عوامل متشابكة:
دوافع الجزائر لإقرار الموازنة الأكبر في تاريخها

عوامل متشابكة:

دوافع الجزائر لإقرار الموازنة الأكبر في تاريخها



رصدت الحكومة الجزائرية موازنةً هي الأكبر في تاريخ البلاد، حيث تصل إلى نحو 110 مليارات دولار، وذلك بزيادة قدرها 2.7% عن موازنة عام 2023. ورغم أن الإعلان عن موازنة عام 2024، كان قد رافقه خطابٌ إعلامي يؤكد أن الموازنة تأتي دون ضرائب، وأنّ المقصود هو تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، إلا أن هذه الموازنة ترتبط بـ”حملة انتخابية مُبكِّرة”، لانتخابات الرئاسة المُقررة في نهاية العام القادم. وإذا كان ضمن العوامل الدافعة إلى اعتماد تلك الموازنة يعود إلى محاولة الرئيس الجزائري “استكمال المشاريع” التي وعد بها في برنامجه الانتخابي عام 2019، فإن عوامل أخرى دفعت الرئيس إضافة إلى البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة، والمجلس الشعبي الوطني) لاعتماد هذه الموازنة، منها: التأكيد على الشق الاجتماعي للمواطنين، والاستمرار في منظومة الإصلاحات الاقتصادية، والتوجه إلى رفع الإنفاق الاستثماري، هذا فضلاً عن ارتفاع موازنة الجيش الجزائري الدفاعية.

وتتمثل أهم الدوافع لاعتماد وإقرار الجزائر لموازنة هي الأكبر في تاريخها فيما يلي:

استكمال المشروعات

1- إنجاز المشاريع العالقة في برنامج الرئيس: فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المُقررة في أواخر عام 2024، تم اعتماد موازنة بهذه الضخامة، وذلك في محاولة من مؤسسة الرئاسة الجزائرية لاستكمال برنامج الرئيس، من منظور أنه مُطالب خلال هذا العام بإنجاز المشاريع العالقة لاستكمال الوعود التي قدمها في برنامجه الانتخابي عام 2019، والتي خاض على أساسها أول استحقاق رئاسي له، وطرحها -حينذاك- في 54 محوراً.

واللافت أنّ اعتماد هذه الموازنة يتواكب مع المرة الأولى التي يتم فيها طرح “الولاية الثانية” للرئيس تبون، بشكل علني، وذلك أثناء إلقاء تبون خطاباً أمام البرلمان بغرفتيه، قبل يومين، الاثنين 25 ديسمبر، حيث عرض حصيلة أعماله منذ وصوله إلى الرئاسة، في 12 ديسمبر 2019. وفهم الكثيرون أن خطاب الرئيس إنما يأتي في سياق النية للترشح بعد نهاية الولاية الأولى التي تستمر خمس سنوات مع نهاية 2024.

تخفيف أعباء

2- التأكيد على الاهتمام بالشق الاجتماعي للمواطنين: حيث يبدو أن خيار الموازنة الطموحة يُعبر عن رؤية الرئيس الجزائري لضرورة الاستمرار في أسلوب “المحافظة على التوازنات الاجتماعية” للجزائر في هذه المرحلة، خاصة في ظل ما يُصاحبها من بروز ضغوط تضخمية، ناتجة عن عوامل داخلية مرتبطة بالهيكل الاقتصادي للبلاد، وعوامل خارجية تعود إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

لذلك، وفي محاولة للتأكيد على الجانب الاجتماعي جاءت الموازنة خاليةً من أية أعباء مالية من شأنها أن تُثقل من كاهل المواطن الجزائري. هذا إضافةً إلى ما تضمنته الموازنة أيضاً من خفض للضريبة على إنتاج الدواجن والمواد الغذائية المستوردة بشكل عام، وإلغاء الضرائب على النشاط المهني، وكذلك إدراج زيادات على الأجور بهدف تنفيذ “التزام” كان تبون قد أعلنه ويقضي بأن تصل نسبة زيادة الأجور إلى 47% بحلول ربيع 2024.

الإصلاحات الاقتصادية

3- الاستمرار في منظومة الإصلاحات الاقتصادية: فمع إقرار الموازنة الأضخم في تاريخ الجزائر، ومع ما تحتويه من طموحات اقتصادية ومالية، باعتبار أنها تتوقع معدلاً للنمو الاقتصادي يصل إلى حوالي 4.2%، ينظر صانع القرار الجزائري إلى موازنة 2024 على أنها “امتداد لمجموع الإصلاحات الاقتصادية” التي اعتمدتها الحكومة، خاصةً فيما يتعلق بالشق الاجتماعي الذي يُلامس حياة المواطنين، هذا رغم أن مُعدل النمو المتوقع هو أقلّ من مُعدل النمو في العام الماضي 2023، الذي وصل إلى 5.3%.

