مزايا نسبية:
دوافع تطوير التعاون الاقتصادي بين الأردن والجزائر

مزايا نسبية:

دوافع تطوير التعاون الاقتصادي بين الأردن والجزائر



خلال منتدى مشترك للاستثمار عُقِد في العاصمة الأردنية عمان، اتفق رجال أعمال أردنيون وجزائريون، على ضرورة وضع آليات عمل تُسهم في تذليل الصعوبات التي تواجه انسياب السلع والتبادل التجاري بين البلدين. وبحسب بيان صادر عن المنتدى، فإنه رغم عمق العلاقات التي تجمع الأردن والجزائر، فإن المبادلات التجارية بينهما هي أقل من مستوى الطموحات؛ وهو ما يتطلب، وفقاً للبيان، تفعيل الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين، ولا سيما اتفاقية التعاون التجاري التي أبرمت عام 1997.

تسعى أوساط الأعمال في كل من الأردن والجزائر إلى تفعيل جسور التعاون الاقتصادي والاستثماري بشكل أكبر، خلال الفترة المقبلة، من بوابة إزالة المعوقات أمام تطورها. وخلال منتدى مشترك للاستثمار نظمته جمعية رجال الأعمال الأردنيين مع الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، في 20 أغسطس الجاري، اتفق المجتمعون على تأسيس رؤية جديدة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ يمكن من خلالها فتح آفاق رحبة للتعاون الاقتصادي والاستثماري المشترك.

وشدد المنتدى على ضرورة وضع آليات عمل تُسهم في تذليل الصعوبات التي تواجه التبادل التجاري بين البلدين؛ بالإضافة إلى تكثيف اللقاءات وتبادل زيارات الوفود، للاطلاع على الفرص الاقتصادية المتاحة، بحسب البيان الصادر عن المنتدى.

توجه مشترك

في سياق تجسيد التعاون الاقتصادي بين الأردن والجزائر، وقعت الجمعية الأردنية والكونفدرالية الجزائرية “مذكرة تفاهم”، في خطوة إيجابية، لغايات تدعيم علاقات التعاون بين مجتمعي الأعمال في البلدين.

واللافت أن عقد المنتدى الأردني-الجزائري، في دورته الأولى، كما صرح السفير الأردني لدى الجزائر شاكر العموش؛ إنما يستهدف بداية تأسيس وإقامة شراكات اقتصادية قوية، تحقق نوعاً من التكاملية وزيادة المبادلات التجارية وتعزيز فرص الاستثمار بين البلدين، وهو ما يعني أن المنتدى يُعد أحد سبل تعزيز وتطوير الاستثمار والتعاون الاقتصادي بينهما.

فضلاً عن ذلك، فإن عقد المنتدى يأتي في إطار حرص وزارة الاستثمار الأردنية، كما يؤكد زاهر القطارنة أمين عام الوزارة على توفير كافة التسهيلات للاستثمارات الجزائرية في السوق الأردنية، وبذل كل ما يمكن لتثبيت وتعزيز حضورها على خارطة الاستثمار بالأردن؛ خاصة أن الأخير يُعطي للجانب الاستثماري أهمية كبرى، ولا سيما بعد صدور قانون الاستثمار الأخير الذي يتضمن العديد من الإجراءات التحفيزية للانتعاش الاقتصادي وجلب المستثمرين إلى السوق الأردنية.

أيضاً، يأتي عقد منتدى الاستثمار الأردني-الجزائري استكمالاً لخطوة سابقة، قام بها وفد صناعي أردني مكون من 23 شركة صناعية، لبحث المعوقات التي تحول دون انسياب الصادرات الأردنية إلى السوق الجزائرية؛ وذلك خلال مشاركة الوفد في معرض الجزائر الدولي، وعبر الاجتماعات التي أجراها مع جهات جزائرية، تجارية وصناعية عديدة، من القطاعين الحكومي والخاص.

