دماء جديدة:
دوافع إجراء “شياع السوداني” تغييرات أمنية في العراق

دماء جديدة:

دوافع إجراء “شياع السوداني” تغييرات أمنية في العراق



في خطوة لإعادة هيكلة القيادات الأمنية العراقية، ولرفع كفاءة أداء المؤسسات الأمنية؛ أصدر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مساء الخامس من يوليو 2023، قراراً يقضي بتغيير عدد من القيادات الأمنية في بعض المؤسسات الرفيعة وخاصة بجهازَيِ المخابرات والأمن الوطني، في أول عملية تغييرات أمنية موسعة منذ تسلمه منصبه في أكتوبر الماضي، وهو ما يحمل جملة أهداف، منها: استكمال برنامج حكومة “السوداني” لتطوير العمل الأمني، وإقصاء القيادات الأمنية في عهد حكومة “الكاظمي”، وسرعة إنجاح الخطة الأمنية العراقية لدحر الإرهاب، واحتواء صراع فصائل الأجنحة السياسية العراقية، والتصدي لمحاولات إفشال الانتخابات المحلية المقبلة.

أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية “يحيى رسول”، أن التغييرات الأمنية تأتي ضمن الخطوات الإصلاحية لـحكومة “السوداني” المتعلقة بالإصلاح الإداري للمؤسسات الأمنية لضخ دماء جديدة تتسم بالكفاءة ومنح الفرصة لقيادات أخرى ذات خبرة لإدارة الملف الأمني، بما يضمن تعزيز الأمن والاستقرار بمختلف أرجاء الجمهورية العراقية. مضيفاً أن ذلك ما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد.

مضمون القرار

شمل قرار التغييرات الأمنية، إعفاء عدد من القيادات من مناصبهم، وبعض الانتقالات من منصب إلى آخر، وهو ما يمكن إيجازه في النقاط التالية:

تعيين “أبو علي البصري” رئيساً لجهاز الأمن الوطني.

تعيين “أحمد الطيار” لوكالة جهاز الأمني الوطني بدلاً من “حميد الشطري” الذي تم تعيينه بمستشارية الأمن القومي للاستفادة من خبراته الطويلة بالسلك الأمني.

تعيين “مثنى العبيدي” بمنصب الوكيل الثاني لجهاز الأمن الوطني بدلاً من “فالح العيساوي”.

إقالة “ماجد الدليمي” من جهاز المخابرات وتعيين “وقاص محمد الحديثي” بديلاً عنه، على أن يتم نقل “الدليمي” إلى مستشارية الأمن القومي بهدف الاستفادة من خبراته خلال السنوات الماضية بالسلك الأمني.

تكليف “صباح نوري النعيمي” بمهام مدير عام الدائرة الفنية في جهاز الأمن الوطني.

إقالة “محمد عبود جودة” من منصب مدير عام دائرة أمن المحافظات في جهاز الأمن الوطني وتعيين “علي شمران خزعل” (مدير دائرة أمن البصرة في جهاز الأمن الوطني) بديلاً عنه، كما تم تعيين “جودة” بمنصب مدير عام دائرة أمن بغداد.

أسباب التغييرات

يمكن تفسير حملة التغييرات التي شهدتها المؤسسات الأمنية العراقية من خلال عدد من العوامل، يأتي من أهمها ما يلي:

