توحيد الشرعيّة:
دوافع تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” في جنوب اليمن

توحيد الشرعيّة:

دوافع تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” في جنوب اليمن



أعلنت قوى سياسية حضرمية، في 19 يونيو 2023، تأسيس مجلس سياسي محلي أطلق عليه “مجلس حضرموت الوطني” (المجلس الحضرمي الوطني)، وذلك بعد سلسلة من المشاورات السياسية الموسعة عقدها أبرز الشخصيات بالمحافظة الواقعة شرق اليمن واستضافتها المملكة العربية السعودية في 19 مايو 2023، وحضرها محافظ حضرموت “مبخوت بن ماضي”، والسفير السعودي لدى اليمن “محمد آل جابر”، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي”.

ونجم عن هذه المشاورات إصدار وثيقة تنادي بحق أبناء حضرموت في إدارة شؤونهم المالية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية السياسية والثقافية والأمنية، وعليه فإن تأسيس هذا المجلس الحضرمي يحمل جملة من الأهداف، يأتي من أبرزها: توحيد رؤية المكونات الحضرمية بالمحافظة النفطية، ومواجهة المشروع الحوثي القاعدي بشرق اليمن، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والتجارية في حضرموت، ومشاركة أبناء حضرموت في عملية صنع القرار، ومنع إنشاء كيانات عسكرية خارج مؤسسات الدولة.

يأتي تأسيس المجلس الحضرمي برعاية سعودية بعد 6 سنوات من تدشين المجلس الانتقالي الجنوبي برعاية الإمارات في 2017. وفي ضوء ذلك، فإن هناك بعض الملامح حول المجلس الحضرمي الوطني، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1- التشكيل السياسي: في الجلسة الختامية لمشاورات القوى الحضرمية بالرياض، تم الاتفاق على تكوين هيئة تأسيس للمجلس الحضرمي الجديد مكونة من سبعة أشخاص ويرأسها “بدر محمد باسلمة” وزير النقل في الفترة من نوفمبر 2014 حتى ديسمبر 2015، والمتحدث الرسمي للهيئة التأسيسية لمجلس حضرموت الوطني “عبدالقادر بايزيد”. وبحسب الوثيقة التأسيسية، فإن المجلس الجديد يضم في عضويته أعضاء الوفد الحضرمي الذي شارك بهذه المشاورات والوزراء الحضارم في الحكومة اليمنية الشرعية، والمحافظ والوكلاء، والوكلاء المساعدين بحضرموت، وممثلي المحافظة في مجلسي النواب والشورى، هذا بجانب قادة عسكريين وأمنيين ورؤساء المكونات الحضرمية، إضافة إلى ممثلين عن قطاع المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني الحضرمية. بجانب ذلك، فإن “باسلمة” طلب منه إعداد مسودة بهيكلية المجلس الجديد ولوائحه الداخلية، إضافة للتحضير للمؤتمر العام الأول للمجلس الحضرمي خلال مدة لا تزيد على 40 يوماً.

2- رؤية المجلس الحضرمي: احتوت الوثيقة التأسيسية للمجلس الحضرمي الجديد التي جاءت تحت عنوان “وثيقة سياسية وحقوقية”، على ثمانية مبادئ والتزامات عامة، تحدد عمل المجلس الجديد وتلبي تطلعات أبناء حضرموت، من أبرزها “التأكيد على وحدة حضرموت وأبنائها في إدارة جميع شؤون المحافظة السياسية والأمنية والاقتصادية بطريقة ديمقراطية، والالتزام بجميع أهداف التحالف العربي بقيادة السعودية، وعدم توظيف المهام الدستورية للمجلس الجديد لصالح تحقيق أيّة مكاسب سياسية، والإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية بالمحافظة النفطية، ومساندة مجلس القيادة الرئاسي اليمني بقيادة “رشاد العليمي”، كما نصّت أيضاً على تحييد مؤسسات الدولة الخدمية والأمنية والعسكرية عن أيّ خلافات بينية من شأنها الإضرار بالمصالح العامة ومفاقمة الأزمة الإنسانية في حضرموت، وردع أية تهديدات تستهدف المحافظة الجنوبية، وغيرها من المبادئ.

