دبلوماسية الممرات:
دوافع إيران لتعزيز دورها في خطوط الترانزيت بالشرق الأوسط

دبلوماسية الممرات:

دوافع إيران لتعزيز دورها في خطوط الترانزيت بالشرق الأوسط



تبذل إيران جهوداً حثيثة من أجل تعزيز موقعها على خريطة خطوط الترانزيت لنقل الطاقة والسلع بين دول وأقاليم العالم. إذ منحت حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي أولوية خاصة لهذا الهدف، على نحو يبدو جلياً في الإعلان عن عدة مشروعات استراتيجية مع العديد من دول المنطقة، لتأسيس خطوط ترانزيت في المرحلة القادمة. ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في دعم دور الغاز في الاستراتيجية الإيرانية، وتراجع تعويل إيران على علاقاتها مع الدول الغربية، واستثمار التنافس الاقتصادي بين الهند والصين، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي مع بعض دول الجوار، وتجنب اندلاع أزمة طاقة في المحافظات الشمالية.

تبدي حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي اهتماماً خاصاً بتفعيل أو توقيع اتفاقيات لتأسيس خطوط ترانزيت لنقل الطاقة والسلع المختلفة بين أقاليم العالم. وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان، خلال زيارته لسلطنة عمان، في 10 يناير الجاري، إلى إحياء اتفاقية الترانزيت الرباعية التي وقعت بين إيران وسلطنة عمان وأوزبكستان وتركمانستان. فيما أعلن السفير الإيراني لدى أذربيجان عباس موسوي، في 19 ديسمبر الفائت، عن قرب تشغيل ممر ترانزيت جديد للسلع بين إيران وأذربيجان وجورجيا، مشيراً إلى أنه “بعد إحياء ممر ايكو بين كل من باكستان وإيران وتركيا، بالتوازي مع تشغيل ممر شمال–جنوب الدولي بين فنلندا وروسيا وأذربيجان وإيران والخليج والهند بشكل تجريبي، حان الوقت لنشهد تشغيل ممر جديد بمشاركة إيران وأذربيجان وجورجيا والبحر الأسود وأوروبا”.

أهداف عديدة

تسعى إيران عبر تعزيز موقعها على خريطة خطوط الترانزيت بين دول وأقاليم العالم المختلفة، إلى تحقيق أهداف عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- دعم موقع الغاز في الاستراتيجية الإيرانية: تبدي إيران اهتماماً خاصاً بتفعيل موقعها على خريطة نقل الغاز الطبيعي بين دول وأقاليم العالم، في ظل الجهود التي تبذلها دول عديدة بالمنطقة في هذا السياق، حيث يتوقع أن يكون الغاز الطبيعي وخطوط نقله والإمكانيات اللوجستية المرتبطة به أحد أهم المتغيرات التي سوف تؤثر على العلاقات بين دول المنطقة خلال المرحلة القادمة. وفي هذا السياق، كان لافتاً أن إيران أعلنت عن توقيع اتفاقية ثلاثية على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي “ايكو” التي عقدت في العاصمة التركمانية عشق آباد، في 28 نوفمبر الماضي، تقضي باستيراد إيران ما يتراوح بين 1.5 و2 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من تركمانستان مقابل توفير الغاز لأذربيجان عبر مدينة استيرا الساحلية على بحر قزوين.

2- تراجع التعويل على العلاقات مع الدول الغربية: ربما تحاول إيران عبر الإعلان عن هذه الخطوات توجيه رسائل مباشرة إلى الدول الغربية، مفادها أنه حتى في حالة الوصول إلى صفقة جديدة مع القوى الدولية في المفاوضات التي تجري حالياً في فيينا تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي، فإن ذلك لا يعني إعادة التعويل على العلاقات الاقتصادية مع تلك الدول، أو تكرار ما حدث بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في منتصف يناير 2016. إذ قدمت حكومة الرئيس السابق حسن روحاني تسهيلات عديدة للشركات الغربية ووقعت صفقات ضخمة مع دول مثل فرنسا وإيطاليا، لكنها في النهاية لم تنتج تداعيات اقتصادية كبيرة، لاسيما بعد أن انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 وأعادت فرض العقوبات الأمريكية على إيران في 7 أغسطس من العام نفسه، حيث اضطرت الشركات الغربية إلى الانسحاب مجدداً من الأسواق الإيرانية خشية التعرض لتلك العقوبات. ذلك لا يعني بالطبع أن إيران سوف تمتنع عن توقيع صفقات جديدة مع الشركات الغربية، ولكنه يعني أنها لن تجعل ذلك خيارها الوحيد لتفعيل العوائد التي تتوقعها من الصفقة النووية المحتملة حتى تتجنب عواقب حدوث أى انهيار محتمل للصفقة في مرحلة لاحقة على غرار ما حدث من قبل.