1- استكمال برنامج حكومة “السوداني” لتطوير العمل الأمني: تأتي هذه التغييرات وفق البرنامج الحكومي الذي أطلقه “محمد شياع السوداني” عقب تسلمه منصبه في أكتوبر الماضي، ويأتي الملف الأمني على رأس أولويات برنامج “السوداني”، لأنه عقب أقل من 40 يوماً على رئاسته للحكومة العراقية، أصدر قراراً بإلغاء جميع التعيينات التي صدرت في عهد سلفه “مصطفى الكاظمي” بحق رؤساء أجهزة ومستشارين ومدراء بالمؤسسات العراقية، ووقتها أعلن “السوداني” أن هذه التغييرات تأتي وفق قرار صادر عن المحكمة الاتحادية العراقية عام 2022، والذي ينص على أن “حكومة تصريف الأمور اليومية، الحكومة السابقة، ليست لديها الصلاحية في إصدار أوامر تعيين وإعطاء الموافقات والاتفاقات”، وتأتي أيضاً بناء على برنامج الحكومة الذي يضع تقييماً لبعض المسؤولين خاصة الوزراء والمحافظين خلال فترة ممتدة من (2-6 أشهر)، وبعدها يبدأ بإجراء التغييرات.

2- إقصاء القيادات الأمنية في عهد حكومة “الكاظمي”: تكشف هذه التغييرات الموسعة استمرار سياسة إقصاء بعض القيادات الأمنية التي كانت الأبرز في عهد الحكومة السابقة برئاسة “الكاظمي”، وهذه السياسة اتّبعها “السوداني” بشكل مباشر عقب تقلده منصبه، رغم أنه لطالما نفى أن التغييرات التي يقوم بها لا تأتي ضمن سياسة الاستهداف أو الإقصاء أو لتصفية حسابات سياسية، إلا أن ملامح التغييرات تكشف عكس ذلك. ففي مطلع نوفمبر الماضي، أي بعد أقل من شهر على تولي “السوداني” رئاسة الوزراء أجرى تغييرات أمنية طالت كلاً من “رائد جوحي” رئيس جهاز المخابرات العراقي، واللواء “ضياء الموسوي” مدير عام المركز الوطني ووكيل جهاز المخابرات لشؤون العمليات، ووقتها صدرت مذكرة اعتقال من الجهات القضائية العراقية وبأمر من “السوادني” بحق “الموسوي” بعد ساعات قليلة من إعفائه من منصبه، ووُجِّهت إليه اتهامات بالضلوع في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي “أبو مهدي المهندس” (قُتلا في غارة أمريكية بمطار بغداد 2020).

وبالإضافة لذلك فإن “البصري” الذي عينه رئيساً لجهاز الأمن الوطني، كان قد أُقيل في حركة التغييرات الأمنية التي أجراها “الكاظمي” في 2021 على خلفية انفجار ساحة الطيران وسط بغداد، وكان “البصري” وقتها مدير عام الاستخبارات ومكافحة الإرهاب وعين بدلاً منه “حميد الشطري” (تمت إقالته في التغييرات الحالية)، كما عين “أحمد أبو رغيف” وكيلاً لشؤون الاستخبارات، وهو الذي صدر قرار بإقالته من قبل “السوداني”.

3- سرعة إنجاح الخطة الأمنية العراقية لدحر الإرهاب: إن تنفيذ سلسلة التغييرات الأمنية الموسعة في هذا التوقيت، يأتي بالتزامن مع التحركات التي يقودها رئيس الوزراء العراقي لدحر الإرهاب في الأراضي العراقية، ومنع محاولات تنظيم “داعش” للعودة إلى البلاد مرة أخرى، وبعد أقل من خمسة أشهر على إصدار مجلس الوزراء العراقي في فبراير الماضي، صدر قرار خاص بالموافقة على إنشاء مشروع قانون مكافحة الإرهاب، مع حملة أطلقتها قوات الأمن العراقية بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات مطلع يوليو الجاري، بهدف استهداف وتدمير أوكار الجماعات الإرهابية وخاصة “تنظيم داعش” في الأراضي العراقية للحفاظ على أمن واستقرار بلاد الرافدين، وبالفعل نجحت هذه القوات، في 7 يوليو الجاري، في تدمير وكر إرهابي لتنظيم داعش بمنطقة ديالى عثر بها على مجموعة من الأسلحة والبنادق، وعليه فإن هذه التغييرات التي ركزت بشكل خاص على جهازي الأمن الوطني والمخابرات تقع بالتوازي مع هدف “شياع السوداني” لمكافحة الإرهاب في البلاد، وهو ما يتطلب جهازاً مخابراتياً قوياً وقيادات أمنية ذات خبرة بهذا الملف الأمني، ولذلك أكد رئيس الحكومة العراقية أن القيادات الجديدة لها باع طويل في محاربة تنظيم داعش.