3- دعم الرئاسي اليمني: حثّ أعضاء الوفد الحضرمي المشارك بمشاورات الرياض، مجلس القيادة الرئاسي اليمني على دعم تنفيذ مقررات المشاورات الحضرمية في الرياض 2023، وتبني إجراءات تدعم هذا الإعلان، ولذلك عقب يومين من إعلان المجلس الجديد عقد “رشاد العليمي” اجتماعاً في 21 يونيو الجاري بالرياض مع محافظ حضرموت وأعضاء الوفد الحضرمي المشارك بمشاورات الرياض، وهنّأهم بتدشين المجلس الجديد، بل وطالبهم بضرورة النأي بالمحافظة عن أية صراعات أو تجاذبات ودعم أمنها واستقرارها وتحقيق تطلعات أبنائها على المناحي كافة. وفي 24 يونيو الجاري، تم الإعلان عن زيارة لـ”العليمي” إلى محافظة حضرموت تعد الأولى له منذ توليه منصبه في أبريل العام الماضي، وتأتي بهدف تفقد الأوضاع الخدمية والانمائية في المحافظة.

محرّكات دافعة

وفي ظل الملامح سالفة الذكر، يمكن القول إن الإعلان عن تدشين المجلس الحضرمي الجديد في هذا التوقيت، يحمل جملةً من الدوافع يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- توحيد رؤية النخب السياسية والاجتماعية الحضرمية: من أبرز الدوافع وراء تدشين مجلس حضرموت الوطني هو رغبة أبناء وقيادات حضرموت في احتواء أي توترات أو خلافات فيما بينهم، والعمل على وجود هيئة منظِّمة تُسهم بشكل رئيسي في توحيد جميع المكوّنات والقوى السياسية والاجتماعية بالمحافظة الغنية بالنفط، وذلك بهدف القضاء على الرؤية القائمة بالمحافظة الاستراتيجية بشأن إلغاء الآخر وعدم تحقيق العدالة بين جميع المواطنين، ولذلك فقد نصّ أحد بنود الوثيقة التأسيسية على ضرورة ممارسة الجميع في حضرموت لنشاطهم السياسي بطريقة ديمقراطية ودون فرض أية إملاءات على طرف آخر بما يسهم في تحقيق التعددية السياسية والاجتماعية وتعزيز قيم الشراكة العادلة ووحدة الصف والنسيج المجتمعي.

2- دحر المخطط الحوثي القاعدي للسيطرة على حضرموت: منذ سيطرة المليشيا الحوثية على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، والجماعة الانقلابية تضع عينها على باقي محافظات جنوب اليمن، خاصة حضرموت، نظراً لكونها محافظة استراتيجية وتتمتع بموقع جغرافي مميز في شرق اليمن. كما تحتل 36% من إجمالي مساحة البلاد، بجانب احتوائها على ثروة نفطية هائلة، وهو السبب في دفع هذه المليشيا في أواخر العام الماضي لاستهداف ميناء الضبة النفطي بحضرموت، ولذلك فإن المجلس الحضرمي الجديد يسعى من جراء توحيد قواته السياسية إلى دحر المخطط الحوثي الرامي للسيطرة على هذه المحافظة مستغلاً بعض الخلافات بين مكوناتها، خاصة بعد أن ظهرت أدلة مؤخراً تكشف عن دفع الحوثيين بعناصر من تنظيم القاعدة لشن عمليات إرهابية بهذه المحافظة لإحداث حالة من الفراغ الأمني بها.

وهذا المخطط حذّر منه رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت العميد الركن “سعيد أحمد المحمدي” في تصريحات له، مطلع يونيو الجاري، مشدداً على ضرورة التصدي للتحالف الحوثي مع الإرهاب القاعدي الإخواني، للحفاظ على أمن واستقرار حضرموت، وعليه فإن الإعلان عن المجلس الحضرمي الجديد شكّل ضربة قاصمة للجماعة المتمردة التي دفعت بعناصرها ووسائل إعلامها لإطلاق مزاعم مفادها أن هذا المجلس الهدف منه تمرير “مشاريع ومخططات استعمارية” لدول التحالف العربي وتحويل حضرموت لساحة حرب، وفقاً لما قاله محافظ حضرموت الحوثي “لقمان باراس” في تصريحات له في 25 يونيو الجاري.

3- النهوض بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية في حضرموت: إنّ من أبرز دوافع تدشين المجلس الحضرمي في هذا التوقيت، هو دعم جهود السلطة المحلية بالمحافظة النفطية من أجل منع انهيارها اقتصادياً وتحسين أوضاعها المعيشية والخدمية، فرغم تمتعها بالثروات النفطية واحتوائها على عدة حقول نفطية إلا أنّ أبناءها يعانون الفقر والمجاعة، وعليه فإن هذا المجلس الذي حثّ جميع أبناء المحافظة سواء بالداخل أو المغتربين بالخارج على المشاركة في بناء تقدم حضرموت وتخفيف المعاناة الإنسانية عن مواطنيها، وإيجاد حلول جذرية لمشاكل الكهرباء والمياه وبعض الخدمات التي تدهورت خلال الفترة الأخيرة.

