ارتدادات محتملة:
دوافع الانتقاد التركي لقرار حل البرلمان التونسي

ارتدادات محتملة:

دوافع الانتقاد التركي لقرار حل البرلمان التونسي



انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 أبريل الجاري، الممارسات السياسية للرئيس التونسي قيس سعيد، على نحو انعكس في توبيخه قرار حل البرلمان في 30 مارس الماضي، واصفاً ذلك بأنه “تشويه للديمقراطية” وضربة لإرادة الشعب التونسي. وقالت الرئاسة التركية في بيان لها: “نأسف لحل مجلس نواب الشعب”، وأضاف الرئيس التركي: “أتمنى ألّا تؤدي هذه التطورات إلى إلحاق الضرر بالمرحلة الانتقالية الجارية نحو إرساء الشرعية الديمقراطية في تونس”.

رفض تونسي

ويُشير رد الفعل التونسي على الانتقادات التركية بشأن حل البرلمان نهائياً إلى رفض الرئيس قيس سعيد وحكومته التدخلات والضغوط الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد. وفي بيان لها بتاريخ 5 أبريل الجاري، استغربت الخارجية التونسية تصريحات أردوغان، وأضافت “أنها تعتبر هذا التصريح تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي، ويتعارض تماماً مع الروابط الأخويّة التي تجمع البلدين والشعبين ومع مبدأ الاحترام المتبادل في العلاقات بين الدول”. وتابع البيان: “إن تونس تتمسك باستقلال قرارها الوطني، وترفض بشدّة كل محاولة للتدخل في سيادتها وخيارات شعبها أو التشكيك في مسارها الديمقراطي الذي لا رجعة فيه”.

بموازاة ذلك استدعت الخارجية التونسية، في 6 أبريل، السفير التركي لدى تونس، وأبلغته رفض تونس تصريح الرئيس أردوغان، واعتباره تدخلاً في الشأن التونسي، وأن علاقات البلدين يجب أن تقوم على احترام استقلالية القرار الوطني.

وتصاعدت حدة الأزمة السياسية في تونس بعد عقد أكثر من نصف عدد أعضاء البرلمان، في 26 مارس الماضي، جلسة على الإنترنت لإلغاء قرارات سعيد الاستثنائية في 25 يوليو 2021، والتي تضمنت إقالة حكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان، ووصلت الأزمة إلى الذروة بعد قرار حل البرلمان، وإحالة عدد من المشاركين في جلسة البرلمان الافتراضية للقضاء.

اعتبارات عديدة

يُمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة دفعت تركيا إلى إعادة الانخراط في الأزمة التونسية، وتوجيه انتقادات لاذعة لقرار الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان، يتمثل أبرزها في:

1- تأمين الحليف المحلي “حركة النهضة”: تبنت أنقرة لغة خشنة بشكل ملحوظ تجاه قرار الرئيس التونسي بحل البرلمان، واعتبر الرئيس أردوغان أن القرار “يشكل ضربة لإرادة الشعب التونسي” و”إساءة للديمقراطية”. وفي الواقع، فإن الإدانة التركية لقرار حل البرلمان تشير إلى أن تركيا ترغب في إيصال رسالة هامة إلى رئيس الدولة قيس سعيد بأنه ليس الطرف الوحيد في هذه الأزمة، وأن هناك أطرافاً وفاعلين آخرين لديهم رصيد تقليدي وافر في الشارع التونسي، وبخاصة حركة النهضة التي يجب الحوار معها.

في هذا السياق، فإن تصريحات أردوغان استهدفت في جوهرها محاولة إنقاذ “النهضة”، وزعيمها الغنوشي الذي يتعرض لأزمة سياسية بعد إحالته وعدد من النواب المحسوبين على الحركة والقريبين منها إلى القضاء، بتهمة التآمر على أمن الدولة، وذلك على خلفية المشاركة في جلسة البرلمان الافتراضية التي عُقدت في مارس الماضي. وبحسب مراقبين، فإن الرئيس التركي سعى إلى استثمار قرار حل البرلمان لعودة البريق لدى التيار الإسلامي في تونس، وإعادة تصدير مظلومية حركة “النهضة” التي تمثل نقطة استناد استراتيجية لتركيا في تونس، وبما يتداخل مع جهود تركيا لتثبيت حليفها المحلي “النهضة” في صدارة المشهد التونسي أو على الأقل ضمن مكوناته.

2- تعظيم الضغوط على الرئاسة التونسية: لا تنفصل الانتقادات التركية لقرار حل البرلمان التونسي عن محاولة توظيف تصاعد ضغوط الداخل التونسي لتحييد مؤسسة الرئاسة أو تقليص سيطرتها على مفاصل الدولة لمصلحة إعادة الاعتبار للقوى السياسية القريبة من تركيا. وتعي تركيا أنه خلال الفترة الأخيرة تصاعدت ضغوط عدد من الأحزاب السياسية والنقابات المجتمعية التي تطالب الرئيس بالتراجع عن قراراته في 25 يوليو الماضي. كذلك ربما أرادت أنقرة تسخين الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت وتيرتها بسبب عدم قدرة الدولة على حل المشكلات الاقتصادية. هنا، يمكن فهم تشويه أنقرة قرار حل البرلمان، والتأكيد على أن حل البرلمان قد يترتب عليه تكريس حكم الفرد، والتعدي على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وإغفال الديمقراطية.

