تهديد متصاعد:
دوافع تجدد عمليات “داعش” في العراق

تهديد متصاعد:

دوافع تجدد عمليات “داعش” في العراق



شهدت الساحة العراقية، خلال الفترة الأخيرة، تصاعداً ملحوظاً في حدة العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم “داعش”، سواء من حيث عدد العمليات الإرهابية، أو من حيث مستوى انتشارها بمناطق مختلفة، أو من حيث تنوع طبيعة المستهدف، وهو يعكس نشاطاً متزايداً للتنظيم منذ بداية العام الجاري، تعاملت معه السلطات العراقية عبر إطلاق العديد من العمليات الأمنية لملاحقة عناصر التنظيم، وآخرها العملية التي انطلقت بمحافظة الأنبار في 11 أغسطس الجاري، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب اتجاه “داعش” إلى تصعيد عملياته داخل العراق مجدداً واختيار مناطق جديدة للاستهداف.

تحول ملحوظ:

اللافت في هذا السياق، أن خريطة الارتكاز والعمليات الخاصة بالتنظيم تغيرت خلال عام 2021. فقد تمكن “داعش” من إعادة نشر عناصره في بعض المناطق، مستغلاً ما تصفه اتجاهات عديدة بأنه “فجوة أمنية” فيها، ولاسيما مناطق التماس الفاصلة بين قوات البشمركة الكردية والقوات العراقية، في محافظات كركوك ونينوى وديالى، والمناطق الصحراوية بين محافظتى ديالى وصلاح الدين، بالتوازي مع إعادة التركيز على العاصمة بغداد، والتي شهدت عمليات نوعية خلال العام الجاري بداية من العملية الانتحارية التي وقعت في وسط بغداد بساحة الطيران في 21 يناير الماضي وأسفرت عن مقتل 32 مدنياً وإصابة 110 آخرين، وهو ما تكرر في 19 يوليو الفائت بعد قيام التنظيم بتنفيذ عملية انتحارية في سوق الوحيلات بمدينة الصدر في بغداد، بشكل أدى إلى مقتل 28 مدنياً بينهم نساء وأطفال.

اعتبارات مختلفة:

يمكن تفسير اتجاه “داعش” إلى تصعيد حدة عملياته الإرهابية في العراق خلال عام 2021 في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- رمزية المركز: على الرغم من تنامي العمليات الإرهابية لتنظيم “داعش” في العديد من دول الإقليم خلال النصف الأول من العام الجاري، كما هو قائم في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، إلا أن تراجع عمليات التنظيم في العراق فرض تداعيات قوية تركزت بشكل مباشر على ما يمكن تسميته بـ”رمزية القيادة ومركزية التنظيم”، لاسيما أن العراق كانت نقطة انطلاق وظهور التنظيم ومركز المشروع الذي تبناه، فضلاً عن أن العناصر العراقية كانت تسيطر على المناصب القيادية فيه. ويعني ذلك أن التنظيم يبدي اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق نفوذه في العراق، على نحو دفعه إلى إعادة الانتشار والتموضع في الساحة العراقية خلال المرحلة الجارية بهدف إثبات النفوذ وإحكام السيطرة التنظيمية، فضلاً عن احتواء تداعيات الهزائم العسكرية التي تعرض لها.

2- محاولة استعادة مناطق مفقودة: يسعى “داعش” عبر تصعيد عملياته الإرهابية في العراق إلى إعادة السيطرة على بعض المناطق التي خسرها منذ هزيمته في الموصل في سبتمبر 2017، وبشكل خاص في الموصل والعاصمة بغداد، خاصة أن هذه الهزيمة، وما تلاها من هزائم أخرى، كان لها انعكاسات مباشرة على قوة التنظيم وتماسكه، حيث تراجعت قدرته على الاحتفاظ بالمناطق التي سبق أن سيطر عليها، وبدأت تنظيمات إرهابية أخرى منافسة، لاسيما تنظيم “القاعدة”، في التحرك من أجل ملء الفراغ الناتج عن خسائره الاقتصادية والبشرية.

3- التحرك العراقي الفعَّال مع دول الجوار: نجح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال المرحلة الماضية في تعزيز التعاون مع العديد من الدول العربية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما يمكن أن ينعكس على تحسن الأوضاع الداخلية بالعراق، وتعزيز قدرة القوات الحكومية على مواجهة “داعش”، بما يعني أن الأخير يحاول تعزيز قدرته على مواجهة الإجراءات التي تتخذها الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتسعى من خلالها، ضمن أهداف أخرى، إلى إضعاف نفوذه والقضاء على خلاياه المتبقية داخل العراق.

4- رسائل مباشرة: كان لافتاً أن تصعيد “داعش” لعملياته الإرهابية توازى مع استمرار المباحثات التي تجري بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية حول الترتيبات الأمنية التي تعمل الدولتان على صياغتها في المرحلة الحالية تمهيداً لإتمام الانسحاب العسكري الأمريكي مع الإبقاء على بعض القوات لتنفيذ مهام استشارية ولوجيستية، وهو ما يعني أن التنظيم يسعى إلى استغلال التداعيات التي يمكن أن تنجم عن الانسحاب العسكري من أجل تعزيز حضوره على الساحة العراقية من جديد. وقد بدا لافتاً أن التنظيم بدأ يركز على العاصمة بغداد وإقليم كردستان. وفي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة، في 7 أغسطس الجاري، إلى أن التنظيم أقام نقطة تفتيش بالقرب من أربيل عاصمة الإقليم وارتدى عناصره ملابس عسكرية عراقية، ما يكشف أن التنظيم يحاول إثبات وجوده، وفي الوقت نفسه استغلال عدم وصول التنسيق الأمني بين بغداد وأربيل إلى المستوى الذي يمكن أن يفرض قيوداً أشد على تحركاته.

5- محاولة تحرير عناصر التنظيم: ربما لا ينفصل ذلك عن محاولة التنظيم تحرير بعض مقاتليه الذين اعتقلتهم السلطات العراقية في المرحلة الماضية، وهو هدف يحظى باهتمام خاص من جانبه، لاسيما أن القائد السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي كان قد دعا قادة التنظيم، قبل مقتله في 27 أكتوبر 2019، إلى التركيز على اقتحام أماكن احتجاز مقاتليه من أجل تحريرهم والرد على الإجراءات الحكومة المضادة. وقد انعكس ذلك أيضاً في الرسالة الأخيرة للمتحدث الرسمي للتنظيم، التي طالب فيها عناصره، وبشكل خاص في العراق، باقتحام السجون وتحرير العناصر الإرهابية التابعة لـ”داعش”.

إن ما سبق في مجمله يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن “داعش” يحاول في الوقت الحالي إعادة تنشيط خلاياه “النائمة” مجدداً في العراق، استغلالاً للأوضاع الداخلية ورداً على بعض التطورات التي طرأت على العلاقات الخارجية للدولة، على نحو دفع الأخيرة إلى تكثيف عملياتها الأمنية لملاحقة عناصر التنظيم، على غرار العملية الأمنية التي انطلقت في 11 أغسطس الجاري، في صحراء الرطبة بمحافظة الأنبار، وقبلها العملية التي نفذتها في كركوك في بداية الشهر نفسه، ما يعني في المقام الأول أن مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب قد بدأت في العراق.