الحليف القديم:
دلالات زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى السنغال

الحليف القديم:

دلالات زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية إلى السنغال



في خضمّ مساعي أطراف النزاع الليبي للتواصل مع جميع الدول الخارجية المعنية بحل الأزمة الليبية التي دخلت عامها الحادي عشر؛ قام رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايته “عبدالحميد الدبيبة”، في 12 سبتمبر 2022، بزيارة إلى العاصمة السنغالية داكار، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس السنغالي “ماكي سال” الذي يتولى أيضاً رئاسة الاتحاد الأفريقي “AU“، الأمر الذي يحمل مجموعة من الدلالات، منها: حث السنغال على دعم “الدبيبة” في الانتخابات الليبية المرتقبة، واستمالة المبعوث الأممي “باتيلي” نحو حكومة غرب ليبيا، وقيادة داكار لملف المصالحة الوطنية بين أطراف النزاع الليبي، ودعم وتوطيد مختلف مجالات التعاون بين البلدين، وإعادة الدور الليبي المؤثر في الاتحاد الأفريقي.

تأتي زيارة “الدبيبة” إلى داكار بعد أسبوعين من زيارة له إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وعقد مباحثات حول دور أنقرة في تسوية الأزمة الليبية، وجاءت أيضاً عقب أيام قليلة من تجدد الاشتباكات بين القوات التابعة لرئيس الحكومة المعين من البرلمان “فتحي باشاغا” وقوات حكومة “الدبيبة” في العاصمة طرابلس ودعوات بعض الأطراف الدولية لقوى النزاع الليبي بوقف هذه الاشتباكات، والتوجه لإدارة المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد، والاتفاق على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب وقت ممكن.

عودة الحراك السنغالي

تأتي زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى السنغال في توقيت يشهد توجه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا إلى تكثيف انخراطها في الملف الليبي، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إجراء مباحثات “باتيلي” في داكار: كانت السنغال الوجهة الدبلوماسية الأولى للمبعوث الأممي الثامن الخاص إلى ليبيا “عبدالله باتيلي” بعد أيام قليلة من إعلان بعثة المنظمة الدولية في ليبيا تعيينه لتولي هذا المنصب، إذ توجه الدبلوماسي السنغالي (في 8 سبتمبر 2022) إلى العاصمة داكار، وعقد مباحثات مع الرئيس “ماكي سال” ناقش خلالها آخر تطورات الأوضاع في ليبيا، ودعا رئيس الاتحاد الأفريقي المبعوث الأممي إلى بذل كل ما في وسعه لتنظيم انتخابات توافقية تسهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى المشهد السياسي الليبي، وكشفت الرئاسة السنغالية -في بيان لها- أن “باتيلي” طلب “مشورة” الرئيس “سال” حول الملف الليبي وذلك لنجاحه في مهمته الجديدة التي تأتي وسط تعقيد الوضع الراهن في هذا البلد الأفريقي.

2- دعوة السنغال لرئيس الوزراء الليبي: تعد زيارة “الدبيبة” إلى داكار التي جاءت بدعوة رسمية من الرئيس السنغالي، الأولى من نوعها لمسؤول سياسي من الغرب الليبي منذ 2012، ورافق “الدبيبة” خلال هذه الزيارة وفد وزاري ضم عدداً من وزراء الاقتصاد والتعليم العالي والمالية والاتصالات، إضافة إلى رئيس مجلس إدارة الشراكة بين القطاعين العام والخاص “عبدالمجيد مليقطة”، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار “علي محمود حسن”.

وخلال هذه الاجتماعات أعلن الرئيس السنغالي دعم بلاده لإنجاز عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل عاجل، ومشدداً على أن الاتحاد الأفريقي سيكون هو الداعم الأساسي لتحقيق رغبة الشعب الليبي في إنهاء المراحل الانتقالية والذهاب إلى الانتخابات.

3- إعادة تفعيل عمل اللجنة الليبية السنغالية المشتركة: اتفق الجانبان السنغالي والليبي خلال هذا الاجتماع على إعادة تفعيل عمل اللجنة الليبية السنغالية المشتركة التي عقدت الدورة الأولى منها في أغسطس 1999 في مدينة سرت شمال شرق ليبيا، ونجم عنها توقيع بروتوكول اتفاق لتعزيز التعاون بين البلدين في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقعه من الجانب الليبي أمين اللجنة المالية الشعبية العامة “محمد بيت المال” وعن الجانب السنغالي وزير الخارجية “جاك بودان”، وبجانب هذا شملت المباحثات انعقاد الدورة الثانية من اللجنة المشتركة، والاتفاق على إعادة تفعيل عمل اللجنة، وعقد الدورة الثالثة خلال الفترة المقبلة في العاصمة الليبية طرابلس.