4- احتواء صراع فصائل الأجنحة السياسية العراقية: هناك رؤية تفيد بأن “السوداني” عندما يقوم بإجراء تغييرات أمنية بالبلاد خاصة بجهاز الأمن الوطني، فإن ذلك يعني وجود تنافس بين بعض القيادات الأمنية المحسوبة على بعض الفصائل العراقية، خاصة (عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله، وائتلاف دولة القانون)، حيث يقول بعض المراقبين إن “السوداني” يحاول من خلال هذه التغييرات الدورية تقويم عمل جهاز الأمن الوطني بل وإبعاده عن أية محاولات لـ”المحاصصة” سواء الحزبية أو الطائفية، ولذلك عقب الإعلان عن سلسلة التغييرات الأمنية ارتفعت أصوات الناشطين العراقيين وطالبوا بضرورة ألا تكون هذه التغييرات حزبية أو سياسية، وفي الوقت ذاته أفاد بعض الخبراء العراقيين بأن هذه التغييرات تعد بداية الانتقال من الدولة العميقة إلى العلنية، بمعنى أن هدفها القضاء على محاولات بعض القوى الأمنية للسيطرة على عملية صنع القرار في البلاد بعيداً عن الحكومة.

5- التصدي لمحاولات إفشال الانتخابات المحلية المقبلة: يستعد العراق لانتخابات المحافظات “الانتخابات المحلية” المقرر انعقادها في 18 ديسمبر المقبل، وهناك تكهنات تفيد بأن بعض القوى تريد توظيف هذه الانتخابات لصالحها لامتلاكها ثلاثة أشياء، هي (المال السياسي، والسلاح، والجمهور المنظم)، وتتجه الأنظار نحو احتمالية مشاركة “التيار الصدري” الذي سبق وأعلن اعتزال العمل السياسي في هذه الانتخابات كمحاولة تدريجية للعودة إلى الحياة السياسية وتشتيت أصوات الناخبين، وعليه فإن “السوداني” أراد بهذه التغييرات تعيين قيادات أمنية تعمل في المقام الأول لصالح الدولة بعيداً عن “المحاصصة”، وتقف على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية في انتخابات مجالس المحافظات، وفي ضوء ذلك فقد كشف بعض المراقبين أن الانتخابات المحلية تعد من ضمن الأسباب الرئيسية التي دفعت “السوداني” لإبعاد قيادات أمنية خاصة ذات صلة برئيس البرلمان العراقي السني “محمد الحلبوسي” وعلى رأسهم وكيل رئيس جهاز المخابرات “ماجد الدليمي” المقرب من “الحلبوسي”، إذ إن هناك تكهنات تفيد بوجود خلافات بين الأخير ورئيس الوزراء العراقي.

دماء جديدة

في ضوء ما تقدم، قد تشهد الفترة المقبلة تغييرات موسعة ببعض المؤسسات الأمنية الأخرى، خاصة القيادات الأمنية المتورطة بقضايا فساد، والسبب هو رغبة رئيس الوزراء العراقي في تطهير البلاد من جرائم الفساد، واستكمال عملية “إعادة هيكلة” المنظومة الأمنية والعسكرية في بلاد الرافدين، بما يتماشى مع رؤية رئيس الوزراء العراقي القائمة على وجود قيادات أمنية ذات منهاج جديد يعمل في المقام الأول لخدمة رؤية “السوداني” وبرنامج حكومته، وتعمل على إعادة بناء البنية التحتية والأمن والاستقرار للعراقيين، خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها بعض دول الجوار للعراق.