تحركات مستمرة:
دوافع اتجاه سوريا إلى تطوير العلاقات مع دول شمال أفريقيا

تحركات مستمرة:

دوافع اتجاه سوريا إلى تطوير العلاقات مع دول شمال أفريقيا



قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بزيارة كل من الجزائر وتونس، في 15 و17 أبريل الجاري، وذلك في إطار مساعٍ عربية جارية لحل الأزمة في سوريا وتعزيز احتمالات عودتها إلى الجامعة العربية بعد فترة من العزلة امتدت لأكثر من 10 أعوام منذ اندلاع الصراع المسلح في مارس 2011. وتحظى منطقة شمال أفريقيا بأهمية خاصة لدى دمشق، لا سيما في هذا التوقيت تحديداً، بالنظر إلى السياسات التي تبنتها بعض دولها، مثل تونس والجزائر وموريتانيا، والتي سعت من خلالها إلى تعزيز قدرة سوريا على الخروج من عزلتها ومواجهة التحديات التي تتعرض لها، والتأكيد على وحدتها وسيادتها في مواجهة التدخلات الخارجية والتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة.

مؤشرات مختلفة

يمكن القول إن ثمة مؤشرات عديدة كشف عن حدوث تقارب ملحوظ في العلاقات بين سوريا وبعض دول شمال أفريقيا يتمثل أبرزها في:

1- استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تونس: شهدت العلاقات الدبلوماسية بين تونس ودمشق تطورات مهمة خلال السنوات الأخيرة، حيث أعادت تونس في عام 2017 إرسال بعثتها الدبلوماسية إلى دمشق، ولكن على مستوى منخفض. إلا أن العلاقات بلغت مرحلة غير مسبوقة مع وصول الرئيس قيس سعيّد إلى السلطة، حيث قرر، في 9 فبراير الماضي، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لبلاده مع دمشق بعد قطيعة دامت عشرية كاملة. وبرر سعيّد موقفه تجاه دمشق بأن “قضية النظام السوري شأن داخلي يهمّ السوريين بمفردهم”، واعتبر أن “البعثات الدبلوماسية تكون بين دول وليس أنظمة”.

2- دعم جزائري لعودة سوريا للحاضنة العربية: سعت الجزائر عشية القمة العربية التي احتضنتها في مطلع نوفمبر الماضي إلى تعزيز احتمالات استعادة سوريا مقعدها بالجامعة العربية، ووضعت هذا الملف من بين أهم أهداف القمة، وهو ما يعود إلى أن الجزائر تبدي اهتماماً خاصاً بإخراج سوريا من العزلة والحصار المفروض عليها، وإعادة تطوير العلاقات معها على المستوى الثنائي، على نحو بدا جلياً في القرار الذي اتخذته، في يوليو 2022، بتشكيل مجلس الأعمال السوري – الجزائري بهدف توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين البلدين.

3- استمرار التمثيل الدبلوماسي بين موريتانيا وسوريا: لم تشهد العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ونواكشوط تغيرات بارزة على مدى العِقد الماضي، حيث استمرت السفارة الموريتانية في ممارسة مهامها في سوريا. وقد قامت موريتانيا، في 12 مارس 2020، بتعيين سفير جديد لها في دمشق، كما عقدت لقاءات مختلفة بين مسئولين من الدولتين على مدى الأعوام الماضية.

4- تبني خطاب متعاطف مع سوريا بعد الزلزال: تبنت دول شمال أفريقيا خطاباً متعاطفاً مع سوريا عقب وقوع زلزال 6 فبراير الماضي الذي أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة. فعلى سبيل المثال، قامت تونس والجزائر بإرسال شحنات مساعدات وبعثات طبية للمساعدة في إنقاذ الضحايا. كما قامت القيادة العامة في ليبيا بتسيير جسر جوي لنقل شحنات الإغاثة والمساعدات للمناطق المنكوبة في سوريا. وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تعليماته بإرسال شحنة مساعدات إنسانية للمنكوبين في سوريا.

