خطوة استباقية:
دوافع إعلان جزر القمر قائمة للكيانات والتنظيمات الإرهابية

خطوة استباقية:

دوافع إعلان جزر القمر قائمة للكيانات والتنظيمات الإرهابية



رغم محدودية التهديدات المباشرة للتنظيمات الإرهابية النشطة في القارة الأفريقية على جزر القمر، في ظل تصنيفها بأنها منطقة غير محتملة لنشاط التنظيمات الجهادية؛ إلا أن جزر القمر أقدمت على إصدار قائمة لكيانات وتنظيمات إرهابية تتسم بالتنوع، دون الاقتصار على تنظيمات ربما تشكل تهديداً مباشراً لأمنها الوطني، في ظل رغبة لاتخاذ خطوات استباقية لمواجهة أي ارتدادات محتملة لظاهرة الإرهاب بأفريقيا، وتعزيز جهود مكافحة تمويل الإرهاب، والاتساق مع جهود دول الجوار لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود بمنطقة المحيط الهندي، وتحديداً بـ”قناة موزمبيق”، إضافة إلى الاتساق مع قوائم الإرهاب العربية، وتحديداً “الرباعي العربي”، فضلاً عن تفعيل دورها في مكافحة الإرهاب بمناسبة استلام رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال شهر فبراير الماضي.

فقد أدرجت جزر القمر، بشكل مفاجئ، 69 تنظيماً، باعتبارهم كيانات إرهابية، وفقاً لما أشارت إليه تقارير إعلامية محلية بتاريخ (25 فبراير 2023)، في حين أن القرار الصادر عن وزير الداخلية فكر الدين محمود، كان بتاريخ (9 فبراير 2023). ويتضمن القرار إدراج كيانات منها: “تنظيم الدولة الإسلامية وأفرعه المختلفة، والتنظيم الدولي للإخوان، وتنظيم القاعدة وأفرعه، وجماعة بوكو حرام، وحركة الشباب، وجماعة أنصار الشريعة بتونس، والجماعة الإسلامية بمصر”، كما ضمت القائمة جماعات وكيانات شيعية، مثل جماعة الحوثيين في اليمن، وحزب الله والكيانات المرتبطة به في منطقة الخليج العربي.

دوافع رئيسية

في ضوء سياقات وتحركات إقليمية ودولية، تركز على جهود مكافحة الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة، يمكن الإشارة إلى دوافع إصدار قائمة الكيانات الإرهابية من قبل وزارة الداخلية في جزر القمر، وأبرزها:

1- اتخاذ خطوة استباقية لمواجهة ارتدادات النشاط الإرهابي: يُشكل قرار جزر القمر بتصنيف كيانات وتنظيمات إرهابية، علامة استفهام، في ظل عدم بروز نشاط لأي من تلك التنظيمات بشكل علني داخل الدولة خلال السنوات الماضية، أو ارتباط مواطني الدولة بنشاط إرهابي خارج حدود الدولة، إضافةً إلى أن القرار جاء عقب نشاط لبعض تلك التنظيمات بصورة ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، سواء في الأقاليم الجغرافية المجاورة لجزر القمر، أو تلك البعيدة.

ولكن يمكن تفسير القرار بالنظر إلى تعدد الكياناتالمدرجة على القائمة، في إطار الإجراءات الوقائية، خوفاً من ارتدادات ظاهرة الإرهاب، سواء بشقها العملياتي، أو وجود روابط بينها وبين مكونات وأطراف محلية في جزر القمر، يُمكن استغلال أراضي الدولة في تسهيل ودعم أنشطة لهذه التنظيمات الإرهابية خارج حدود الدولة، أو توفير ملاذات لبعض العناصر الإرهابية.

ورغم محدودية التهديدات المتعلقة بالتنظيمات المحسوبة على تيار “السلفية الجهادية”، إلا أن جزر القمر ربما راجعت سياساتها فيما يتعلق بالعناصر الجهادية التي انضمت لتنظيم “داعش” من جزر قريبة منها، وعلى وجه الخصوص جزيرة “مايوت” التابعة لفرنسا، إذ تشير بعض التقديرات الغربية إلى انضمام نحو 9 أشخاص على الأقل لتنظيم “داعش”، كما أن مواطنين من جزر القمر خضعوا لفحص أمني، على خلفية شبهات بصلات مع تنظيمات إرهابية في شرق القارة الأفريقية بين 2014 و2017، وفقاً لمؤسسة ” Jamestown Foundation”.

وتتزايد التخوفات من احتمالات تسلل عناصر من المعارضة للرئيس الحالي “عثماني” إلى خارج البلاد للانضمام إلى تنظيمات إرهابية، أو محاولة استغلال بعض تلك التنظيمات في حالة التوترات بينه وبين المعارضة لاستقطاب عناصر لإشاعة الفوضى وتنفيذ عمليات إرهابية تحت غطاء سياسي.

2- تعزيز جهود مكافحة تمويل الإرهاب: يتسق قرار إدراج كيانات على قائمة الإرهاب في جزر القمر، مع جهود الدولة خلال الأعوام القليلة الماضية، في مسار رئيسي يتعلق بدعم جهود مكافحة تمويل الإرهاب، وجرائم غسيل الأموال؛ إذ إن جزر القمر أقدمت خلال أكتوبر 2019، على “تدريب أكثر من 100 موظف من قطاعات الاقتصاد المختلفة، سواء في البنوك أو مكاتب الصرافة أو التأمين والعقارات، لتحسين قدرات استخدام أدوات البنك الدولي لتقييم المخاطر المتعلقة بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وجاء التدريب للعاملين في القطاعات الاقتصادية في جزر القمر بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة خبراء البنك الدولي، بما يشير إلى رغبة الدولة في تعزيز الشراكات مع الجهات الدولية ذات الاختصاص، لتطوير منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويعزز من هذا الاتجاه المتصاعد لجزر القمر، ما أشارت إليه صحيفة “الوطن” المحلية، من أن القرار الوزاري رقم (23/004)، جاء اتساقاً مع أحكام المادتين (1 و27) من قانون صدر من البرلمان رقم (21-004) بشأن مكافحة الإرهاب وتمويله ومحاربة غسل الأموال والمنظمات والجماعات الإرهابية، الصادر في يونيو 2021.

