدر، وقد أشار توجندهات إلى أنه “إذا تتبعت الأموال والطرق التي ينفذونها، فيمكنك العثور على قادة العديد من هذه العمليات هنا في العراق”. ومن هنا، تعهد بأن مهربي البشر الذين يقفون وراء آلاف القوارب الصغيرة لبريطانيا سيتم ملاحقتهم مثل إرهابيي “داعش” في دول مثل العراق.
3- رفع مستوى التنسيق لمكافحة المخدرات: أعلن توجندهات خلال زيارته للعراق عن تقديم مزيد من الدعم البريطاني لقوات الأمن العراقية من أجل مكافحة إنتاج المخدرات وتهريبها ولا سيما مخدر الكبتاجون الذي يأتي من معامل في سوريا، مؤكداً أن “العراق ليست فقط من تضرر من هذا المخدر بل دول مجاورة مثل الأردن والسعودية، وهي دول حليفة لبريطانيا، والتي تضررت كثيراً من هذا المخدر”. وقد قال لوكالة “أسوشيتدبرس” أن هناك تداخلاً بين المخدرات والاتجار بالبشر والإرهاب والعنف، الأمر الذي لا يؤثر على العراق فحسب، بل على المنطقة بأكملها وعلى عديد من حلفاء بريطانيا فيها. وبينما كانت العراق في السنوات الماضية دولة عبور للمخدرات التي يتم إنتاجها في سوريا، فقد بدأت بعض عصابات الاتجار بالمخدرات في إنتاجها على أراضيها، حيث أشار توجندهات إلى اكتشاف السلطات العراقية، في يوليو الفائت، مصنعاً ينتج الكبتاجون في محافظة متاخمة للسعودية.
4- استرداد الأموال والمطلوبين للقضاء العراقي: كانت قضية تسليم المطلوبين للقضاء العراقي في قضية الفساد المعروفة إعلامياً بـ”سرقة القرن” والمتعلقة بنهب ٢,٥ مليار دولار من مصرف الرافدين الحكومي على أجندة لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الوزير البريطاني، حيث يحمل أحد المتهمين الجنسية البريطانية وآخرون يحملون الجنسية الأمريكية. وقد سبق أن طالبت العراق كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالتعاون مع السلطات العراقية لتسليم ثلاثة مسئولين عراقيين سابقين متهمين بتسهيل الاستيلاء على الأموال، تقول بغداد إنهم موجودون في الخارج، وقد دعت واشنطن ولندن إلى التعاون في تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحق المتهمين في القضية وفقاً لقانون العقوبات العراقي، وإرجاع الأموال المنهوبة المودعة في بنوكها.
اهتمام مستمر
تأتي زيارة وزير الدولة لشئون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية توم توجندهات للعراق ضمن مساعي بريطانية لتوطيد العلاقات مع الأخيرة، وبعد أن استضافت لندن الحوار الاستراتيجي العراقي-البريطاني الثاني في 4 و5 يوليو الفائت ووقعت الدولتان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية في بغداد في 8 يونيو ٢٠٢١. وتكشف تلك الجهود عن التزام بريطاني بأمن واستقرار وسيادة العراق على المدى الطويل، وتركيز لندن على دعم الحكومة العراقية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتغيير السياسات لمعاجلة مجموعة من التحديات التي تواجه البلاد، والتي تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على المصالح البريطانية في المنطقة، وكذلك على الأمن البريطاني، ولا سيما قضية المهاجرين التي تتقدم أجندة عمل الحكومة البريطانية الحالية.