مقاربة جديدة:
دوافع الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الليبية

مقاربة جديدة:

دوافع الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الليبية



يسعى الاتحاد الأفريقي عبر مقاربته الجديدة لتسوية الأزمة الليبية إلى تحقيق أهداف عديدة تتعلق بتعزيز فرص الوصول إلى مصالحة وطنية، ودعم التوافق على قاعدة دستورية جديدة، وتجنب العودة إلى استخدام الخيار العسكري في إدارة الصراع بين القوى المختلفة، فضلاً عن تقليص التداعيات الأمنية للأزمة على دول الساحل والصحراء.

يبدو أن الاتحاد الأفريقي سوف ينخرط بشكل بارز في الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة الليبية، وذلك من خلال التواصل مع أطرافها الرئيسيين. وقد انعكس ذلك في تصريحات أدلى بها موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، على هامش القمة الفرانكفونية في تونس، في 21 نوفمبر الفائت، قال فيها أن “هناك دفعة جديدة لعملية سياسية في ليبيا تتضمن عدة مراحل ونحن كلفنا بمرحلة المصالحة الوطنية على اعتبار أنها الأساس لحل الأزمة”.

ويأتي تعزيز دور الاتحاد الأفريقي بعد فشل الجهود التي بذلتها العديد من القوى الدولية في الوصول إلى توافقات بين القوى الليبية المختلفة، بشأن الملفات الخلافية على غرار القاعدة الدستورية والانتخابات.

وربما يمكن القول إن الاتحاد يسعى إلى تبني مقاربة جديدة يحاول من خلالها تجاوز العقبات التي واجهت الجهود السابقة، وبالتالي دعم احتمالات إبرام تسوية نهائية بين تلك الأطراف، باعتبار أن ذلك يمثل أهمية خاصة بالنسبة للاتحاد، في ظل الموقع الذي تحظى به ليبيا، التي تؤثر التطورات التي تشهدها على أمن واستقرار العديد من دول الجوار.

وفي هذا السياق، أجرى جان كلود جاكوسو المبعوث الخاص للرئيس الكونغولي وزير خارجية جمهورية الكونغو برازافيل، لقاءات مع غالبية الأطراف الليبية بشرق وغرب البلاد، وذلك كخطوة تمهيدية قبل وضع ملامح المقاربة الجديدة.

أهداف عديدة

يسعى الاتحاد الأفريقي عبر تحركاته تجاه الأزمة الليبية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يتمثل أبرزها في:

1- دعم فرص المصالحة الوطنية: يبذل الاتحاد الأفريقي جهوداً حثيثة من أجل تعزيز فرص الوصول إلى مصالحة وطنية بين القوى الرئيسية في المشهد الليبي، باعتبار أن ذلك يمثل الخطوة التمهيدية التي يمكن أن تساعد في تقليص فجوة الخلافات بين تلك القوى. وفي ظل هذه المقاربة، فإن الاتحاد يرى أن إجراء الانتخابات قبل نحو عام كان يواجه عقبات وإشكاليات عديدة من البداية، لأنه لم يتم تمهيد المشهد السياسي لهذه الخطوة الرئيسية، على نحو أنتج في النهاية تداعيات عكسية أدت إلى تصاعد حدة الأزمة السياسية، التي بدت جلية في وجود حكومتين في آن واحد داخل ليبيا.

ومن هنا، أشار موسى فقي إلى أن هناك جهوداً تبذل من أجل عقد اجتماع تحضيري لتنظيم مؤتمر للمصالحة في النصف الثاني من شهر يناير القادم سوف يكون تحت إشراف الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي حول ليبيا.

2- تعزيز التقارب بين الفرقاء المحليين: يحرص الاتحاد الأفريقي على الترويج إلى أنه يمارس دوره كوسيط محايد بين الأطراف الليبية المختلفة، على أساس أن ذلك يمكن أن يساعد في بناء الثقة بين هذه الأطراف، وهي الخطوة التي تكتسب أهمية خاصة قبل الانخراط في محاولات تسوية الخلافات المختلفة التي لا تبدو هينة في المرحلة الحالية.

وفي رؤيته، فإن إحدى العقبات التي واجهت القوى الدولية التي طرحت مقاربات سابقة لتسوية الأزمة تمثلت في اتهامها بعدم الحياد أو تبني سياسة متوازنة تجاه أطراف الأزمة.