3- تجنب مواجهة أزمة طاقة بالمحافظات الشمالية: تستعيض إيران عن نقل الغاز من جنوب البلاد إلى المحافظات الشمالية، باستيراده من تركمانستان. وربما يكون ذلك هو هدفها الأول من توقيع اتفاقية الغاز مع تركمانستان وأذربيجان، من أجل تأمين الإمدادات التركمانية للمحافطات الشمالية وهى خراسان الشمالية وخراسان الجنوبية وخراسان الرضوية وسمنان وكلستان. وربما تسعى الحكومة الإيرانية إلى تجنب مواجهة أزمة طاقة في المحافظات الشمالية خلال فصل الشتاء، على غرار أزمة الكهرباء التي واجهتها في صيف العام الفائت، خاصة أن الغاز كان محوراً لخلافات عديدة مع تركمانستان خلال المرحلة الماضية بسبب المتأخرات المالية التي كانت مستحقة على الشركة الإيرانية التي كانت تقوم باستيراد الغاز التركماني.

4- تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية: كان لافتاً أن إيران بدأت في تبني مقاربة جديدة لاستثمار الغاز في تعزيز علاقاتها مع العديد من الدول العربية. فقد أعلن أحمد أسد زاده مساعد وزير النفط للشئون الدولية، في 2 يناير الجاري، أن الوزارة أرسلت وفداً إلى سوريا بهدف إجراء مباحثات حول آفاق التعاون المشترك، مشيراً في الوقت نفسه إلى استعداد إيران للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقال في هذا الصدد: “إن العديد من هذه الدول تحتاج إلى الغاز الطبيعي التي تمتلك إيران احتياطات جيدة منه بالخليج، حيث بالإمكان عبر التعاون البنَّاء التوصل إلى تنفيذ مشروعات جيدة على قاعدة الكل رابح”.

5- استثمار التنافس الاقتصادي بين الهند والصين: تسعى إيران إلى استغلال التنافس الاقتصادي بين الهند والصين، لاسيما حول نقل السلع والبضائع إلى وسط آسيا تحديداً. ومن هنا، أبرمت إيران اتفاقاً مع الهند وأفغانستان لتطوير ميناء تشابهار الإيراني، في 23 مايو 2016، لنقل السلع الهندية إلى وسط آسيا عبر إيران وأفغانستان دون المرور بأراضي باكستان، خصمها الإقليمي الرئيسي. كما تحاول إيران في الوقت ذاته تعزيز موقعها كمحور إقليمي يمكن أن يعزز من قدرة الصين على تنفيذ مشروع “الحزام والطريق”. وقد كان ذلك أحد المتغيرات التي دفعت الدولتين إلى توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية لمدة 25 عاماً في 27 مارس الماضي.

عقبات محتملة

مع ذلك، فإن الطموحات الإيرانية في التحول إلى أحد محاور خطوط الترانزيت في العالم تواجه عقبات عديدة. إذ تعرضت البنية التحتية الإيرانية لأزمات متعددة بسبب العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي، ثم العقوبات الأمريكية التي طبقت بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق. وقد أشار وزير النفط الإيراني جواد اوجي، في 3 ديسمبر الفائت، إلى أن إيران في حاجة إلى 160 مليار دولار للاستثمار في مشروعات صناعة النفط والغاز على نحو يعكس بوضوح مستوى تلك الأزمات.

فضلاً عن ذلك، فإن إصرار إيران على تسييس ملف الطاقة، في بعض الأحيان، يمكن أن يضع حدوداً لموقعها على خطوط الترانزيت بين الأقاليم المختلفة، على غرار ما حدث مع العراق. كما أن موارد الطاقة الكبيرة التي تمتلكها العديد من دول المنطقة، فضلاً عن الإمكانيات اللوجستية التي يمكن أن تعزز من موقعها على خريطة الطاقة في العالم، تخصم من قدرة إيران على التحول إلى أحد تلك المحاور في المرحلة القادمة.