حسابات أوسلو:
دوافع اهتمام النرويج بانعكاسات مفاوضات فيينا على قضايا المنطقة

حسابات أوسلو:

دوافع اهتمام النرويج بانعكاسات مفاوضات فيينا على قضايا المنطقة



يبدو أن النرويج تحاول في الفترة الحالية الانخراط في الجهود التي تبذل من أجل تعزيز فرص الوصول إلى صفقة جديدة بين إيران والقوى الدولية في مفاوضات فيينا التي تعمَل الأخيرة على استئنافها خلال المرحلة القادمة بعد أن توقفت منذ 11 مارس الماضي، على خلفية التباين بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول مطلب الأولى بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. وفي هذا السياق، كان لافتاً أن رئيس وفد التفاوض مساعد وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني قام بزيارة النرويج في 31 مايو الجاري، على نحو يوحي بأن هذه الزيارة لها صلة مباشرة بالاتصالات التي تجري في الوقت الحالي من أجل إنقاذ المفاوضات وتعزيز فرص إبرام صفقة جديدة عبرها.

وفي الواقع، يمكن القول إن النرويج تسعى إلى إنجاز صفقة نووية في فيينا، باعتبار أن الخيار المقابل، وهو فشل المفاوضات الحالية وانهيار الاتفاق النووي؛ سوف يفرض تداعيات سلبية عديدة على مصالحها ومصالح الدول الأوروبية بشكل عام، يتمثل أبرزها في تزايد احتمالات اتجاه إيران إلى امتلاك القنبلة النووية، وبدء موجة هائلة من اللاجئين الإيرانيين، وتقليص الخيارات المتاحة في إدارة العلاقات مع روسيا.

أعلن رئيس وفد التفاوض مساعد وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، في تغريدة على موقع “تويتر” في 31 مايو الجاري، أنه بدأ زيارة إلى العاصمة النرويجية أوسلو، حيث قال إن “إيران تواصل إجراء المحادثات الجادة والبنّاءة بهدف الحفاظ على مصالحها، وفي أولويتها رفع العقوبات المفروضة عليها”. ورغم أنه لا توجد أية معلومات حول أسباب الزيارة المفاجئة، فإن توقيت الزيارة فضلاً عن تصريحات باقري كني توحي بأن المفاوضات التي توقفت في فيينا سوف تكون محور المباحثات بين الأخير والمسئولين الذين سيقابلهم في أوسلو. ومن دون شك، لا يمكن استبعاد أن تحاول أوسلو ممارسة دور وساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تقليص حدة الخلافات العالقة بين الطرفين والتي أدت إلى إطالة أمد المفاوضات بين الطرفين، ثم تجمدها منذ أكثر من شهرين، إلى درجة أضعفت من احتمال انتهائها بالوصول إلى اتفاق نووي جديد.

وفي الواقع، لا يعبر انخراط النرويج في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية في فيينا عن توجه جديد تتبناه أوسلو إزاء ملفات الشرق الأوسط، فقد سبق أن مارست أدواراً رئيسية في بعض هذه الملفات وفي مقدمتها ملف التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. كما سبق أن ساهمت النرويج، في 24 يونيو 2021، في مشروع “إعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة” في العراق، حيث قدمت دعماً مالياً يقدر بـ8.3 ملايين دولار. وقامت النرويج أيضاً بتعيين مبعوثة إلى اليمن، هي شيشتي ترامسدال، التي أكدت، في 4 مارس الماضي، أن بلادها تدعم اليمن سياسياً وإنسانياً وتنموياً.

