ترسيخ التحالف:
دوافع اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز العلاقات مع الأردن

ترسيخ التحالف:

دوافع اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز العلاقات مع الأردن



تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً خاصاً بتعزيز العلاقات الثنائية مع الأردن، وتقديم دعم اقتصادي ومالي للأخيرة، على نحو بدا جلياً في توقيع الدولتين، في 16 سبتمبر الجاري، على مذكرة تفاهم لمدة سبع سنوات، يتم بموجبها تقديم حوالي 1.45 مليار دولار سنوياً كمساعدات أمريكية للأردن، ليصل إجمالي الدعم الأمريكي المقدم خلال تلك الفترة إلى نحو 10 مليار دولار. ولا يبدو أن ذلك ينفصل عن متغيرات عديدة يتمثل أبرزها في تصاعد حدة التوتر على الساحة الإقليمية، وتفاقم القلق من تمدد النفوذ الإيراني، فضلاً عن إدراك واشنطن لأهمية الأردن في الملف الفلسطيني، والحرب ضد الإرهاب.

سياسة مستقرة

انعكس تزايد الدعم الأمريكي للأردن خلال السنوات الأخيرة في توفير مساعدات مالية، فضلاً عن توسيع نطاق التعاون في القطاع العسكري، وتأييد الإجراءات الإصلاحية التي تقوم بها الحكومة الأردنية على المستوى الاقتصادي. وفي هذا السياق، قدّمت واشنطن حزمة جديدة من التمويل المالي للأردن بقيمة 1.45 مليار دولار سنوياً، ابتداء من السنة المالية 2023، وانتهاء بالسنة المالية 2029. ولم يكن هذا التمويل هو الأول من نوعه، حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من حزمة مساعدات على مدار الفترة الماضية وتحديداً منذ عام 2010. وكان لافتاً أنه خلال اللقاء الذي عقد بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على هامش قمة “الأمن والتنمية” في جدة في 16 يوليو الماضي، أكد الأول على استمرار دعم الأردن باعتبارها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية وقوة للسلام في المنطقة.

دلالات رئيسية

يطرح اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة تقديم مزيد من الدعم للأردن جملة من الدلالات، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تأكيد أهمية الأردن في الاستراتيجية الأمريكية: ترجع أهمية الأردنإلى الدور المحوري الذي تقوم به على صعيد الملفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن الأردن تقع في منطقة تشهد تصاعداً حاداً في العديد من الأزمات الإقليمية، على غرار الأزمتين السورية والعراقية. ووفقاً للاستراتيجية الأمريكية، فإن عمّان تمارس دوراً رئيسياً في تقليص حدة هذه الأزمات، ومواجهة التهديدات والتحديات المشتركة على غرار دورها في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية. كما أنها إحدى الدول التي تستضيف اللاجئين. وقد أشار الرئيس بايدن، خلال لقاءه الملك عبد الله الثاني في جدة، إلى هذا الدور تحديداً، عندما عبر عن تقديره لاستضافة الأردن اللاجئين السوريين.

2- مواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني: كانت الأردن من أوائل الدول في المنطقة التي وجهت تحذيرات من التداعيات السلبية التي يمكن أن تفرضها التدخلات الإيرانية على الساحة الإقليمية. فقد كان الملك عبد الله الثاني هو أول من استخدم مصطلح “الهلال الشيعي”، في عام 2004، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، في إطار تحذيراته من التمدد الإيراني في المنطقة. وقد أعاد الملك عبد الله الثاني الإشارة إلى هذا التحذير، في 14 يناير 2020، عندما قال أن “الهلال في الحقيقة هو هلال إيراني لديه امتداداته في العراق وسوريا ولبنان، وهو أمر كان علينا جميعاً مواجهته”.

ومن دون شك، فإن ذلك يتماهى مع الاستراتيجية الأمريكية القائمة على ضرورة مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، ومنعها من استغلال التطورات الدولية والإقليمية لتعزيز هذا النفوذ، خاصة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية التي دفعت اتجاهات عديدة إلى التكهن بأن إيران ربما تحاول استغلال الانشغال الروسي بإدارة العمليات العسكرية ومواجهة الضغوط الغربية من أجل توسيع نطاق تمددها داخل سوريا. وقد كان لافتاً أن الملك عبد الله الثاني أيضاً حرص على التحذير من هذا التوجه، عندما قال، في 18 مايو الماضي، أن “الإيرانيين ووكلائهم سوف يسدّون الفراغ الناجم عن تراجع موسكو في سوريا بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا”، وأضاف أن “هذا الأمر سيزيد من النفوذ الإيراني قرب الحدود السورية-الأردنية”.

3- دعم الإصلاحات الاقتصادية الأردنية: لا تنفصل المساعدات الأمريكية للأردن عن حرص واشنطن على دعم الإصلاحات التي تجريها الأخيرة في مجال تعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. إذ تعرضت الأردن، على غرار دول عديدة، لضغوط اقتصادية قوية في الفترة الماضية، سواء نتيجة تداعيات انتشار فيروس “كورونا”، أو بسبب تصاعد حدة الحرب في أوكرانيا، وما فرضته من ارتفاع في أسعار السلع الغذائية والطاقة. وفي هذا السياق، فإن الدعم المالي الأمريكي للأردن يمثل أولوية مهمة للاقتصاد الأردني في هذه المرحلة تحديداً. ويُشار في هذا الصدد إلى أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الدولتين أكدت على الالتزام الأمريكي بأمن الأردن وازدهارها، كما أكد وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، خلال استقباله نظيره الأردني أيمن الصفدي، في 16 سبتمبر الجاري، على التزام بلاده بالمضيّ قدماً في تنمية الاقتصاد الأردني، وتعزيز منعته.

4- التحولات الجيوسياسية في الإقليم: تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية سواء بسبب تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة، والتي يقع بعضها بالقرب من حدود الأردن، أو بسبب الانعكاسات المباشرة للأزمات الدولية على المنطقة، وفي مقدمتها الحرب الروسية-الأوكرانية، في ظل تحول روسيا إلى طرف رئيسي في كثير من الصراعات التي تشهدها المنطقة، على غرار ما يحدث في سوريا وليبيا. وهنا، فإن واشنطن ترى أن تفاقم حدة الصراعات في المنطقة، فضلاً عن انخراط قوى إقليمية ودولية عديدة فيها من شأنه أن يفرض تهديدات قوية على مصالحها وأمن حلفائها، وفي مقدمتهم الأردن، وهو ما يمثل أحد الدوافع الرئيسية لتقديم مزيد من الدعم للأخيرة، بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة تلك التهديدات.

5- محورية الدور الأردني في الملف الفلسطيني: تكشف المساعدات الأمريكية الأخيرة عن رغبة واشنطن في استعادة محورية الدور الأردني في التطورات التي يشهدها الملف الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بدعم أى جهود قد تبذل في المرحلة القادمة لإجراء مفاوضات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو الملف الذي يحظى باهتمام خاص من جانب إدارة الرئيس جو بايدن.

توجه مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تعزيز العلاقات الأمريكية-الأردنية سوف يحظى بأولوية خاصة لدى واشنطن خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، سواء بسبب تصاعد حدة التوتر مع إيران حول برنامجيها النووي والصاروخي فضلاً عن تدخلاتها الإقليمية، أو بسبب استمرار الحرب ضد الإرهاب، أو بسبب تزايد انخراط العديد من القوى الدولية المنافسة في الملفات الإقليمية، على غرار روسيا والصين، اللتين اتجهتا إلى تفعيل هذا الخيار في سياق إدارة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية.