مصالح بكين:
دوافع تزايد اهتمام الصين بتطوير العلاقات مع سوريا

مصالح بكين:

دوافع تزايد اهتمام الصين بتطوير العلاقات مع سوريا



تتجه الصين إلى توسيع نطاق علاقاتها الثنائية مع سوريا، بالتوازي مع تغير توازنات القوى على الأرض لصالح النظام السوري. وفي هذا السياق، جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى سوريا، في 17 يوليو الجاري، لتعكس هذا التغير الجديد في السياسة الصينية. فعلى المستوى السياسي، تتعاطى بكين مع الملف السوري باعتباره مدخلاً لتكريس نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز موقعها في التنافس مع الولايات المتحدة، وخاصة أن بكين ترى في السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري تدخلاً غير مشروع في الشئون الداخلية السورية. وبموازاة هذا البعد السياسي، تخدم العلاقات مع النظام السوري المصالح الاقتصادية والأمنية الصينية في ظل تداخل سوريا مع مبادرة الحزام والطريق، فضلاً عن أن التنسيق مع النظام السوري يسمح لبكين بتتبع العناصر المتطرفة التي انضمت لتنظيم “داعش” من بعض الأقاليم الصينية.

انفتاح سياسي:

بالرغم من أن الصين تجنبت، خلال السنوات الماضية، الانخراط المباشر في الصراع السوري، على غرار روسيا، إلا أنها حرصت في الوقت ذاته على الحفاظ على علاقاتها مع نظام بشار الأسد، وجاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي لدمشق، في 17 يوليو الجاري، لتؤكد على طبيعة التوجهات الصينية. فالزيارة تكتسب أهميتها من توقيتها، لأنها تتزامن مع أداء الرئيس السوري بشار الأسد اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة، وهو ما يوجه رسالة من الصين إلى الدول الأخرى بأنها لن تتخلى عن نظام الأسد.

وفي السياق ذاته، أعادت الزيارة التأكيد على محددات السياسة الصينية تجاه الصراع، والتي تستند بصورة جوهرية إلى رفض التدخل الغربي في شئون الدول الأخرى، حيث صرح وزير الخارجية الصيني، خلال اجتماعه مع الرئيس السوري، بأن بلاده تعارض أى محاولة للسعى لتغيير النظام في سوريا وستعزز التعاون معها.

فضلاً عن ذلك، قدم الوزير الصيني مبادرة لحل الأزمة السورية تقوم على عدد من البنود المتمثلة في احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها وحق الشعب السوري في تقرير مستقبله، والإسراع في إعادة الإعمار ورفع العقوبات عن دمشق بشكل فوري، بالتوازي مع مكافحة التنظيمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن، والتأكيد على أهمية الحل السياسي الشامل للقضية السورية والحوار مع المعارضة من أجل تضييق الخلافات.

أهداف متعددة:

يرتبط اتجاه الصين إلى تطوير العلاقات مع سوريا بمجموعة من الأهداف والمصالح الرئيسية لبكين، ويتمثل أهمها فيما يلي:

1- رفض مبدأ الإطاحة بالأنظمة: فالصين تتعاطى مع الملف السوري من منظور صراعها مع القوى الغربية التي تتبنى، في رؤيتها، آلية الضغط على الأنظمة في الدول الأخرى لإجراء تغييرات داخلية. ومن ثم، فإن بكين رفضت، منذ بادئ الأمر، دعم أى مبادرة للإطاحة بالنظام السوري لأن حدوث ذلك كان سيعني، بشكل أو بآخر، إيجاد المزيد من السوابق والحالات المرجعية في العلاقات الدولية والتي يمكن استخدامها كمدخل ضد حكومات دول آخرى، بما في ذلك الصين، التي تتعرض، بين الحين والآخر، لانتقادات غربية على خلفية قضايا حقوق الإنسان.

وقد ترجمت بكين هذا التوجه السياسي عبر مسارين رئيسيين: الأول، استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد عدد من القرارات التي تتضمن الضغط على النظام السوري ومعاقبته. فعلى سبيل المثال، استخدمت الصين، منذ بداية الصراع السوري في 2011 وحتى مارس 2021، الفيتو ضد عشر قرارات لمجلس الأمن بشأن سوريا، وكانت البداية في أكتوبر 2011، حينما استخدمت، بجانب روسيا، حق النقض في مجلس الأمن ضد مشروع قرار أوروبي يدين قمع الاحتجاجات في سوريا.

