تنويع الشركاء:
دوافع الدول العربية للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون

تنويع الشركاء:

دوافع الدول العربية للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون



اكتسبت منظمة شنغهاي للتعاون أهمية متزايدة، بعد أن امتدت مساحتها الجغرافية والجيوسياسية، من المجال الأوراسي إلى امتداده الشرق أوسطي، وذلك عبر انضمام خمس دول عربية خليجية (هي: الإمارات، والسعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، إضافة إلى مصر) إلى عضوية المنظمة بصفة “شريك حوار”، بما يعكس “سياسة انفتاحية عربية” تُركز على توسيع قاعدة المصالح إقليمياً وعالمياً. هذا التوجه العربي يستند إلى عدد من الدوافع؛ ففي الوقت الذي تتم فيه محاولات “تنويع الشركاء” وإنشاء تحالفات جديدة، فضلاً عن إعادة التموضع خصوصاً فيما يتعلق بمجالات الطاقة، من النفط والغاز؛ فهو توجه يسعى إلى الاستفادة من الجانب الاقتصادي لهذه المنظمة، إضافة إلى الاستفادة من إمكانية التعامل مع أعضاء المنظمة بالعملات الوطنية، بما يُخفف، ولو في الحد الأدنى، من الهيمنة السياسية للعملة الأمريكية (الدولار).

عبر تقنية “الفيديو”، وخلال القمة الافتراضية التي استضافتها الهند، التي تتولى رئاستها الدورية، أقرت منظمة شنغهاي، بتاريخ 4 يوليو، انضمام إيران رسمياً كعضو كامل العضوية، لتُصبح بذلك العضو رقم “9” في المنظمة. وقد دعا البيان الختامي للقمة إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية؛ فضلاً عن التأكيد على وجود “خارطة طريق” من قبل الأعضاء، لزيادة حصة التعامل بالعملات الوطنية في التسويات المتبادلة. هذا بالإضافة إلى تأكيد أعضاء المنظمة على معارضة التدخل في شؤون الدول الداخلية بحجة “مكافحة الإرهاب”.

توسيع العضوية

تعد منظمة شنغهاي منظمة حكومية دولية، تأسست عام 2001 بهدف التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية، وتوفير السلام والاستقرار في المجال الأوراسي؛ إلا أنها توسعت لتُغطي منطقة شاسعة، يصل عدد سكانها إلى ما يقترب من “نصف” سكان العالم. بل إن المنظمة بعد أن وصل عدد أعضائها إلى “تسع” دول، أصبحت تضم في عضويتها “خمس” دول تملك إمكانات نووية؛ مما دعا الإعلام الغربي لأن يُطلق عليها “التحالف الشرقي”. أيضاً تضم المنظمة “أربع” دول تحمل صفة “مُراقب”، فضلاً عن دول أخرى لها صفة “شريك حوار”، من بينها “ست” دول عربية.

ولعل هذا العدد من الدول الذي يُشارك في المنظمة أو ذلك العدد من الدول الذي ما يزال ينتظر الموافقة على الانضمام إليها، هو ما دفع البعض لأن يعتبر منظمة شنغهاي نداً لـ”الناتو”، وأن يعتبر البعض الآخر أنها تتضمن هيكلاً هو أقرب إلى هيكل الاتحاد الأوروبي. وإن كان هذا يبدو ظاهرياً صحيحاً إلى حد ما؛ إلا أن الحقيقة أن المنظمة رغم إمكاناتها الاقتصادية والجيوسياسية تضم دولاً لا تتسم العلاقات فيما بينها بالاستقرار، والأمثلة هنا كثيرة، كالهند والصين، والهند وباكستان، وغيرها. لذلك، يُمثل التعاون الاقتصادي مرتكزاً رئيسياً للتفاعلات بين أعضاء المنظمة، التي تأسست قبل عقدين من الزمان.