وفي ظلّ هذه التطورات، يمكن القول إن التحركات المكثفة التي يقوم بها “عبدالحميد الدبيبة” رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية لدول الجوار الأفريقي وزيارته تحديداً إلى السنغال، تحمل جملة من الدلالات، على النحو التالي:

البقاء في السلطة

1- حثّ السنغال على دعم “الدبيبة” في الانتخابات الليبية المرتقبة: تكشف زيارة “الدبيبة” إلى العاصمة داكار عن رغبة ملحة لرئيس الوزراء الليبي لقيام الرئيس السنغالي بدعم ملف الانتخابات المرتقبة في ليبيا بشقيها البرلماني والرئاسي، خاصة أن “ماكي سال” يتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأفريقي، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الأزمة الليبية، وهو أكده “الدبيبة” خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة السنغالية، قائلاً: “دعم ملف الانتخابات التي لن تكون مكتملة دون لقاء رئيس الاتحاد الأفريقي وتنسيق المواقف معه”.

إضافة إلى أن “الدبيبة” الذي سبق وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2022 قبل أن يتم إلغاؤه من مفوضية الانتخابات جراء احتدام حدة الخلافات السياسية بين “باشاغا” و”الدبيبة”، يريد أن يحصل على دعم سنغالي يضمن بقاءه في السلطة سواء تم إجراء عملية الاستحقاق الانتخابي أو لا، خاصة أن رئيس الوزراء الليبي يرفض حتى الآن تسليم السلطة إلى الحكومة شرعية منتخبة.

تصحيح المسار

2- استمالة المبعوث الأممي “باتيلي” نحو حكومة غرب ليبيا: تُعد زيارة “الدبيبة” إلى السنغال بعد أيام قليلة من زيارة قام بها المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا للعاصمة داكار؛ بمثابة إصلاح لما سبق وأعلنه رئيس حكومة غرب ليبيا حينما كشفت مصادر مطلعة أن الأخير حاول منع تعيين الدبلوماسي السنغالي باتيلي حتى اللحظة الأخيرة، من خلال قيامه في 1 سبتمبر 2022 بتوجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أكد فيها “تحفظاته” على التعيين؛ إلا أنه تراجع عن موقفه فيما بعد، ورحب في 3 سبتمبر الجاري بتعيين “باتيلي” مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا، قائلاً: “نؤكد من جانبنا دعمنا الكامل لعمله، وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية، لإجراء الانتخابات”، وهو ما يعني أن زيارته إلى السنغال قد تكون بهدف الاطّلاع على ما آلت إليه مباحثات الرئيس “ماكي سال” مع “باتيلي”، ورغبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في التقرب من المبعوث الأممي السنغالي، والحصول على امتيازات لحكومته، خاصة مع وجود دعوات دولية بضرورة تشكيل حكومة ليبية موحدة وقوية.

وساطة سنغالية

3- قيادة داكار لملف المصالحة الوطنية بين أطراف النزاع الليبي: تكشف زيارة “الدبيبة” عن رغبته في قيام السنغال بدور الوساطة بين أطراف النزاع في ليبيا في محاولة لتحقيق اختراق بشأن المسار الدستوري والسياسي، خاصة بعدما كشف بعض المراقبين مؤخراً عن توتر العلاقة بين “الدبيبة” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي كان يقود مهام الوساطة بين أطراف النزاع الليبي، وعن احتمالية تراجع الدعم التركي لصالح حكومة شرق ليبيا برئاسة “باشاغا” خاصة بعد الزيارة التي قام بها رئيس مجلس النواب الليبي “عقيلة صالح” إلى أنقرة مطلع أغسطس الماضي، ومحاولته الحصول على دعم تركي لحكومة “باشاغا”، والضغط على رئيس حكومة غرب ليبيا للمضيّ قدماً لإجراء الاستحقاق الانتخابي.