والثاني، تبني مواقف رافضة لأى تغيير للنظام السوري من الخارج، ولعل هذا ما أكد عليه الرئيس الصيني شي جين بينج، في برقية التهنئة التي بعث بها إلى الرئيس بشار الأسد بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لسوريا، حينما أكد على أن “الصين تدعم سوريا بقوة في حماية سيادتها الوطنية واستقلالها وسلامة أراضيها”.

2- التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط: يمكن تفسير الاهتمام الصيني بتطوير العلاقات مع النظام السوري من زاوية التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط، ولاسيما مع الإشارات التي وجهتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة وتفيد رغبتها في الانسحاب من المنطقة. وفي هذا الصدد، باتت منطقة الشرق الأوسط محط اهتمام صانع القرار الصيني وكثفت بكين انخراطها في شئون المنطقة لاسيما بعد نشر ورقتين حكوميتين رئيسيتين بعنوانى “رؤية التعاون البحري في إطار مبادرة الحزام والطريق” في عام 2015، و”وثيقة الصين تجاه الدول العربية” في عام 2016. وركزت الوثيقتان على ضرورة توظيف الصين للتعاون الاقتصادي والامتناع عن التركيز الشديد على القضايا المتعلقة بالتعاون الأمني أو القضايا الخاصة بالسياسة الداخلية للدول، وهو ما سمح لبكين بتطوير علاقاتها مع العديد من دول المنطقة.

3- المكاسب الاقتصادية: تسعى بكين إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من خلال انفتاحها على النظام السوري. إذ أنها تنظر إلى سوريا كجزء من مبادرة الحزام والطريق، حيث يمكن أن يمارس الساحل السوري دور ميناء ربط صناعي يربط الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبر الاستثمارات الصينية في موانئ الخليج ومصر وجيبوتي وإسرائيل. ويعزز من هذه الفرضية أن النظام السوري عبّر عن دعمه لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولعل هذا ما كشفت عنه زيارة وزير الخارجية الصيني الأخيرة لدمشق، إذ ذكرت وكالة الأنباء السورية أنه تم خلال لقاء الرئيس السوري مع الوزير الصيني بحث مشاركة سوريا في مبادرة الحزام والطريق، وأكد الأخير اهتمام بلاده بمشاركة سوريا في هذه المبادرة نظراً لموقعها ودورها الإقليمي المهم.

ويشكل ملف إعادة الإعمار هو الآخر واحداً من الملفات الهامة في العلاقات بين الصين وسوريا، فالأولى عبّرت خلال السنوات الأخيرة عن رغبتها في دعم الاقتصاد السوري، كما رحّب الرئيس السوري بالاستثمارات الصينية في بلاده، وصرح في 16 ديسمبر 2019 قائلاً: “الآن، مع تحرير معظم المناطق، بدأنا مناقشات مع عدد من الشركات الصينية التي لديها خبرة في إعادة الإعمار”. كما أكد المسئولون السوريون، في أكثر من مناسبة، على أن الدول التي ستحظى بالأولوية في عملية إعادة الإعمار هى روسيا وإيران والصين.

4- التنسيق الأمني مع النظام السوري: فخلال السنوات الماضية تزايدت مخاوف الصين من انضمام عدد من الصينيين للتنظيمات الإرهابية في سوريا، على غرار تنظيم “داعش”، حيث تشير العديد من التقديرات إلى أن المئات من أقلية الإيغور الصينية انضموا إلى تنظيم “داعش”، وعليه، تصاعدت أهمية التنسيق الأمني مع النظام السوري بشأن هذه العناصر، خاصة أن عودتهم للأراضي الصينية يشكل تهديداً كبيراً للصين.

5- تعزيز الصورة الخارجية: حرصت الصين على تقديم نفسها كطرف مختلف عن الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع السوري، سواء الدول الغربية التي تفرض عقوبات على النظام السوري وتسعى إلى الإطاحة به، أو حتى روسيا وإيران اللتين تدخلتا عسكرياً بشكل مباشر لدعمه. وفي هذا الإطار، تطمح الصين في تعزيز صورتها الخارجية من خلال الدعوة إلى ضرورة حل الأزمة السورية سياسياً، كما عرضت في مناسبات عديدة المشاركة في جهود الوساطة بين النظام السوري والمعارضة. إن ما سبق في مجمله يوحي بأن الصين تسعى خلال المرحلة القادمة إلى تعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من سوريا، باعتبار أن هذا الحضور، الذي يتوازى مع الانسحاب الأمريكي من مناطق الأزمات، من شأنه تعزيز مصالحها الاقتصادية ودعم مبادرة الحزام والطريق.