متغيرات ضاغطة:
دوافع التحالف الدولي لتعزيز قدراته العسكرية في شمال سوريا

متغيرات ضاغطة:

دوافع التحالف الدولي لتعزيز قدراته العسكرية في شمال سوريا



تشهد مناطق شمال شرق سوريا مزيداً من التأزم على المستويين الأمني والسياسي. فعلى الصعيد الأمني، تواصل تركيا قصفها الجوي والبري المكثف على مواقع مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فضلاً عن استهداف الجيش السوري مناطق الشمال السوري بدعم من الطيران الروسي منذ 8 أكتوبر الجاري.

وفي هذا السياق، ومع تزايد حدة التصعيد العسكري في شمال البلاد، لا سيما في الحسكة، استقدمت قوات التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، في 9 أكتوبر الجاري، رتلاً عسكرياً جديداً من إقليم كردستان العراق من خلال معبر الوليد، مؤلفاً من 30 شاحنة تحمل صهاريج وقود ومعدات لوجيستية باتجاه قواعد التحالف في الحسكة.

سياقات مختلفة

عزز التحالف الدولي من قواته في مناطق الشمال السوري، وظهر ذلك في إرساله تعزيزات عسكرية جديدة إلى قواعده في محافظة دير الزور في مطلع أكتوبر الجاري، لتدخل منذ بداية الشهر الجاري 4 قوافل جديدة. وتزامن تكثيف التحالف من حضوره العسكري مع سياقات إقليمية ومحلية مغايرة، وهو ما يمكن بيانها على النحو التالي:

1- تصاعد حدة القصف التركي: تزامن تزايد الحضور العسكري للتحالف مع استمرار الضربات العسكرية التركية على مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك في إطار الرد المستمر على هجوم نفذه اثنان من عناصر حزب العمال الكردستاني استهدف وزارة الداخلية في أنقرة مطلع أكتوبر الجاري.

واستهدفت الضربات التركية مركز تدريب تابعاً لقوى الأمن الداخلي “الأسايش”، في منطقة كوغرات بريف المالكية بمحافظة الحسكة. كما أسفرت الهجمات التركية عن مقتل العشرات من قوات الأمن الكردية التي يعدها التحالف الدولي ركيزة استراتيجية في مكافحة تنظيم “داعش” في سوريا.

ووصل التصعيد التركي للذروة ضد قوات “قسد”، بعد مقتل 4 جنود أتراك في استهداف صاروخي نفذته قوات “مجلس تل العسكري” التابعة لـ”قسد” على قاعدة “الدوادية” التابعة للقوات التركية في ريف الحسكة ضمن ما يعرف بمنطقة “نبع السلام” الخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها في الداخل السوري.

2- استهداف قوات النظام للشمال السوري: يتعرض الشمال السوري للاستهداف من جانب قوات النظام والطيران الحربي الروسي، منذ 8 أكتوبر الجاري، بشكل عنيف شمل قرى وبلدات واسعة في محافظة إدلب وريف حلب، وذلك رداً على الهجوم الذي تعرضت له الكلية الحربية في مدينة حمص، في 6 من الشهر نفسه، وأسفر عن أكثر من 90 قتيلاً من عسكريين ومدنيين.

وبالتوازي مع ذلك، كان التوتر قد وصل إلى مرحلة حرجة بين قوات “قسد” ودمشق بعد اتهام الأولى للنظام بتغذية الصراع الذي شهدته منطقة دير الزور في أغسطس الماضي بين “قسد” والعشائر العربية. كما اتهمت “قسد” النظام والفصائل الموالية له بإمداد مسلحين من العشائر بالأسلحة والعتاد بغية تأجيج الصراع بينهما.

3- استمرار التوتر التركي-الأمريكي: لا ينفصل قرار التحالف الدولي بزيادة قواته في مناطق الشمال السوري عن التوتر الذي ظهر للعلن بين أنقرة وواشنطن، على خلفية إسقاط الأخيرة، في 5 أكتوبر الجاري، مسيرة تركية اقتربت من إحدى مناطق تمركز القوات الأمريكية في الحسكة، كما دعت إدارة بايدن أنقرة إلى الالتزام ببروتوكولات منع الاشتباك.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه مع تزايد حدة التصعيد التركي على منطقة الحسكة، ورفض تركيا الاستجابة لمطالب أمريكية بالتراجع عن عملياتها العسكرية؛ اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها إلى استقدام عتاد وقوات عسكرية من إقليم كردستان العراق إلى الشمال السوري، شمل نحو 30 شاحنة تحمل صهاريج وقود ومعدات لوجيستية. وتعارض واشنطن التحركات التركية ضد “قسد”، حيث ترى أن التصعيد التركي يفرض تداعيات سلبية على قوات التحالف الدولي، ويؤثر على خططه وعملياته الميدانية التي تستهدف تنظيم “داعش”.