دوافع عربية

تزايدت الدوافع لدى الدول العربية، الفاعلة في المنطقة، للتوجه تدريجياً نحو “الشرق”، والعمل على الانضمام إلى منظمات تحاول تقليص هيمنة الغرب عالمياً، أو على الأقل الحد من ضغوط هذه الهيمنة، عبر “المرونة” التي تُتيحها تلك المنظمات، مثل “بريكس” و”شنغهاي”. ولعل أهم هذه الدوافع العربية هي التالية:

1- تنويع الشركاء وإنشاء تحالفات دولية جديدة: إذ إن منظمة شنغهاي تضم حالياً نحو 20 دولة، بين عضو مُراقب، وعضو شريك حوار، فضلاً عن الأعضاء “التسعة”، ولاحقاً يمكن أن تتوسع المنظمة لتشمل عدداً كبيراً من الدول العربية والآسيوية والأفريقية أيضاً. ومن ثم فإن التوجه العربي إلى المنظمة يأتي في إطار تنويع الشركاء، سواء بخصوص القوى الدولية، أو الإقليمية، خاصة وأن أحد بنود تأسيسها هو حماية الوضع الجغرافي والجيوسياسي للدول الأعضاء.

واللافت أن تراجع النفوذ الأمريكي، والغربي عموماً، في المنطقة، إنما يأتي في الوقت الذي تتزايد فيه المصالح المشتركة بين بكين وموسكو من جانب، والدول العربية من جانب آخر؛ بما يعني توافر قدر من المرونة لإنشاء تحالفات عربية جديدة مع القوى الدولية الآسيوية، وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند. وإن كان هذا لا يعني انتهاء النفوذ الغربي نهائياً؛ إلا أنه يؤشر إلى الدافع العربي في التوازن بين القوى الفاعلة على ساحة التفاعلات الدولية.

2- إعادة التموضع في المجالات الخاصة بالطاقة: حيث إن عدداً من العوامل، الاقتصادية والتجارية، فضلاً عن التأثيرات الجيوسياسية، على الساحة العالمية، تُساهم في تحول “مركز الثقل” العالمي نحو الشرق. إذ، تبدو قدرات منظمة شنغهاي، خصوصاً في المجالات الخاصة بالطاقة، كبيرة بما يكفي لتكون مركزاً اقتصادياً ضخماً.

فالصين والهند من أكبر مستوردي النفط والغاز، فضلاً عن كون الصين هي ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ويأتي هذا في الوقت الذي تُعتبر فيه روسيا والإمارات والسعودية والكويت أكبر منتجي النفط، في حين أن أكبر منتجي الغاز الطبيعي يتمثل في روسيا وقطر وإيران، ولعل هذا ما يمنح منظمة شنغهاي قدرات هائلة للتحكم في أسواق الطاقة على مستوى العالم، سواء من حيث الإنتاج أو حتى الاستهلاك، ويمنحها أيضاً موقعاً مهماً في إعادة التموضع العربي، الخليجي خصوصاً، على مستوى أسواق الطاقة العالمية.

3- تفعيل التوازن العربي على الساحة الدولية: فإذا كان التوجه العربي للتوجه شرقاً، والانضمام إلى المنظمات الفاعلة في المجال الآسيوي والأوراسي، مثل بريكس وشنغهاي، لا يعني الابتعاد عن الحليف الاستراتيجي، المتمثل في الولايات المتحدة، وحلفائها من الأوروبيين؛ إلا أن هذا التوجه نفسه يسعى إلى تفعيل استراتيجية “التوازن المرن” بين القوى الدولية الكبرى.

إذ إن تعدد الحلفاء الاستراتيجيين لا بد أن يُحقق في المستقبل نوعاً من التوازنات، وذلك تحسباً لأية تغيرات سياسية أو اقتصادية طارئة، وهو ما يبدو بوضوح عبر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مجالات متعددة، اقتصادية وتجارية وأمنية، وغيرها. هذا فضلاً عن أن منظمة شنغهاي يمكن النظر إليها كـ”نموذج حوكمة” عالمي، بديل لنماذج أخرى تتمحور حول الغرب وسياساته.

