تنسيق مستمر:
دوافع اجتماع ممثلي تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو

تنسيق مستمر:

دوافع اجتماع ممثلي تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو



يعقد نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا اجتماعاً خلال الأسبوع الجاري في العاصمة الروسية موسكو تمهيداً لاجتماع مرتقب لوزراء خارجية الدول الأربع، وهو ثاني لقاء رسمي يجمع بين الأتراك والسوريين بعد اجتماع 28 ديسمبر الماضي، والذي جاء على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات برعاية روسية. وقد كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، في 8 مارس الجاري، عن رغبة طهران في الانضمام إلى المحادثات الثلاثية، وقال إن بلاده “وافقت بكلّ سرور على ذلك”.

ويمثل الاجتماع القادم امتداداً للتحولات الملحوظة في اتجاهات السياسة الخارجية التركية إزاء سوريا، والتي تدعمها محاولات روسية وإيرانية لتحسين العلاقات بين أنقرة ودمشق، مع استثمار تداعيات زلزال 6 فبراير الفائت ليس فقط لتعزيز شرعية النظام السوري، وإنما أيضاً للاستفادة من انفتاح المجتمع الدولي على دمشق.

أهداف رئيسية

بناءً على السياق الذي سيجري في ظله الاجتماع المقبل، والذي يتزامن مع تحولات إقليمية لافتة، في الصدارة منها تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية، وكثافة التوجه نحو حل الأزمة السورية، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأهداف التي يسعى المشاركون في هذا الاجتماع إلى تحقيقها، ويتمثل أبرزها في:

1- دعم تحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة: يستهدف الاجتماع المقبل تثبيت مساعي تحسين العلاقات التركية-السورية، وتعزيز مستوى الانفتاح بين البلدين، لا سيما وأن زلزال 6 فبراير الفائت وفر غطاء إضافياً لمواجهة التحديات التي تقف حجر عثرة أمام عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، وهو ما بدا جلياً في موافقة سوريا، في 13 فبراير الفائت، على فتح معبرين إضافيين على الحدود مع تركيا، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق الشمال السوري التي تضررت من الزلزال.

وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو قد أعلن، في 8 مارس الجاري، أن بلاده “قدمت ما يترتب عليها من مسئوليات لضمان إدخال المساعدات الإنسانية للجانب السوري خلال فترة الزلزال”، وأضاف: “حتى الآن دخلت من تركيا عبر معبر باب الهوى إلى الشمال السوري 65 شاحنة مساعدات من الأمم المتحدة”.

2- مواصلة تفعيل مسار أستانة: لا يبدو أن روسيا وتركيا وإيران تسعى فقط إلى استثمار التطورات الجديدة التي طرأت على الساحة السورية، وإنما تحاول أيضاً الحفاظ على المسار السياسي الذي دشنته من البداية عبر ما يسمى بـ”مسار أستانة”، الذي كان يهدف إلى رفع مستوى التنسيق بين الدول الثلاث حول التطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها سوريا، ومواجهة الضغوط القوية التي يتعرض لها النظام السوري والقوى الداعمة له.

وفي رؤيةموسكو وأنقرة، فإن الاستمرار في مسار أستانة في هذا التوقيت قد يساعد في حماية مصالحها في سوريا، خاصة في ظل استمرار الضغوط الغربية على مصالح الدول الثلاث في الملف السوري، على نحو بدا جلياً في الرسائل التي سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيهها إلى الدول الثلاث عبر الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى مناطق تواجد القوات الأمريكية في شمال سوريا في 4 مارس الجاري.

ويبدو أن ثمة تخوفات تنتاب الدول المشاركة في الاجتماع من أن يؤدي تعثر مسار أستانة للوصول إلى توافقات حول القاعدة الدستورية إلى دفع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الدولية الأخرى إلى محاولة تبني نموذج آخر لملتقى الحوار السوري، بالتوازي مع تركيز الاهتمام على دعم القوى المحلية القريبة من واشنطن، على نحو لا يتوافق مع حسابات النظام السوري والقوى الداعمة له.