ويبدو أن المملكة العربية السعودية التي استضافت المشاورات الحضرمية بدأت في ذلك، فبعد أيام قليلة من تدشين “مجلس حضرموت الوطني” أعلن “البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن” في 25 يونيو الفائت، وضع حجر الأساس لتدشين مشروع الطريق الدائري الجديد بالمكلا عاصمة حضرموت، والهدف من ذلك مساندة أعضاء المجلس لتحسين الأوضاع الاقتصادية بالمحافظة، وفي ضوء ذلك فقد أكد السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، في 24 يونيو الفائت، أن “زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “العليمي” لمحافظة حضرموت بحضور وفد سعودي، كانت بهدف وضع حجر الأساس لمشاريع تنموية ضخمة تستهدف قطاعات الصحة والطاقة والنقل والتعليم والمياه والزراعة والثروة السمكية”، وتبلغ قيمتها ملياراً و200 مليون ريال سعودي.

4- تعزيز مشاركة أبناء حضرموت في عملية صنع القرار: قبل الإعلان عن تدشين مجلس حضرموت الوطني، ارتفعت المطالب الشعبية بهذه المحافظة للمطالبة بعدم إقصاء أبناء حضرموت من عملية صنع القرار السياسي بمؤسسات اليمن الشرعية، وعليه فإنّ عدداً من القيادات الحضرمية أكدت في تصريحات لها عقب الإعلان عن هذا المجلس أنه سيضمن “حق مشاركة حضرموت في صنع القرار والتمثيل في الغرف البرلمانية والهيئات المختلفة بما يضمن لأبناء حضرموت حماية مصالحهم”، وفقاً للمتحدث الرسمي للهيئة التأسيسية لمجلس حضرموت الوطني “عبدالقادر بايزيد”، ولعل زيارة الرئيس “العليمي” إلى حضرموت بارقة أمل لأبناء حضرموت لتعزيز مشاركتهم السياسية خلال الفترة المقبلة، وهو ما أكده رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال زيارته، مشيراً إلى أن المجلس الرئاسي والحكومة الشرعية ملتزمان بتعزير دور السلطات المحلية بحضرموت.

5- منع إنشاء أية تشكيلات عسكرية خارج مؤسسات الدولة: إن عدم توحيد رؤى القوى الحضرمية خلال الفترة الأخيرة، دفع بالبعض لإعلان مساعيه عن تدشين كيانات عسكرية تحارب أي قوى تريد السيطرة على المحافظة النفطية، ولذلك جاء تدشين “مجلس حضرموت الوطني” بهدف دحر أي فكرة لتشكيل كيانات عسكرية خارج مؤسسات الدولة، وتعزيز القوات المسلحة والأمنية بعناصر جديدة من أبناء حضرموت، وتحسين موقفها الميداني والتسليحي، مما يسهم في مواجهة أية مخططات سواء حوثية أو إخوانية أو قاعدية (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب)، وتحييد المؤسسات الخدمية والأمنية والعسكرية عن أي اختلافات بينية.

دلالتان رئيسيتان

خلاصة القول، إنّ تدشين مجلس حضرموت الوطني في هذا التوقيت حمل دلالتين؛ الأولى أن الهدف الرئيسي من هذا المجلس هو الحفاظ على هذه المحافظة الاستراتيجية، سواء بتحسين أوضاعها الاقتصادية والأمنية بمنع أية تهديدات تستهدفها، والعمل على إحلال الأمن والسلم الدوليين بالمناطق المحررة وبدول الجوار. أمّا الدلالة الثانية فهي دحر المزاعم الحوثية التي تشير إلى أن تدشين هذا المجلس يأتي للرد على محاولات “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات للسيطرة على المحافظة الواقعة شرق اليمن، وأن ذلك هو هدف المملكة العربية السعودية، خاصةً أن عدداً من قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي رحبت بتشكيل المجلس الحضرمي، منهم “أحمد الصالح” القيادي بالانتقالي الجنوبي، الذي بارك في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع “تويتر” هذه الخطوة، معرباً عن أمله في أن يكون المجلس الجديد إضافة نوعية للعمل السياسي بشكل يسهم في تحقيق تطلعات أبناء حضرموت. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مجلس حضرموت الوطني والمجلس الانتقالي الجنوبي وأيضاً المجلس الرئاسي اليمني، عليهم خلال الفترة المقبلة وضع “رؤية موحدة” لتوحيد المكونات اليمنية الشرعية، والعمل المشترك لمواجهة المخططات الحوثية الرامية للاتجاه للتصعيد في حال استمرت الشرعية والتحالف في رفض شروطها المزعومة.