5- تأييد مبادرات تسوية الأزمة السورية: أبدت دول المغرب العربي اهتماماً خاصاً بدعم المبادرات التي تطرح من أجل تسوية الأزمة السورية، على نحو يمكن أن يؤدي، في رؤيتها، إلى تكريس سيادة الدولة السورية والحفاظ على أراضيها وإخراج القوات الأجنبية منها والتي كان لها دور في تفاقم حدة الأزمة على مدى الأعوام الماضية.

أسباب عديدة

يمكن تفسير اتجاه سوريا إلى تطوير علاقاتها مع بعض دول شمال أفريقيا في ضوء أسباب عديدة هى:

1- إنهاء عزلة النظام السوري: يواجه نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ أكثر من عِقدضغوطاً دولية متزايدة بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليه، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الداخلية، ومن هنا، فإنه يحاول خلال الفترة الحالية استثمار تغير توازنات القوى العسكري على الساحة الداخلية لصالحه، بالتوازي مع التحولات البارزة التي طرأت على الساحتين الدولية والإقليمية من أجل إعادة الانفتاح على دول المنطقة، وفي مقدمتها دول شمال أفريقيا.

2- محاولة توظيف الثِقل المغاربي: أبدت دمشق قلقاً واضحاً إزاء انشغال روسيا في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما بدا جلياً في دعوة الرئيس السوري بشار الأسد، خلال زيارته إلى موسكو في 16 مارس الفائت، إلى زيادة عدد القوات الروسية في سوريا. ومن هنا، فإن دمشق تحاول، على ما يبدو، استباق أية معطيات قد يفرضها ذلك على الأرض من خلال توسيع نطاق التعاون على المستوى الثنائي مع العديد من دول المنطقة، مثل الجزائر وتونس، في ظل ما تمثله هذه الدول من ثِقل عربي قادر على دعم عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.

3- مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة: لا ينفصل التقارب بين دمشق وكل من الجزائر وتونس عن رغبتها في تقليص حدة الضغوط الغربية التي تتعرض لها، في ضوء عدم تغير اتجاهات السياسات الغربية تجاهها حتى بعد التحول الملحوظ في توازنات القوى العسكرية على المستوى الداخلي لصالح النظام، حيث تشترط الدول الغربية حدوث تحول هيكلي في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة قبل أن تجري تغييرات في سياساتها. بل إنها تحاول عرقلة الجهود التي تبذل من أجل تطوير العلاقات بين سوريا وبعض الدول، وهو ما ينعكس بشكل واضح في موقف الولايات المتحدة التي أبدت عدم ترحيبها بالجهود التي بذلت لدعم التقارب بين سوريا وتركيا بوساطة روسية ومشاركة إيرانية.

4- توسيع نطاق التعاون الأمني: يمكن القول إن ثمة العديد من ملفات التعاون المشترك التي تجمع سوريا ودول المغرب العربي، أهمها ملف المرتزقة السوريين الذين يتواجدون في ليبيا، حيث يتم توظيفهم بصورة لافتة من قبل قوى إقليمية وجماعات راديكالية محلية لتحقيق أهداف ودعم مصالح محددة، إلى جانب “الجهاديين” الذين انتقلوا من دول شمال أفريقيا للانخراط في الصراع السوري إلى جانب التنظيمات الإرهابية. وهنا، فإن التهديدات المشتركة التي يفرضها وجود المرتزقة السوريين في ليبيا، وربما دول أخرى مثل تشاد، فضلاً عن انتقال الجهاديين التونسيين والجزائريين إلى سوريا، تمثل متغيراً داعماً لتطوير التعاون الثنائي على المستوى الأمني بين سوريا وتلك الدول.

تحولات بارزة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن سوريا سوف تواصل جهودها خلال المرحلة القادمة من أجل الانفتاح على العديد من الدول العربية الأخرى، في ظل التحولات الجارية التي شهدتها المنطقة العربية خلال الفترة الأخيرة والتي بدأت تفرض تداعيات مباشرة على أنماط التفاعلات التي تجري على المستويين السياسي والأمني بين القوى الإقليمية الرئيسية والقوى الدولية المعنية بما يجري في المنطقة والمنخرطة في أزماتها المختلفة.