عودة دمشق:
دوافع الانفتاح العربي على سوريا

عودة دمشق:

دوافع الانفتاح العربي على سوريا



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 14 مايو 2023، جلسة استماع بعنوان “عودة دمشق: دوافع الانفتاح العربي على سوريا”، واستضاف المركز الدكتور أسامة دنورة، الباحث في الشؤون السياسية وعضو الوفد السوري في جنيف 3 و4 (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي.

دوافع متبادلة

يُحدد “دنورة” عدداً من الدوافع الرئيسية للانفتاح العربي على القضية السورية خلال الفترة الحالية، مع عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، قبل القمة العربية المقبلة في السعودية، وأبرزها:

1- أولوية التنسيق الأمني على الاعتبارات السياسية: هناك متغيرات لدى الدول العربية تتعلق بهواجس أمنيةمن الحالة السورية المستمرة منذ سنوات، وانعكاسات ذلك على حالة الأمن في المنطقة العربية بشكل عام، ودول الجوار بشكل خاص، وذلك كان محركاً للتقارب والانفتاح العربي على سوريا خلال الفترة الحالية.

وباتت هناك حاجة لتنسيق أمني بين سوريا والدول العربية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع إدراك بعض الدول أن الوضع الأمني في سوريا ليس في صالحهم، وبالتالي فإن الدول العربية وضعت أمنها القومي على قائمة الأولويات، مقارنة بأي اعتبارات سياسية أخرى.

وساد اتجاه في النقاش مفاده أن ثمة تخوفات أمنية شديدة من بعض الدول العربية حيال تجارة “الكبتاجون” على الحدود السورية، وهو ما كان مثار قلق بارز لدى الأردن، جنوب سوريا. ولكن في المقابل يرى “دنورة” أن ثمة تضخيماً في هذه المسألة، بالنظر إلى الدعاية الغربية ضد النظام السوري.

2- تبني مقاربات عربية في دول الأزمات العربية: انطلاقاً من الرؤية السابقة، فإن هناكتصاعداً للانخراط العربي في القضايا والأزمات العربية،وتبني مقاربات حل عربية في العلاقات البينية بين الدول بالمنطقة، تعتمد بشكل رئيسي على عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، مع دعم عملية الحوكمة في دول الأزمات، دون الدفع إلى حوكمة مفروضة على دول الأزمات، ومنها يُمكن أن يستقر الأمر تدريجياً مع تصفية الخلافات وتبني حلول سياسية، والذي ينعكس على الأوضاع الاقتصادية في دول الأزمات.

وهنا، يمكن النظر إلى مشروع عربي لحل الأزمة، من خلال تشكيل لجنة من دول عربية تحظى بقبول في الشارع السوري، لدعم مسارات الحل السياسي.

3- رغبة في فضّ البؤر الساخنة بالمنطقة العربية: يمكن النظر إلى الانفتاح العربي مع سوريا خلال الفترة الحالية، في إطار أكبر، يتعلق برغبة الدول العربية في التشبيك فيما بينها، لفض البؤر الساخنة في المنطقة سواء في العراق واليمن، وبالتأكيد سوريا.

كما أن هذه الخطوة تعكس اتجاهاً لدى الدول العربية إلى رفض إملاءات من خارج النظام العربي، وتحديداً على مستوى القوى الدولية، وفي الحالة السورية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي يتخذ موقفاً من النظام السوري، مع فرض عقوبات اقصادية، مع بروز أن المقاربات الصينية تسعى لحل الأزمات والخلافات على مبدأ “الجميع يكسب”، بخلاف المقاربات الأمريكية.

4- تحييد دور الأطراف الإقليمية: يبدو أن هناك رغبة من الدول العربية في سحب ورقة المعارضة من بعض الأطراف الإقليمية، مثل تركيا، التي تسعى لتوظيف المعارضة لصالحها في سوريا، وبالتالي فإن الانفتاح العربي يمثل عاملاً إيجابياً في محاصرة المشاريع الخارجية في سوريا، من خلال اتخاذ موقف موحد على المستوى العربي ضد الدور التركي.

