تداعيات التصعيد:
دوافع اهتمام واشنطن بارتدادات الأزمة الأوكرانية على المنطقة

تداعيات التصعيد:

دوافع اهتمام واشنطن بارتدادات الأزمة الأوكرانية على المنطقة



تتصاعد حدة التوتر تدريجياً بين روسيا والدول الغربية حول الأزمة الأوكرانية، لا سيما مع حشد الأولى الآلاف من القوات العسكرية بالقرب من الحدود الأوكرانية، على نحو ينذر بغزو محتمل لأوكرانيا، وزيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو من دعمهما السياسي والعسكري للأخيرة، وهو ما سوف يفرض تداعيات مباشرة ليس فقط على أوروبا، وإنما أيضاً على منطقة الشرق الأوسط. وقد بدا لافتاً أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في توجيه تحذيرات من ارتدادات الأزمة على المنطقة، بشكل انعكس في تصريحات الجنرال الأمريكي مايكل كوريلا، المرشح لتولي القيادة المركزية الأمريكية خلفاً للجنرال كينيث ماكنزي، خلال جلسة استماع بلجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في ٨ فبراير الجاري قبل تصديق المجلس على توليه المنصب، والتي قال فيها إن “الغزو الروسي لأوكرانيا ستكون له تداعيات على المنطقة، ويمكن أن تمتد إلى سوريا”.

انعكاسات مختلفة

تتوازى تحذيرات كوريلا مع ظهور اتجاهات عديدة ترى أن تطورات الأزمة الأوكرانية، خاصة في حالة اتجاه روسيا إلى اتخاذ قرار بالتدخل العسكري، على نحو يدفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى تطبيق عقوبات اقتصادية عليها، بالتوازي مع احتمال الانخراط عسكرياً، سوف تفرض انعكاسات على منطقة الشرق الأوسط وأزماتها، ولا سيما تلك التي تنخرط فيها موسكو سياسياً وعسكرياً، وتتمثل أبرز تلك الانعكاسات فيما يلي:

١- تزايد احتمالات استهداف القوات الأمريكية بالشرق الأوسط: ربما لن ينحصر رد روسيا على تعرضها لعقوبات من جانب الدول الغربية في حال تدخلها عسكرياً في أوكرانيا، على أوروبا، وإنما قد ينتقل إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تحتفظ موسكو بتواجد عسكري على الأراضي السورية، إلى جانب قوات “فاجنر” الروسية في ليبيا ومالي. ولهذا، توقع كوريلا أن تتأثر المنطقة بتطورات الأزمة الأوكرانية، ولا سيما سوريا، حيث قال خلال جلسة الاستماع إن روسيا “لن تتردد في لعب دور المُفسِد في سوريا”. ولهذا لا يستبعد أن تستهدف روسيا الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأراضي السورية، الذين يصل عددهم إلى ٩٠٠ جندي. وتشير تحليلات غربية إلى أنه قد يكون هناك تفاهم روسي-إيراني على استهداف القوات الأمريكية في عدد من دول المنطقة من خلال وكلاء طهران المسلحين، ولا سيما في ظل الدعم الروسي لإيران، التي تتعرض بدورها لضغوط تمارسها الدول الغربية للعودة إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥.

٢- تفاقم الأوضاع الأمنية في مناطق الصراع: سيؤدي تصاعد التوتر بين روسيا والدول الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية، إلى عرقلة الجهود التي تبذل للوصول إلى تسويات سياسية في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي تمارس فيها روسيا دوراً سياسياً وعسكرياً يفوق دور الدول الغربية، على نحو سيعقد مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة في أزمات المنطقة ولا سيما الأزمتين السورية والليبية، ويمنع إحراز أي تقدم في القضايا الإنسانية التي تفرضها تلك الأزمات.