وفي هذه المرة يعطي التوجه الليبي نحو السنغال مؤشراً على أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية أدرك أن مفاتيح حل الأزمة التي تشهدها بلاده ستكون بأيدٍ أفريقية وخاصة سنغالية، وهذا بحكم رئاسة السنغال للاتحاد الأفريقي منذ 5 فبراير 2022 وعلاقاتها التاريخية مع ليبيا، إضافة إلى كون المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا الذي يحمل الجنسية السنغالية هو أول أفريقي يتقلد هذا المنصب، ويُشهد له بالخبرة والكفاءة في حل الخلافات التي تشهدها دول النزاعات بالمنطقة الأفريقية، وهذا بدوره سيعطي زخماً أكبر للدبلوماسية السنغالية، وسينجم عنه عودة الاتحاد الأفريقي مجدداً إلى لعب دور فعال في الملف الليبي بعد غيابه أكثر من عشر سنوات، بل وسيحظى “باتيلي” بالدعم على المستويين الرسمي والشعبي لتسوية الأزمة الليبية.

حشد الدعم

4- دعم وتوطيد مختلف مجالات التعاون بين البلدين: قد تسهم زيارة “الدبيبة” إلى السنغال في عودة أواصر التعاون بين ليبيا والسنغال التي تراجعت خلال السنوات الماضية لتشمل مجالات التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولعل مرافقة وزراء الاقتصاد والمالية وبعض رجال الأعمال لرئيس الوزراء الليبي في هذه الزيارة خير دليل على رغبة الأخير في توطيد أواصر التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الجانب السنغالي، فضلاً عن أنه خلال الزيارة التي استمرت يومين أجرى “الدبيبة” والوفد المرافق له، زيارة تفقدية لمقر مصرف الساحل والصحراء الليبي بالسنغال، والتقى بمدير عام فرع السنغال “بسام القرقوي” وعدد من مديري الإدارات بالمصرف، وأكد على دور المصرف في دعم اقتصاد السنغال ودول غرب أفريقيا، فضلاً عن الدور الذي تلعبه “اللجنة الليبية السنغالية المشتركة” التي سيتم إعادة تفعيل دورها مجدداً لتعزيز مجالات التعاون بين البلدين، إضافة إلى أن الرئاسة السنغالية كشفت -في بيان- عن تناول المباحثات بين “سال” و”الدبيبة” الاستثمارات الليبية في السنغال، وتعزيز التعاون في عدة ملفات اقتصادية وسياسية مشتركة.

استعادة الهيمنة

5- إعادة الدور الليبي المؤثر في الاتحاد الأفريقي: يرغب رئيس حكومة الوحدة الوطنية من وراء زيارته إلى السنغال في إحياء دور ليبيا وإعادتها مجدداً إلى لعب دور بارز في الاتحاد الأفريقي كما كانت في الماضي إبان حكم الرئيس الليبي الراحل “معمر القذافي”، فقد كانت إحدى أبرز الدول الأفريقية المؤسسة للاتحاد، ولكن منذ عام 2011 وحتى الآن تراجع الدور الليبي في الاتحاد جراء الأزمة التي تشهدها والتي أثرت على تأخرها في مد جذور التعاون مع حلفائها الأفارقة. ومن ناحية أخرى، كشفت السنوات الماضية منذ رحيل “القذافي” الذي كانت تجمعه علاقات طبية بالاتحاد عن عدم امتلاك المؤسسة الأفريقية للأدوات الوظيفية التي تمكنها من تسوية الأزمة الليبية واستعادة الاستقرار لهذا البلد. وعليه، فإن رغبة “الدبيبة” يمكن تحقيقها إذا عاد الاتحاد مجدداً لأن يكون الفاعل الرئيسي في تلك الأزمة، خاصة أن ليبيا تم اختيارها في فبراير 2022 لمنصب النائب الثاني لهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال الدورة الـ35.

إحياء الدور الأفريقي

خلاصة القول، إنّ زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية “عبدالحميد الدبيبة” إلى السنغال لن تكون الأخيرة، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توجهاً أفريقياً لحلحة الأزمة الليبية من خلال تعاون الرؤساء الأفارقة والمؤسسات الأفريقية المعنية بالملف الليبي ولعب دور لتسوية الأزمة الليبية التي دخلت عامها الحادي عشر تحت شعار “الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية”، خاصة بعد فشل الجهود الدولية في حل تلك الأزمة. وعليه، ستكون هناك زيارات مرتقبة لباقي أطراف النزاع الليبي إلى حلفائهم الأفارقة وخاصة السنغاليين، وذلك لإدراكهم أن بعض الدول التي تريد تولي ملف الوساطة لها أجندات أخرى توسعية هدفها الرئيسي التغلغل داخل الأراضي الليبية ونهب ثروات ومقدرات الشعب الليبي تحت شعار “الوساطة”.