3- تقليص حدة الضغوط الغربية: لا ينفصل هذا الاجتماع عن مساعي هذه الدول لمواجهة الضغوط التي تتعرض لها من جانب الدول الغربية بسبب اتساع نطاق الخلافات العالقة فيما بينها، ففي الوقت الذي تُكثف فيه الدول الغربية من عقوباتها على روسيا بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا، ما زالت الدول نفسها حريصة على مواصلة الضغط على إيران بسبب تعثر المفاوضات النووية واستمرار دعمها عسكرياً لروسيا. في حين ما زالت الخلافات قائمة بين هذه الدول وتركيا سواء حول معارضتها انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، أو حول استمرار التعاون العسكري بين أنقرة وموسكو. ويتوازى ذلك مع معارضة واشنطن التقارب التركي-السوري، الذي ترى أنه سوف يفرض تداعيات على الأرض لا تتوافق مع مصالحها ورؤيتها لمسارات تسوية الأزمة السورية.

ومن هنا، يمكن تفسير حرص الدول الأربععلى تعزيز فرص التعاون فيما بينها من أجل تقليص الضغوط التي تمارسها الدول الغربية عليها من جهة، ومواجهة المساعي الغربية للتأثير على مصالحها وأهدافها في المنطقة من جهة أخرى. وبالتالي، فإنّ الاجتماع المقبل يُمثل رسالة مهمة مفادها أن التقارب بين الدول الأربع قد يُسهم في تحويل تلك الضغوط إلى دافع للتقارب فيما بينها.

4- استعادة محورية الدور الإيراني: تأتي مشاركة إيران في الاجتماع في سياق محاولاتها تثبيت دورها في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية التي تجري على الساحة السورية. وقد كان لافتاً أن إيران أبدت استياءً واضحاً تجاه الاجتماع السابق الذي عقد بمشاركة مسئولين من سوريا وتركيا وروسيا، واعتبرت اتجاهات عديدة في طهران أن ذلك يمثل مؤشراً يكشف عن محاولات لاستبعادها من تلك العملية، وهو ما حاولت الأخيرة تجنبه عبر الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا وسوريا في الفترة الأخيرة. ورغم أن العنوان الأبرز لهذه الزيارات كان تقديم الدعم للدولتين بعد وقوع الزلزال، فإن الهدف الأهم كان تأكيد رغبة إيران في المشاركة في هذه الاجتماعات.

ومع أن إيران ما زالت ترى أن الدور الروسي في سوريا كان متغيراً رئيسياً ساهم في تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري خلال السنوات السبع الأخيرة، إلا أنها تبدي قلقاً ملحوظاً أيضاً إزاء محاولات موسكو تكريس دورها باعتبارها القوة الأولى التي تمتلك القدرة على صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية، بدليل حرصها على مواصلة التنسيق مع إسرائيل تحديداً، التي تشن ضربات قوية متتالية ضد المواقع التابعة لإيران والمليشيات الموالية لها داخل سوريا. ومن هنا، فإن طهران تبدو حريصة على عدم التغيب عن هذه الاجتماعات في الفترة القادمة.

مصالح مشتركة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذا الاجتماع ربما يمثل خطوة تمهيدية جديدة سوف تساهم في رفع مستوى التنسيق بين الدول الأربع، حول التطورات التي تشهدها الساحة السورية، وهو ما لا ينفصل عن مجمل التحولات التي طرأت في الوقت ذاته على المستوى الإقليمي. وفي رؤية الدول الأربع، فإن استمرار هذا التنسيق في المرحلة الحالية يمثل خيارها الرئيسي لتقليص حدة أية تداعيات سلبية محتملة قد تفرضها تلك التحولات خلال المرحلة القادمة.