خارطة طريق

جاء انعقاد منتدى الاستثمار الأردني-الجزائري ليبحث في “خارطة طريق” تنبني عليها أسس تنويع السلع المتبادلة بين الجانبين، وتقليل المعوقات الجمركية، وغير الجمركية، لتسهيل انسياب السلع، وفق شراكة مثمرة وفعالة. وضمن أهم الأسس التي تنبني عليها هذه الخارطة، يأتي ما يلي:

1- محاولة رفع مستوى التبادل التجاري: رغم عمق العلاقات التي تجمع البلدين، كما يؤكد البيان الصادر عن المنتدى، إلا أن المبادلات التجارية بينهما أقل من مستوى الطموحات. واستناداً إلى تصريحات وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، خلال لقائه في العاصمة الجزائرية، في 12 يونيو الماضي، وفد القطاع المرافق لوزير التجارة وترقية الصادرات الجزائري كمال رزيق؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 197 مليون دولار خلال عام 2021، في مقابل 213 مليون دولار، خلال عام 2020، أي بنسبة انخفاض بلغت ما يُقارب 8 بالمائة.

إلا أن القائمة بالأعمال بالنيابة في السفارة الجزائرية لدى الأردن أسماء لبيض أكدت أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 72 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي 2022، في مقابل 32 مليون دولار للفترة نفسها من العام الماضي 2021، بما يشير إلى رغبة الجانبين في تطوير التبادل التجاري بينهما.

2- الاستثمار في مجالات النفط والغاز والمحاجر: ضمن الخطوات التي سبقت عقد منتدى الاستثمار، وساهمت في الإسراع به وانطلاقه، يأتي الإعلان الجزائري عن إمكانية تزويد الأردن بالنفط والغاز، ودعوة الشركات الأردنية للاستثمار في قطاع المحاجر.

فقد أعلنت الجزائر، في بيان صحفي نشرته وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، عبر صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك”، في 15 يونيو الماضي، عقب استقبال وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، بمقر دائرته الوزارية، وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، البدء بإجراء دراسة إمكان إمداد الأردن بالنفط الخام والغاز الطبيعي المُسال، وغاز النفط المُسال، بالإضافة إلى توزيع المنتجات النفطية وتخزينها في الأردن.

وقد أكد الوزير محمد عرقاب إرادة الجزائر للعمل أكثر على تطوير مواردها، واستكشاف تراثها المنجمي واستغلاله. ودعا الوزير الشركات الأردنية إلى الاستثمار في قطاع المناجم بالجزائر، خاصة في مجالات التنقيب عن المعادن والذهب والأتربة النادرة، وإنتاج الأسمدة وتحويل الفوسفات.

3- الاستفادة المشتركة من الفرص الاستثمارية في البلدين: وفق البيان الصادر عن منتدى الاستثمار، فإن غالبية منتجات الصناعة الأردنية تمتلك فرصة كبيرة للمنافسة، وتعزيز تواجدها بشكل واسع في السوق الجزائرية، والانطلاق منها إلى الأسواق الأفريقية. إلا أن ذلك، كما يؤكد البيان، يتطلب تذليل العقبات وتفعيل الاتفاقيات الثنائية الموقّعة بين البلدين، ولا سيما اتفاقية التعاون التجاري التي أبرمت عام 1997.

ونقل البيان عن أمين سر جمعية رجال الأعمال الأردنيين عبد الرحيم البقاعي قوله إن الأردن يمتلك مقومات تمكنه من أن يكون مركزاً إقليمياً للأعمال، وبوابة لدخول أسواق المنطقة، مدعوماً بمزايا تنافسية وفرص تجارية واستثمارية واعدة. هذا، إلى جانب الاتفاقيات الموقعة من الجانب الأردني مع مختلف التكتلات الاقتصادية العالمية.