3- التماهي مع الضغوط الدولية: تشير التصريحات التركية الرافضة لقرار حل البرلمان التونسي إلى رغبة أنقرة في التماهي مع المواقف والضغوط الخارجية التي ترفض الممارسات السياسية للرئيس قيس سعيد في الداخل التونسي، وبخاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. فقد جاءت الانتقادات التركية عشية زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لتونس في 24 مارس الماضي، والتي حاولت إقناع الرئيس سعيد بإنهاء الإجراءات الاستثنائية، وعودة البرلمان لعمله الطبيعي. بالتوازي مع ما سبق، سعت تركيا إلى تصدير صورة نمطية مغايرة لحلفائها الغربيين، بأنها تبدو أكثر حرصاً على تعزيز القيم الحرية والحوار في المنطقة، وأنها تشارك الغرب قيمه الديمقراطية.

4- إرضاء القواعد المحافظة داخل تركيا: تهدف تركيا من وراء انتقاد قرار حل البرلمان في تونس إلى إرضاء القواعد المتدينة التي تمثل شريحة معتبرة في صفوف حزب العدالة والتنمية، والتي تناهض توجهات الرئيس قيس سعيد. ويُدرك الرئيس التركي أهمية إرضاء القواعد المتدينة في الداخل التركي في المرحلة الراهنة، بالنظر إلى قرب إجراء انتخابات مفصلية في منتصف عام 2023، والتي تتزامن مع تراجع في شعبية الرئيس أردوغان وحزبه مقابل صعود لا تخطئه عين لأحزاب المعارضة.

5- استيعاب ضغوط الداخل: تأتي إدانة قرار حل البرلمان التونسي في سياق محاولات حزب العدالة والتنمية تجاوز الضغوط الداخلية، حيث يسعى أردوغان من خلال التوجه نحو الانخراط في الأزمة التونسية إلى صرف الانتباه عن أزمات الداخل، واستيعاب الضغوط التي تتعرض لها حكومة العدالة والتنمية بسبب التحولات الدراماتيكية في الاقتصاد التركي، والتي زادت وطأتها بعد الحرب الأوكرانية، وفي الصدارة منها انهيار سعر صرف العملة الوطنية (الليرة)، وارتفاع معدلات التضخم، ناهيك عن ارتفاع السلع الأساسية، وبخاصة أسعار الوقود والغذاء، وعجز القرارات الحكومية عن الالتفاف على الأزمة الاقتصادية.

تداعيات محتملة

1- تقليص التعاون بين تونس وتركيا: تهتم تركيا بتعزيز تعاونها الأمني والاقتصادي مع تونس، وهو ما تجلى في صمتها على القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي. لكن التحركات التركية الأخيرة إزاء تونس، وانتقاد حل البرلمان التونسي، قد يضع العلاقات في مفترق طرق، ويؤثر على التعاون المتنامي في العلاقة بين البلدين في مجالات عدة، وفي الصدارة منها -على سبيل المثال- الاستجابة لضغوط الداخل التونسي التي تطالب بإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، وفرض إجراءات أكثر صرامة على الواردات التركية، خاصة أن تونس خسرت كثيراً بسبب اتفاقية الشراكة مع تركيا، حيث يميل الميزان التجاري لمصلحة الثانية. وتصاعدت حدة الغضب التونسي من الإدانة التركية لقرار حل البرلمان، وكشف عن ذلك تصريحات الرئيس قيس سعيد عشية إحياء الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الزعيم الحبيب بورقيبة، حيث قال: “تونس ليست إيالة، ولا ننتظر فرماناً من أي جهة كانت، سيادتنا وكرامتنا قبل أي اعتبار”.

2- تعميق الخلافات مجدداً مع دول الإقليم: فمن شأن انتقاد تركيا قرار حلّ البرلمان بشكل نهائي أن ينعكس سلباً على علاقات تركيا مع القوى الإقليمية التي تساند الرئيس التونسي، وتدعم خارطة الطريق التي اقترحها للإصلاح السياسي في البلاد، وفي الصدارة منها مصر وبعض دول الخليج التي بدأت تركيا إعادة تأهيل العلاقات معها، والدخول في مسارات تصالحية. وقد تعتبر القوى الإقليمية التي تساند الرئيس سعيد المواقف التركية خطوة سلبية يمكن أن تساهم في تعميق الانقسام السياسي داخل البلاد وتهديد السلم المجتمعي، الأمر الذي قد ينعكس بدوره على حالة عدم الاستقرار في تونس، ومحيطها الإقليمي.

3- توفير بيئة خصبة لمحاصرة الخصوم: فمن شأن انخراط تركيا في الشؤون الداخلية لتونس، وإدانة قرار حل البرلمان، توفير بيئة خصبة لتعزيز مكاسب الرئيس قيس سعيد في الداخل من جهة، وتقليل الانتقادات للإجراءات الرئاسية الداخلية من جهة أخرى، وهو ما ظهر في رفض قوى سياسية تونسية تختلف في اتجاهاتها وتوجهاتها التدخل التركي في الأزمة التونسية الداخلية. هنا، يمكن تفسير إعلان قوى سياسية تونسية الجلسة الافتراضية لبعض النواب السابقين بأنها غير قانونية، وكذلك شرعية إحالة وزارة العدل التونسية عدداً من النواب المشاركين للتحقيق القضائي بتهمة التآمر على الأمن القومي للبلاد.

قلق أنقرة

خلاصة القول، تعكس الانتقادات التركية لحل البرلمان في تونس في هذا التوقيت، حالة القلق التركي المتزايدة في ظل تصاعد محاصرة حلفائها المحليين، وبخاصة حركة النهضة التي تمثل امتداداً أيديولوجياً لحزب العدالة والتنمية التركي، وهو الأمر الذي يحمل تداعيات على مصالح تركيا في تونس. لكن من غير المرجح أن تتجه تركيا نحو الصدام مع الرئيس قيس سعيد في هذا التوقيت، خاصة في ظل حرص تركيا على تأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية مع تونس.