تحديات شائكة

يتطرق “دنورة” إلى عددٍ من التحديات التي تواجه الدولة السورية في سبيل حل الأزمة، اتساقاً مع بداية الانفتاح العربي على سوريا، وأبرزها:

1- إشكالية القطيعة مع الدولة السورية: هناك رفض أمريكي وأوروبي للانفتاح مع النظام السوري،في إطار “لا إعادة إعمار، لا تطبيع للعلاقات، لا رفع للعقوبات”،وهو ما شكل حلقة حصار على سوريا. ولكن الانفتاح العربي خلال الفترة الحالية على سوريا، وما يستتبعه من إنهاء حالة القطيعة وعزل سوريا عن المحيط العربي؛ يمكن أن يشكل خطوة لكسر الحصار المفروض، مع إمكانية انفتاح إقليمي تدريجي على سوريا، ومن ثم إمكانية إنهاء العزلة الدولية.

وساد اتجاه في النقاش بأن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بثقل في الملف السوري، رغم التحركات العربية، من خلال العقوبات المفروضة على سوريا، وكان الموقف الأمريكي متساهلاً خلال فترة الزلزال بما شجع مختلف الدول على التوسع في إرسال مساعدات إنسانية وإغاثية. في المقابل، يرى “دنورة” أن الولايات المتحدة ربما أتاحت قدراً من حرية الحركة للأطراف العربية للانفتاح مع سوريا، لخفض مستوى التصعيد في عدة مناطق وعلى مستوى بعض الملفات، بما يتيح لها التركيز مع روسيا والصين.

2- تعقيدات ملفي إعادة الإعمار وعودة اللاجئين: الدولة السورية لا يمكنها العمل على حل كل الملفات وعلى مختلف المستويات،خاصة فيما يتعلق بملف عودة اللاجئين إلى سوريا مجدداً، إذ ترتبط تلك الحالة بالأوضاع غير المستقرة في سوريا خلال السنوات الماضية، ولذلك فإن عودتهم ترتبط بحالة الاستقرار، وما يتبعها من إعادة الإعمار، ولكن في ظل دولة متوقفة اقتصادياً، يصعب حل هذا الملف.

وفي ظل حالة الانفتاح العربي على سوريا، وإمكانية التشبيك الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، فإن استعادة الدورة الاقتصادية تسهل عملية إعادة الإعمار، ومن ثم التمهيد لعودة اللاجئين بعد توفير ظروف إقامة مناسبة لعودتهم، مع عودة الحياة الطبيعية في سوريا.

3- استبعاد المعارضة غير الوطنية من الحل السياسي: في إطار دعم أي حل سياسي في سوريا والتواصل مع المعارضة، فإنه يجب التمييز بين نوعين من المعارضة؛ الأولى معارضة تلعب دوراً وظيفياً لبعض الأطراف الإقليمية، وهي معارضة محسوبة على تيار “الإسلام السياسي”، وتحديداً المشروع الإخواني، الذي تضرر منه العرب، وهو مشروع خارجي هدفه زرع طبقة سياسية هدفها إحداث اضطرابات في الدول العربية، وهؤلاء يصعب تضمينهم في الحل السياسي.

ولكن المسموح له بالمشاركة في الحل السياسي هو النوع الثاني، المتمثل في المعارضة صاحبة الأجندة الوطنية، ويكون الحديث مع النظام السوري حول مفاهيم سياسية مثل تقاسم السلطة وغيرها من القضايا.

4- تسوية أمنية لملف المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية: وبشأن المليشيات والتنظيمات الإرهابية، وكيفية التعامل معها، فإن الدولة السورية يمكن أن تتعامل مع هذا الملف وفقاً لمرجعيات داخلية وأيضاً عالمية بشأن ملف التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري. فمثلاً “جبهة النصرة” المعروفة حالياً بـ”هيئة تحرير الشام” هي تنظيم إرهابي، وأيضاً “أحرار الشام” هي ذراع الإخوان، أو تضم منتسبين سابقاً لتنظيم الإخوان.

وسيكون التعامل مع هذا الملف في إطار تسويات أمنية، وليس في إطار سياسي، حتى وإن امتلكت تلك التنظيمات غطاء سياسياً من حكومات في الشمال السوري، فـ”النصرة” لديها حكومة في إدلب على سبيل المثال، وبالتالي فمن أراد وضع السلاح وتحديداً من البسطاء السوريين الذين اضطروا تحت وقع ظروف معينة إلى حمل السلاح، سيكونون مشمولين بالعفو، أما من يرفض فسيتم التعامل معه بالحسم العسكري.