وكما يبدو فإنّ ارتفاع مداخيل النفط والغاز بتأثير من الحرب الروسية الأوكرانية قد أسهم في رفع الموازنة الجديدة لتصل إلى ما يُقارب 110 مليارات دولار. وبالتالي، تستهدف الحكومة السير في الإصلاحات الاقتصادية، خاصة بعد ما أشار إليه تقرير لصندوق النقد الدولي، في نهاية يونيو الماضي، من أن الجزائر تأتي في المرتبة الرابعة من بين 10 دول عربية هي الأكثر مديونية للعام 2022، إذ وصلت المديونية الجزائرية إلى ما قيمته حوالي 109.6 مليارات دولار.

4- التوجّه إلى رفع مستوى الإنفاق الاستثماري: ففي محاولة لإعطاء الانطباع لدى الأوساط الاقتصادية بأن الدولة الجزائرية هي عامل الضبط الرئيس في العملية الاقتصادية، وأن السلطات الجزائرية مستمرة في الأخذ بسياسات التوسع الاستثماري، لذا تم تحديد مسار موازنة العام 2024 في رفع الإنفاق الاستثماري العمومي بنسبة 18% مُقارنة بالسنة الماضية 2023.

ومن ثمّ فقد تم إعداد الموازنة، كما يُشير الخبير الاقتصادي الجزائري مراد كواشي، في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام المحلية، على سعر مرجعي للنفط الخام قدره 60 دولاراً للبرميل، ومبلغ 70 دولاراً كسعر تقديري للسوق، كما يتم الحديث عن نسبة نمو تُعادل 4.2% عام 2024، ثم 3.9% عام 2025، وبعد ذلك 4% عام 2026.

وكأنّ الموازنةَ تحمل في طيّاتها رسالة مفادها: أن الدولة الجزائرية هي التي تُحدد الإطار القانوني والتشريعي من جهة، وفي الوقت نفسه تقوم بالاستثمار وتُحدد مُعدلات النمو المتوقعة للأعوام القادمة. ويأتي هذا من اطمئنان صانع القرار الجزائري إلى أن مداخيل البلاد ستظل مرتفعة، نتيجة توقع استمرار ارتفاع أسعار المحروقات، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن الحرب في غزة والتوتر في البحر الأحمر.

5- ارتفاع الموازنة الدفاعية للجيش الجزائري: فقد تصدرت موازنة المؤسسة العسكرية، حسبما ورد في الموازنة الجديدة، كل الموازنات القطاعية الأخرى للحكومة، بل ومتقدمة بذلك على موازنات وزارات أُخرى، مثل: الداخلية، والتربية، والصحة، حيث قُدِرت هذه الموازنة بما يُعادل 21.6 مليار دولار، في مُقابل 18 مليار دولار للعام 2023.

ومن الواضح أنّ الارتفاع الكبير في موازنة الجيش الجزائري، التي تصل إلى حوالي “خُمس” الإنفاق العام في البلاد، يعود إلى تصاعد التهديدات الأمنية للجزائر، خاصةً في ظل مستلزمات حماية المناطق الحدودية الممتدة بشكل كبير وشاسع مع عددٍ من الدول (مثل: ليبيا، والنيجر، ومالي، وموريتانيا، فضلاً عن تونس، والمغرب)، وأن أربعاً من هذه الدول تُعاني من اضطرابات وهشاشة أمنية، ولا تتوافر بها قدرات عسكرية كافية لتأمين حدودها مع الجزائر، بما يفرض على هذه الأخيرة أعباء إضافية من المنظور الأمني والعسكري.

حسابات سياسية

في هذا السياق، يُمكن القول إن الموازنة التي صادق عليها كلٌ من الرئيس والبرلمان الجزائري بغرفتيه (مجلس الأمة، والمجلس الشعبي الوطني) لا تخلو من حسابات سياسية، حيث إن عام 2024 سيكون العام الأخير في عُهدة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يطمح إلى عُهدة رئاسية ثانية.

ورغم أن الحكومة الجزائرية قد رصدت للعام الثاني على التوالي موازنةً ماليةً ضخمة، على أمل تحقيق نهضة شاملة في البلاد، و”القطع” مع المرحلة السياسية السابقة، ورغم أن الوضع الاجتماعي، في الوقت نفسه، قد حصل على الأولوية في الاهتمامات في الموازنة الجديدة؛ إلا أنه رغم هذا وذاك فإن المواطن الجزائري، قياساً إلى النتائج العملية لموازنة عام 2023، ما زال يُعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لديه.

ولعلّ هذا نفسه ما يدفع الكثيرين إلى القول بأن الاهتمام الكبير بالمسألة الاجتماعية، التي بدت واضحة في موازنة 2024، إنما هو نوع من محاولة استرضاء المواطنين، في إطار “حملة انتخابية” مُبكرة لانتخابات الرئاسة التي أصبحت على الأبواب، خاصةً أنّ الموازنة ذاتها قد خصصت ما يُعادل 2.9 مليار دولار لهذه الانتخابات، التي بدأت تدخل ساحة النقاش السياسي في البلاد.