٣- عزوف إيران عن تقديم تنازلات في فيينا: ترى اتجاهات عديدة أن الأزمة الأوكرانية قد تحول انتباه الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن إيران وأنشطتها النووية، ومباحثات فيينا غير المباشرة المتعثرة، حيث ستجعل الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين أقل قدرة على ممارسة المزيد من التأثير والضغط على إيران، مما يمنحها المزيد من الوقت لمواصلة تطوير البرنامج النووي، مع تراجع رغبة الحكومة الإيرانية في تقديم تنازلات بشكل أكبر، وخاصة مع عزوف روسيا والصين عن الضغط على طهران للتوصل إلى حل وسط نووي.

٤- تصاعد الضغوط على الأمن الغذائي العربي: تعتبر روسيا وأوكرانيا طرفين رئيسيين في سوق الحبوب العالمي، حيث شكلت صادراتهما من القمح، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية، ٢٣٪ من التجارة العالمية، وطبقاً لتقديرات الوزارة، فإن ٥٠٪ من صادرات أوكرانيا من الشعير و40% من القمح ذهبت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام ٢٠٢٠. ولهذا يحذر الخبراء من أن تصعيد الأزمة سيؤثر على الأمن الغذائي في المنطقة، وأسعار القمح العالمية، التي ارتفعت بنسبة ٧٪ في بورصة شيكاغو التجارية، كما ارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة ٦٪ تقريباً، الأمر الذي سيزيد الأعباء المالية على بعض الدول العربية، ولا سيما تلك التي تعتمد بصورة كبيرة على استيراد القمح من الخارج.

٥- تجنب الحلفاء اتخاذ مواقف مناوئة لموسكو: على الرغم من أن بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يتبنون مواقف مؤيدة لأوكرانيا، ويدعمون السياسة الأمريكية، إلا أنهم -وفق بعض التحليلات الأمريكية- غير مستعدين لاتخاذ مواقف علنية ضد روسيا، في ظل تزايد الروابط العسكرية والاقتصادية والسياسية معها، وانخراط موسكو في ملفات المنطقة، بصورة تؤثر على أمنهم القومي، وفي وقت تتزايد فيه حالة القلق في الإقليم من تراجع الالتزامات الأمنية الأمريكية بالمنطقة في أعقاب عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في ٣١ أغسطس الماضي. ويدللون على ذلك بموقف إسرائيل التي التزمت الصمت منذ بدء موسكو تعزيز قواتها العسكرية على الحدود الأوكرانية، باستثناء عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، التوسط بين أوكرانيا وروسيا، وهي فكرة رفضتها موسكو بشكل قاطع. وقد رفض وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد علناً تقييم إدارة بايدن بأن الغزو الروسي لأوكرانيا وشيك.

6- تراجع مستوى المساعدات الدولية الإنسانية: في الوقت الذي يُعاني فيه التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار في دول الأزمات بالمنطقة من ضغوط لا تبدو هينة، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا سيضيف أعباء جديدة عليه، الأمر الذي سيؤثر بالسلب على المساعدات الإنسانية الدولية للدول التي تعاني من النزاعات والصراعات في المنطقة والتي لا تزال بحاجة إلى تلك المساعدات، بالتوازي مع استمرار الجهود التي تبذل للوصول إلى حلول لأزمات اللاجئين المرتبطة بها.

تعقد الخيارات

لن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معزولة عن عواقب الحرب الروسية-الأوكرانية المحتملة، بعد زيادة موسكو خلال العقد الأخير من وجودها السياسي والعسكري المباشر وغير المباشر في العديد من النزاعات والصراعات الإقليمية، بالتوازي مع حرصها على تأسيس علاقات تعاون اقتصادي مع بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وجذب استثمارات واسعة النطاق من تلك الدول، مما يعني أن الخسائر الاقتصادية التي قد تتعرض لها روسيا ستؤثر بالسلب على شركائها في المنطقة، وهو ما سيضعهم في موقف صعب يتمثل في الاختيار بين استمرار التعاملات مع الدول الغربية أو روسيا في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على الأخيرة إذا ما اتجهت إلى غزو أوكرانيا، كما تتوقع التقارير الاستخباراتية الأمريكية، فضلاً عن أن ذلك سيجعل الوجود الروسي في المنطقة أكثر تكلفة وصعوبة ولا سيما في الدول التي تتصاعد فيها حدة الصراعات وتنخرط فيها موسكو بكثافة.