من جانب آخر، يبدو أن مشاركة الأردن في أعمال معرض الجزائر الدولي، في يونيو الماضي، كانت مهمة؛ وكما يشير مقرر لجنة المعارض في غرفة صناعة عمان عاهد الرجبي، فإن السوق الجزائرية تُعد إحدى أهم الأسواق المهمة والفاعلة، التي يمكن من خلالها تصدير المنتجات الأردنية إلى شمال أفريقيا، فضلاً عن أنها تعتبر قريبة أيضاً من الأسواق الأوروبية.

4- تبادل الخبرات في إنشاء المناطق الحرة: من خلال مشاركته في المنتدى، صرح مدير عام المناطق الحرة والمناطق التنموية والفرص الاستثمارية الأردنية عبد الحميد غرايبة بأن الجزائر في طور إنشاء مناطق حرة، مما قد يترتب عليه “التشبيك” مع الهيئة الناظمة في الجزائر للاستفادة من مخزون المعارف والخبرات الكامنة في المناطق الحرة الأردنية، والاستعانة بالمعارف والخبرات الأردنية لإنشاء المناطق الحرة الجزائرية.

وفيما يبدو، فإن أهمية مثل هذه المشاركات تكمن في الترويج للفرص الاستثمارية في المناطق الحرة والمناطق التنموية، باعتبارها من أهم حواضن الأعمال المهيأة بكامل عناصر البيئة الاستثمارية لاستقطاب واستقبال الاستثمارات في مختلف الأنشطة.

أهداف متوازية

يأتي انطلاق منتدى الاستثمار الأردني-الجزائري، وانعقاد دورته الأولى في عمّان، في توقيت يحاول فيه كل جانب من الجانبين تفعيل مكانته عبر إعادة رسم ملامح دوره الإقليمي، من خلال التعاون الاقتصادي والتنشيط الاستثماري.

فالأردن، من جانب، يطمح في أن يكون مركزاً لوجستياً إقليمياً، نظراً لموقعه الاستراتيجي كـ”بوابة عبور” بين أوروبا الشرقية وتركيا مع دول الخليج العربي؛ خاصة أن المملكة توفر فرصاً لجذب استثمارات خارجية في قطاع البنية التحتية، مثل الطاقة والنقل، والقطاعات الرئيسية الأخرى ذات الصلة بالتنمية المستدامة.

وهنا، تجدر الإشارة إلى جملة الإصلاحات الشاملة التي يشهدها الأردن في المجالات الاقتصادية، والتي تكللت مؤخراً بإطلاق رؤية التحديث الاقتصادي للسنوات العشر المقبلة، إضافة إلى مساعي الحكومة لزيادة الجاذبية للاستثمارات الخارجية. هذا، رغم الإشكاليات المترتبة على زيادة الدين العام للأردن، الذي وصل، نهاية مايو الماضي، إلى 19.4 مليار دولار، وكذا زيادة الدين الخارجي الذي قارب 21.4 مليار دولار؛ وهو ما يعني بلغة الأرقام أن مديونية الأردن قد ارتفعت لتصل إلى نحو 41 مليار دولار؛ بما يترتب على ذلك من مؤشرات قد تكون سلبية.

أما الجزائر، من جانب آخر، فهي تسعى لأجل تعزيز حضورها خارج المنطقة المغاربية. وفي ظل التعثرات الدبلوماسية بالمنطقة، أصبحت تفكر في البحث عن تحالفات دولية وإقليمية جديدة؛ بما يشمل مواقع اقتصادية واعدة، فضلاً عن التكتلات الدولية (بريكس أحد الأمثلة). بل إن ما يجري هناك في شرق أوروبا، حيث الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعياتها، دفع الجزائر إلى محاولة استعادة نفوذها كـ”قوة متوسطية”، والانخراط في عدد من الملفات الإقليمية، كالملفات الخاصة بكل من تونس وليبيا؛ إضافة إلى محاولة التمدد الاقتصادي عبر التشابكات الاستثمارية مع منطقة غرب آسيا، حيث تركيا والأردن.