وعلى مستوى العناصر الأجنبية، فلا بد أن تخرج من سوريا إلى دولهم التي جاؤوا منها، وهذه مسؤولية الدول التي سمحت لهم بالوصول إلى سوريا.

5- ملف “الأكراد” بشمال شرق سوريا: لا يوجد في سوريا أقلية عرقية لديها مشروع سياسي،ولكن توجد أقلية سياسية تخدم المصالح الأمريكية، وهو ما ينطبق على بعض الكيانات في شمال شرق سوريا مثل “قسد”، إذ إن الكيانات في شمال شرقي سوريا لا تقتصر في تشكيلها على الأكراد فقط، ويكون العرب أيضاً.

وإذا أقدم الأكراد على فكرة فرض فكرهم في شمال شرق سوريا فسيفشلون، وسبق لهم أن قدموا مشروع “كردستان الغربية” على النموذج العراقي، ولكن تم سحب المشروع لأن الواقع الديمغرافي في شمال شرق سوريا مختلف تماماً، إذ يتخلل الوجود الكردي هناك العرب بنسب كبيرة، وإذا خرجت الولايات المتحدة وقواتها من سوريا فلن تبقى “قسد” يوماً واحداً.

6- تفكيك وإنهاء الوجود الأجنبي في سوريا: الدولة السورية غير راغبة في وجود أي مجموعات ومليشيات غير نظامية على الأراضي السورية خلال عمليات حل الأزمة والتسويات خلال الفترة المقبلة، وبالتالي مع زوال أسباب وجود مجموعات إيرانية في سوريا، فلن تكون هناك حاجة لاستمرار وجودها، خاصة أن هناك اتجاهاً في الداخل الإيراني لعدم استنزاف أفراد إيرانيين، وهذا ليس في مصلحة إيران.

كما أن إيران ترغب في أن يكون الحليف السوري قوياً، ولا ترغب في فرض ما هو أكثر من ذلك على النظام السوري. وبالنظر إلى الخلاف بين إسرائيل وإيران، فإن سوريا هي المعنية بمواجهة إسرائيل، خاصة في ظل استمرار احتلال إسرائيل للجولان.

وعلى مستوى الوجود الروسي، فإن الدولة السورية لديها اتفاقيات رسمية مع روسيا، ولم يعد مطالباً لدى الدول العربية بإنهاء الوجود الروسي، ولكن في المقابل فإن الوجود العسكري الأمريكي غير شرعي، ويختلف عن الوجود الروسي.

7– التعامل مع ملف الرافضين للنظام السوري: بالنظر إلى بعض الاتجاهات الرافضة للانفتاح العربي على سوريا خلال الفترة الحالية، فإن تلك الاتجاهات ستجد نفسها هي المعزولة في ظل رغبة لدى أطراف عربية عديدة في الانفتاح والتشبيك الأمني والاقتصادي مع سوريا، وبالتالي فإن الخلافات يمكن أن تحل من خلال التشاور واللقاءات بين القادة خلال الفترة المقبلة.

التشارو بين سوريا وبعض الدول قد يزيل أي خلافات سابقة، مثل موقف سوريا المؤيد لملف “البوليساريو” قبل الأزمة السورية الحالية، وهو ملف حساس بين الجزائر والمغرب، إن ترى الأخيرة أنها قريبة من سوريا، وبالتالي يمكن أن تأخذ موقفاً، ولكن التشاور بين سوريا ومختلف الأطراف مهم للوصول إلى نتائج.

استحقاقات متبادَلة

واتّجهت بعض الآراء في النقاش إلى أهمية تحديد من ينفتح على من، نظراً لأن ذلك سيرتب استحقاقات على كلا الطرفين. ويرى “دنورة” أن الانفتاح يتضح أنه جاء برغبة مشتركة بين سوريا والدول العربية، في إطار تحقيق مصالح مشتركة، وبالتالي فإن ذلك يرتب استحقاقات متبادلة بين الطرفين، ومنها عودة العناصر السورية من ليبيا على سبيل المثال، وهذا الملف يمكن الترتيب له على مستوى استخباراتي بين مختلف الأطراف.