4- الاستفادة من الجانب الاقتصادي للمنظمة باقتحام أسواق ضخمة: فهذه المنظمة، بفضل اتساع رقعتها الجغرافية والكثافة السكانية لأعضائها، تعتبر أكبر سوق عالمية لتصريف المنتجات بكافة أنواعها، ومن ثم تأتي جاذبية المنظمة التي تعود بشكل أساسي إلى البصمة الاقتصادية لها، لتُمثل دافعاً عربياً مهماً في التوجه إليها، خاصة أن وجود منطقة للتجارة الحرة بين أعضائها، وهو مسعى تحاوله الصين والهند، سيُتيح للدول الأعضاء أسواقاً ضخمة.

وبالتالي، فإن سعي الدول العربية الخليجية، إضافة إلى مصر، للانضمام لهذه المنظمة، إنما يهدف إلى توسيع مصالحها الدولية والإقليمية، وتحقيق شبكة جديدة من المصالح الاقتصادية، والسياسية أيضاً؛ حيث يمكن لهذه الدول، بفضل شراكتها مع منظمة شنغهاي، الوصول إلى أسواق جديدة، بل وإلى مشاريع بنية تحتية في مناطق أخرى، مثل جمهوريات آسيا الوسطى. أضف إلى ذلك، أن هذه الشراكة ستفتح أبواباً واسعة لصادرات هذه الدول، خاصة من النفط والغاز؛ حيث تأتي “ثُلث” واردات الصين، كمثال، من النفط، و”رُبع” وارداتها من الغاز الطبيعي والبتروكيماويات، من دول مجلس التعاون الخليجي.

5- توسيع قاعدة التعامل بالعملات الوطنية: إذ يبدو هذا التوجه بوضوح في إطار المنظمة وأعضائها، خصوصاً روسيا والصين والهند. فمن جهة روسيا، فقد ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة الأخيرة، التي استضافتها الهند، خطاباً أكد فيه على أن “أكثر من 80 بالمائة من التجارة بين بلاده والصين تُنفذ بعملتي الروبل واليوان، بعيداً عن الدولار”؛ ولم يكتف بوتين بذلك، بل حث أعضاء المنظمة على “اتباع نفس النهج”. أما من جهة الصين، فتكفي الإشارة إلى أن بكين قد نجحت في توسيع نطاق استخدام عملتها الوطنية من قبل بعض الدول العربية؛ حيث كانت قطر أول من أطلق مركز مقاصة للعملة الصينية “الرنمينبي”، حتى تتم المبادلات التجارية على أساسها في مجال الطاقة.

وكما يبدو، عبر بوابة شنغهاي، تحاول القوى الدولية الآسيوية التوجه نحو “طلاق الدولار” الأمريكي؛ بما يعنيه ذلك من استهداف سياسي لتخفيف عباءة الهيمنة الأمريكية. ولعل ذلك نفسه ما يُمثل دافعاً عربياً قوياً لتوسيع قاعدة التعامل بالعملات الوطنية، بما يُتيح تقوية قيمة هذه العملات، في سلة العملات الدولية.

توجه مستقبلي

في هذا السياق، يُمكن القول إن التوجه العربي إلى منظمة شنغهاي للتعاون لأجل الحصول على عضويتها، بما يعنيه من شراكة “عربية – آسيوية”، إنما يُعبر عن “توجه مستقبلي” لدى عديد من الدول العربية؛ من منظور أن هذه المنظمة مستقبلاً، ستكون لها تأثيرات كبرى في قلب موازين القوى الاقتصادية والتجارية، وكسر الاحتكار الغربي لقيادة العالم عبر الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى. إذ إن أولويات التعاون، في إطار المنظمة، تكمن في السعي إلى إقامة منطقة تجارة حرة، بما يمنحها ثقلاً عالمياً مؤثراً، لا سيما أنها تضم ما يقترب من “نصف” سكان العالم.