اعتبارات عديدة

يمكن تفسير اهتمام النرويج بالوصول إلى صفقة في فيينا في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تجنب عواقب انهيار الاتفاق النووي: ترى أوسلو أن فشل المفاوضات سوف يفرض عواقب وخيمة في منطقة الشرق الأوسط، يأتي في مقدمتها تزايد احتمال اتجاه إيران إلى امتلاك قنبلة نووية، خاصة بعد استمرارها في زيادة كميات اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة تتراوح ما بين 3.67% و60%. وقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في التقرير الذي أصدرته في 30 مايو الجاري، إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% زاد عن الحد المسموح به في الاتفاق 18 ضعفاً، حيث وصل إلى 3809.3 كلجم، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يكون في حدود 202.8 كلجم، كما أنها زادت من كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 43.1 كلجم، على نحو يساهم في اقترابها بشكل أكبر من نسبة الـ90% اللازمة لإنتاج القنبلة النووية. وقد كان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل واضحاً في هذا الشأن عندما قال، في 24 مايو الجاري، إن انهيار الاتفاق النووي يمكن أن يدفع إيران إلى امتلاك السلاح النووي.

2- تقليص الخيارات المتاحة في مواجهة روسيا: من شأن انهيار المفاوضات النووية تقليص حرية الحركة وهامش الخيارات المتاحة أمام الدول الأوروبية لإدارة العلاقات مع روسيا خلال المرحلة القادمة، خاصة أن المؤشرات توحي بأن الحرب في أوكرانيا قد لا تنتهي في المدى القريب. وقد كان ذلك دافعاً لتلك الدول للانخراط في جهود تسوية الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على أساس أن ذلك سوف يساعد في إنجاز صفقة وبالتالي تجنب نشوب أزمة أكثر تعقيداً في منطقة قريبة سوف تخصم من قدرة هذه الدول على ممارسة ضغوط أقوى على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا.

3- تصاعد التحذيرات من موجة لاجئين إيرانيين: كان لافتاً أن أدبيات غربية عديدة بدأت تشير إلى أن إيران ربما تكون، في حالة استمرار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بسبب العقوبات الأمريكية، مصدراً لموجات هائلة من اللاجئين، يُتوقع ألّا تُقارَن بما سبقها من موجات من اللاجئين السوريين والأفغان. ومن هنا، فإن الآلية المثلى للتعامل مع هذا التحدي المحتمل، وفقاً لتلك الأدبيات، يرتبط بالمساهمة في إنجاز صفقة نووية سوف تساعد في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية وعودة إيران إلى تصدير نفطها واستلام مستحقاتها نقداً، على نحو سوف يساعدها في النهاية في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها في الفترة الحالية.

4- تزايد احتمالات نشوب حرب في الشرق الأوسط: يمكن أن يؤدي فشل المفاوضات إلى تزايد احتمالات نشوب حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بدأت مؤشراتها تظهر تدريجياً مع تصاعد حدة التوتر والمواجهات بين إيران وإسرائيل، على نحو بدا جلياً في قيام بعض وسائل الإعلام الإيرانية بنشر تقارير عن شخصيات إسرائيلية يمكن أن تتعرض للاغتيال، مقابل الحملة التي تشنها إسرائيل من أجل عرقلة المفاوضات وتأكيد عدم قدرة إيران على الانخراط في التزامات دولية صارمة، خاصة بعد نشر تقارير تؤكد محاولتها التحايل على رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها النووية، وهي الحملة التي أعقبت العمليات الأمنية الأخيرة التي وقعت في إيران وتمثلت في اغتيال العقيد في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري حسن صياد خدايي، في 22 مايو الجاري، ومهاجمة منشأة “بارشين” العسكرية بواسطة طائرات من دون طيار بعد ذلك بثلاثة أيام.

توجه مستمر

في ضوء ذلك، يمكن القول إن النرويج سوف تواصل اهتمامها بتعزيز الجهود التي تُبذل من أجل الوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية المختلفة بمنطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها أزمة البرنامج النووي الإيراني، باعتبار أن ذلك يمثل آلية مهمة لدعم الاستقرار في المنطقة، ومنع وصول ارتدادات هذه الأزمات إلى حدودها، على نحو ما كان قائماً خلال السنوات العشر الأخيرة.