3- استلام جزر القمر رئاسة الاتحاد الأفريقي: ربما اتجهت جزر القمر لإعلان قائمة للكيانات والتنظيمات الإرهابية، رغم محدودية التهديدات داخل الدولة خلال السنوات القليلة الماضية،اتساقاً مع الدور الذي تلعبه على الساحة الأفريقية خلال الفترة المقبلة، عقب تسلم رئيس جمهورية جزر القمر غزالي عثماني، رئاسة الاتحاد الأفريقي، وهو ما يفرض عليه الانخراط بصورة أكبر في القضايا الشائكة في القارة، وعلى رأسها ملف الإرهاب، إذ تتصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية في عدة دول أفريقية، في ظل تحولات لافتة خلال عام 2022، باتساع النشاط العملياتي للتنظيمات الإرهابية جغرافياً، كما في منطقة الساحل (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر).

ويتضح أن جزر القمر تتطلع إلى لعب دور كبير على المستوى الأفريقي، وتحديداً عبر ملف الإرهاب، وهو ما أشار إليه “عثماني” في كلمته خلال تسلم مهام رئاسة الاتحاد الأفريقي بأثيوبيا (18 فبراير 2023)، إذ وعد بـ”العمل مع جميع الدول والهيئات المختصة للحد من التهديدات التي تشكلها المنظمات الإرهابية في عدة دول في القارة الأفريقية”.

وبدا لافتاً أن قرار إدراج كيانات وتنظيمات على قائمة الإرهاب في جزر القمر بتاريخ (9 فبراير 2023)، جاء قبل نحو 9 أيام تقريباً من تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي.

4- الاتساق مع جهود دول الجوار بمنطقة “قناة موزمبيق”: يعكس قرار جزر القمر بشأن الكيانات الإرهابية، اتساقاً ليس فقط مع الاتجاهات الداخلية لتعزيز آلياتمواجهة أي ارتدادات محتملة للتنظيمات فقط، وإنما اتساقاً مع الجهود الإقليمية لدول الجوار لمكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، في ظل تلاقي المصالح بين العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، بما يُمكّن جزر القمر من تفعيل آليات التعاون والتنسيق مع دول الجوار بـ”قناة موزمبيق” في منطقة المحيط الهندي.

وبالنظر إلى جرائم القرصنة وتهريب السلاح وما يتصل بها من الأنشطة غير المشروعة التي ترتبط بتنظيمات إرهابية، لدول الجوار لجزر القمر، فإن إصدار قائمة لكيانات إرهابية يعزز من التنسيق المشترك، في ظل تصاعد نفوذ حركة الشباب سواء داخل الصومال، أو الاعتماد على شبكات تمويل في كينيا، إضافة إلى استفادة تنظيمات إرهابية من شبكات تمويل في جنوب أفريقيا، وهو ما برز خلال العام الماضي، من خلال إدراج الولايات المتحدة شبكة تمويل مرتبطة بتنظيم “داعش” في موزمبيق ووسط القارة الأفريقية، على لائحة الجزاءات الأمريكية.

ومنذ 2017، تصاعد التنسيق البحري بين جزر القمر ودول الجوار، من خلال تدريبات مشتركة على الأمن البحري، وتبادل المعلومات لمواجهة تحديات، بعضها أمني يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة.

5- الاصطفاف مع المحور المناهض لـ”الإسلام السياسي” في المنطقة العربية: وبعيداً عن الارتدادات المباشرة المحتملة من قبل التنظيمات الإرهابية في دول الجوار لجزر القمر، فإن قائمة التنظيمات الإرهابية تضم عدداً من الكياناتالمُصنفة إرهابية ضمن إطار الجامعة العربية، وأخرىمدرجة على قائمة الرباعي العربي “الإمارات ومصر والسعودية والبحرين”، والتي تتعلق بشكل رئيسي بتهديدات أمنية في المنطقة العربية، وتنظيمات تشكل تهديداً للرباعي العربي، بما يشي باتجاه جزر القمر للاندماج ضمن محيطها العربي بشكل أكبر، عبر ملف الإرهاب، إضافة إلى الرغبة في الاصطفاف مع المحور المناهض لكيانات “الإسلام السياسي”.ويمكن الإشارة إلى أن جزر القمر كانت إحدى الدول التي قطعت العلاقات مع دولة قطر، إبان قرار الرباعي العربي بمقاطعة قطر عام 2017، بفعل دعمها لجماعات الإسلام السياسي، وبشكل خاص تنظيم الإخوان.

انخراط متزايد

وأخيراً، فإن إعلان جزر القمر قائمة للكيانات والتنظيمات الإرهابية، يعكس رغبة في الانخراط المتزايد على المستويين الإقليمي والدولي خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي، بما يتماشى مع التوجهات الحاكمة لجهود مكافحة الإرهاب وتمويل الجريمة المنظمة العابرة للحدود، المرتبطة بنشاط التنظيمات الإرهابية.