مواجهة طهران:
دلالات زيارة بريت ماكجورك إلى العراق

مواجهة طهران:

دلالات زيارة بريت ماكجورك إلى العراق



تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً خاصاً بمتابعة التطورات التي تشهدها الساحة العراقية، فضلاً عن توجهات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وأنماط التفاعلات التي تجري على الساحة السياسية، والتي لا تنفصل عن تباين مواقف القوى المختلفة سواء إزاء العلاقات معها، أو تجاه النفوذ الإيراني.

وفي هذا السياق، جاءت زيارةُ منسّق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكجورك إلى العراق، في 16 يناير الجاري، في إطار سعى إدارة الرئيس جو بايدن، مع بداية عامها الثالث في البيت الأبيض، لتأكيد التزامها بدعم العراق في محاربة تنظيم “داعش”، فضلاً عن مواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني، في ظل تعثر المفاوضات النووية.

رسائل متعددة

سعت واشنطن عبر تلك الزيارة إلى توجيه رسائل متعددة يتمثل أبرزها في:

1- استمرار وجود القوات الأمريكية: كانت هناك مخاوف أمريكية من تأثر الوجود الأمريكي في العراق، والذي يُقدر بحوالي ٢٥٠٠ جندي أمريكي، مع تولي محمد شياع السوداني منصب رئيس الوزراء، بعد أن أيدته القُوى الموالية لإيران في البرلمان العراقي، والتي أسست ما يسمى بـ”الإطار التنسيقي” وتبنت هدف إخراج القوات الأمريكية من العراق خلال حملتها الانتخابية الأخيرة، بالتوازي مع مواصلة شن الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، التي تستضيف المدربين والمستشارين الأمريكيين.

لكنّ لقاء ماكجورك بالسوداني عكس توافقاً حول استمرار الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، والذي سبقه تأكيد الأخير خلال حواره مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، في ١٥ يناير الجاري، أن بلاده لا تزال بحاجة إلى قوات أمريكية للحفاظ على الأمن، والقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي.

2- دعم بغداد للقضاء على الإرهاب: أكدت تصريحات ماكجورك خلال زيارته للعراق ولقائه رئيس الوزراء العراقي على النهج الأمريكي لمحاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، والذي يقوم على تقديم الدعم للقوات الحليفة، لتكون قادرة على مواجهة تلك التنظيمات، في ظل تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن الزج بجنودها في معارك عسكرية مباشرة ضد الأخيرة.

فقد أكد ماكجورك التزام بلاده المستمر بتقديم المشورة للقوات العراقية، وتمكينها ومساعدتها في قتالها ضد تنظيم “داعش”، وضمان عدم تمكن التنظيم من العودة مرة أخرى إلى العراق وسوريا.

3- تطوير قطاع الطاقة العراقي: تتطلع العراق للاستفادة من احتياطاتها الكبيرة من الغاز الطبيعي، عبر تصديره إلى الدول الأوروبية، التي تُعاني من أزمة طاقة في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، وتبحث عن مصادر بديلة للغاز الطبيعي لتقليل اعتمادها على روسيا، بما يساعد في تلبية احتياجات الطاقة العالمية المتزايدة من جهة، وتحفيز الاقتصاد العراقي من جهة أخرى.

وفي إطار مساعدة العراق على تطوير قطاعها النفطي، أكد ماكجورك، خلال الاجتماع مع السوداني، دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمشاريع الحكومة العراقية في قطاع الطاقة ومكافحة تغير المناخ. ومن دون شك، فإن مرافقة المنسق الرئاسي الخاص للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة عاموس هوكشتاين لمنسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال زيارته للعراق ترتبط بالجهود الأمريكية لتشجيع العراق على المضيّ قدماً في مشروع نقل الغاز إلى أوروبا.

4- تسوية الخلافات بين القوى الكردية: هدفت زيارة ماكجورك لإقليم كردستان العراق، ولقاءاته برئيس الإقليم نيجيرفان برزاني، وكذلك لقاءاته بشخصيات كردية بما في ذلك رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني، ومسئولين آخرين من الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى توحيد الصف الكردي بعد أن تصاعدت التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لتأثيراتها السلبية على الجهود الأمريكية للقتال ضد تنظيم “داعش”.

وقد كان لماكجورك دور رئيسي في الدعم الأمريكي للمليشيات التي يقودها الأكراد في سوريا خلال قتالها ضد التنظيم الإرهابي، فضلاً عن أن هناك مخاوف أمريكية من استغلال إيران تلك التوترات لتعزيز نفوذها داخل العراق بعد فترة من التراجع. وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية الوسيط المقبول للحزبين الكرديين، ويمكن أن تُساعد في منع تحول التوترات السياسية بينهما إلى عنف يُؤثر على استقرار العراق، الذي يُعد هدفاً رئيسياً للإدارة الأمريكية.

5- الحدّ من النفوذ الإيراني: على الرغم من تركيز الإدارة الأمريكية منذ اليوم الأول لها في البيت الأبيض على إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فإن إخفاقات جهودها الدبلوماسية خلال الجولات السابقة لمباحثات فيينا غير المباشرة، دفعتها لإعادة التركيز على مواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق.

إذ تُثير سيطرة الأحزاب الموالية لطهران على المشهد السياسي العراقي العديد من الهواجس الأمريكية. وقد كشف تزامن زيارة ماكجورك للعراق مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، في ١٦ يناير الجاري، التنافس الأمريكي-الإيراني المستمر، ولا سيما في وقت يُعاني فيه “لإطار التنسيقي” من العديد من الانقسامات السياسية، واتخاذ بغداد عدداً من الخطوات التي تبدو متباينة مع التوجهات الإيرانية مؤخراً، وخاصة مع تصريحات السوداني التي تشير إلى حاجة بلاده لاستمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق، وهو موقف مغاير تماماً لتوجهات “الإطار”.

وفي محاولةٍ لتقليص النفوذ الإيراني في العراق، أكدت زيارة ماكجورك على التزام الولايات المتحدة الأمريكية باتفاقية الإطار الاستراتيجي، ودعم واشنطن لمخرجات مؤتمر “بغداد ٢” الذي عُقد بالأردن في ٢٠ ديسمبر الفائت، الذي عكس حضوراً عربياً مكثفاً في المشهد العراقي.

وقد وجه المؤتمر رسائل واضحة برفض التدخلات الإقليمية غير العربية في شئون المنطقة. وحمل المؤتمر تأكيدات من رئيس الوزراء العراقي بأن بلاده تنأى بنفسها عن اصطفاف المحاور، وأجواء التصعيد في الشرق الأوسط. وقد قال السوداني خلال حواره مع صحيفة “وول ستريت جورنال” إن بغداد تريد أن تكون لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وأضاف قائلاً: “ليس من المستحيل أن أرى للعراق علاقة جيدة مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية”.

اهتمام متزايد

تعكس الزيارة اهتماماً أمريكياً متزايداً بالأزمات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، فرضته المتغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة الدولية، لا سيما فيما يتعلق باندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية التي لا يبدو أنها سوف تشهد نهاية قريبة في ظل إصرار طرفى الحرب على التمسك بمطالبهما وتراجع جهود الوصول إلى تسوية لها، فضلاً عن انتقال منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى المنطقة خلال الفترة الأخيرة.