3- دفع المسار الدستوري الشائك: يأتي الانخراط الأفريقي مجدداً في جهود تسوية الأزمة الليبية في سياق محاولات الاتحاد دفع المسار الدستوري، ودعم فرص التوافق بين أطراف الأزمة على قاعدة دستورية يمكن أن تمثل الأساس للوصول إلى صياغة جديدة للترتيبات السياسية خلال المرحلة القادمة. وتمثل القاعدة الدستورية أحد الملفات الشائكة التي تحولت إلى محور للخلافات بين القوى والمؤسسات الليبية المختلفة، لا سيما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

4- احتواء عواقب استمرار الصراع: تبدي دول أفريقية عديدة قلقاً من أن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، خاصة في ظل تنازع الشرعيات بين حكومة فتحي باشأغا المكلفة من قبل البرلمان، وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والتي ترفض مغادرة مواقعها، سوف يفرض عواقب أمنية عديدة على بعض تلك الدول، خاصة دول الساحل والصحراء، التي تواجه تصاعداً ملحوظاً في نشاط التنظيمات الإرهابية، بالتوازي مع الانسحاب العسكري الفرنسي من المنطقة.

5- تجنب الاستناد للخيار العسكري: لا ينفصل الانخراط الأفريقي في المشهد الليبي في الوقت الحالي عن مخاوف الاتحاد من تصاعد حدة الصراع العسكري مجدداً بين القوى الرئيسية، خاصة بعد أن وجّه قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في أول نوفمبر الفائت، تحذيراً من احتمال “خوض معركة فاصلة لتحرير البلاد”، في ظل استمرار وجود المليشيات المسلحة، مع بقاء الخلافات الرئيسية العالقة حول القاعدة الدستورية ومحاولة بعض الأطراف استبعاد شخصيات محددة من المنافسة في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

6- طرح خارطة طريق مختلفة: يستند الاتحاد الأفريقي في مقاربته الجديدة إزاء الأزمة في ليبيا إلى التجارب السابقة التي نجح بعضها في تسوية أزمات وصراعات سياسية وعسكرية في العديد من الدول الأفريقية، على نحو يمكن أن يُهيِّئ المناخ أمام تعزيز فرص الوصول إلى توافقات جديدة بين القوى المختلفة.

ووفقاً لذلك، فإن المقاربة الجديدة التي يتبناها الاتحاد يمكن أن تساعد في طرح خارطة طريق سياسية جديدة تختلف، إلى حد كبير، عن الخرائط السياسية التي طرحت خلال المحاولات السابقة التي بذلت من أجل إبرام تسوية نهائية للأزمة.

وقد كان لافتاً أن هذه التجارب السابقة حظيت باهتمام خاص من جانب بعض المسئولين الليبيين، على نحو بدا جلياً في تأكيد خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة على أن “أفريقيا مدرسة كبيرة في ملف المصالحة، ولها تجارب ناجحة في هذا المجال”.

تحديات محتملة

رغم أن المقاربة الجديدة التي يتبناها الاتحاد الأفريقي من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة الليبية ربما تسفر عن تحقيق اختراق أو على الأقل يمكن أن تساعد في التوصل إلى توافقات تمهيدية بين القوى المختلفة، ومن ثم تهيئة مناخ ملائم للمصالحة الوطنية، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات محتملة قد تواجهها.

بعض هذه التحديات يرتبط بمدى قدرة الاتحاد الأفريقي على تنظيم حوار وطني في ليبيا، خاصة أن الاتحاد يواجه بدوره اتهامات من جانب بعض القوى بعدم الحياد، على نحو قد يعرقل الجهود التي يمكن أن يبذلها الاتحاد خلال المرحلة القادمة.

كما أن تلك الجهود قد لا تتوافق بالضرورة مع مصالح وحسابات العديد من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة والمنخرطة فيها، وهو ما يمكن أن يدفع تلك القوى إلى وضع عقبات أمامها، لا سيما في ظل نفوذها الواضح لدى المليشيات المسلحة التي تمثل إحدى الإشكاليات الرئيسية التي كان لها دور رئيسي في تقليص احتمالات الوصول إلى تسوية للأزمة الليبية خلال المرحلة الماضية.