4- تحييد ارتدادات معركة غزة: ربما يرتبط توجّه التحالف الدولي نحو زيادة قواته في الشمال السوري بتصاعد المخاوف من الارتدادات السلبية المحتملة لمعركة غزة الراهنة على الساحة السورية، وهو ما ظهر في شنّ إسرائيل، في 12 و15 أكتوبر الجاري، قصفاً صاروخياً متزامناً على مطاري دمشق وحلب الدوليين في سوريا، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ العملية رداً على إطلاق قذائف من سوريا نحو القطاع الذي تحتله إسرائيل من مرتفعات الجولان السورية.

بيد أن التحالف الدولي لا يخشى فقط انخراط جبهة الجولان في معركة غزة، بقدر ما يسعى من وراء تعزيز تمركزه العسكري في الشمال السوري إلى تحييد التوجهات المحتملة للمليشيات المسلحة التي قد تسعى إلى توظيف معركة غزة لتنفيذ عمليات نوعية ضد قوات التحالف والجماعات المحلية الداعمة له، وخاصة قوات “قسد”.

أهداف رئيسية

يبدو أن التحالف الدولي يسعى من خلال تكثيف قواته إلى تحقيق عدة أهداف: يتمثل أولها، في الرغبة في تعزيز القدرات العسكرية،وهو ما يكتسب أهمية خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن فشلت الجهود التي بذلتها في الفترة الماضية في محاصرة أو تقليص حضور روسيا وإيران على الساحة السورية.

ومن هنا وبعد إخفاقها في تحقيق ذلك، فإنها تجد نفسها بحاجة إلى إعادة تكثيف حضورها العسكري في مناطق نفوذها على الساحة السورية، باعتبار أن ذلك يمثل أولوية في التوقيت الحالي لعرقلة محاولات خصومها إعادة صياغة الترتيبات الأمنية في سوريا وفقاً لمصالحهم.

ويرتبط ثانيها، برغبة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في تغيير موازين القوى على الساحة السورية لمصلحة حلفائها، وخاصة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تدخل في مواجهات مسلحة مع تركيا وقوات النظام.

وفي هذا السياق، يُبدي التحالف أهمية خاصة لتعزيز قواته في الميدان لطمأنة الحليف الكردي، ولا سيما في ظل الضغوط التي يتعرض لها بفعل المواجهات المستمرة مع تركيا والعناصر الموالية لدمشق، فضلاً عن استهدافه من الجماعات المسلحة التي لا تزال تمتلك جيوباً مستترة في الداخل السوري.

وبالتوازي مع ذلك، فإن خطوة التحالف لا تنفصل عن رغبته في تعزيز حضوره أو على الأقل موازنة قدرات الخصوم على الساحة السورية، وخاصة مناطق الشمال السوري التي تمثل معقل الوجود الأمريكي.

وينصرف ثالثها، إلى سعى التحالف الدولي عبر هذه الخطوة نحو قطع الطريق على الجماعات المسلحة التي ربما تحاول استغلال انشغال واشنطن وحلفائها الغربيين بدعم إسرائيل في عملياتها ضد قطاع غزة في التوقيت الحالي من أجل تعزيز حضورها في الداخل السوري، والقيام بعمليات نوعية ضد عناصر التحالف أو الجماعات المحلية القريبة منه.

ختاماً، يمكن القول إن الخطوات التي اتّخذها التحالف الدولي بزيادة قواته شمال سوريا من أجل استيعاب التطورات والمتغيرات المحلية والإقليمية المغايرة، والتي باتت تفرض ضغوطاً متصاعدة، قد تخفف الارتدادات العكسية على الحليف الكردي “قسد”، لكنها ربما تزيد من حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن بسبب اتساع نطاق الخلافات العالقة بينهما.