ترسيخ الولاء:
دلالات رسائل وتوجيهات المتحدث الإعلامي باسم “داعش”

ترسيخ الولاء:

دلالات رسائل وتوجيهات المتحدث الإعلامي باسم “داعش”



بثت مؤسسة “الفرقان”، التابعة لتنظيم “داعش”، (17 أبريل 2022)، كلمة صوتية للمتحدث الجديد باسم التنظيم أبو عمر المهاجر، بعنوان: «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ»، وجاءت في 33 دقيقة، وهي أكبر من الكلمة الأولى للمتحدث الجديد باسم التنظيم في (10 مارس 2022)، بعد مقتل سلفه “أبو حمزة القرشي”، رفقه زعيم التنظيم السابق “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، في غارة أمريكية، في شهر فبراير الماضي. ولم يُقدم المتحدث باسم “داعش” أي معلومات حيال هوية الزعيم الجديد للتنظيم “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، واللافت أن أغلب التوجيهات التي جاءت في الكلمة، كانت على لسان “المهاجر”، ولم ينقلها باعتبارها صادرة عن “القرشي”.

ويمكن الوقوف على أبرز دلالات الرسائل والتوجيهات التي جاءت في الكلمة الصوتية، على النحو التالي:

نهج ثابت

1- ترتيب الأوضاع داخل التنظيم بعد تولي الزعيم الجديد: بمقارنة الكلمة الجديدة للمتحدث الإعلامي باسم “داعش”، بالأولى التي أعلن فيها مقتل “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” والمتحدث الإعلامي السابق “أبو حمزة القرشي” في (10 مارس 2022)؛ فإن الثانية جاءت بسلسلة من التوجيهات، بما يعكس استقرار الأوضاع بالنسبة للزعيم الجديد للتنظيم، سواء على مستوى مكان إقامته وما يتصل بذلك من تشديد الترتيبات الأمنية، وترتيب الهيكلة الداخلية للتنظيم، وهو ما يتضح من خلال عدم إطلاق التنظيم لما يُطلق عليه “غزوة الثأر” لمقتل زعمائه في الكلمة الأولى.

ولكن كان الاكتفاء فقط بالإشارة إلى ضرورة الثأر دون أن تكون في صورة توجيهات مباشرة لأفرعه المختلفة، بينما جاءت التوجيهات صريحة بفارق زمني يقترب من 37 يوماً، كما يمكن تفسير هذا التأخر في إصدار التوجيهات إلى عناصر التنظيم، في ضوء حالة الترقب بعد تأخر إعلان الزعيم الجديد للتنظيم (رغم أن هويته مجهولة)، ومدى استجابة الأفرع المختلفة لأداء “البيعة”، خاصة وأن “غزوة الثأر” لمقتل البغدادي تأخرت عن إعلان تنصيب الزعيم الجديد، بانتظار أداء البيعة من الأفرع أيضاً، بما يشير إلى أنه نهج ثابت.

اختبار الولاء

2- ترسيخ ولاء أفرع التنظيم للقيادة الجديدة: على الرغم من تصنيف تنظيم “داعش” باعتباره يتمحور حول التنظيم، وليس حول القيادة؛ إلا أن مسألة معرفة الهوية الحقيقية لقائد التنظيم تُعد مسألة “شرعية” مهمة، وفقاً لتيار السلفية الجهادية؛ إذ لا بيعة لشخص مجهول. وهنا فإن إرجاء إصدار أي توجيهات لعناصر التنظيم، خوفاً من عدم تنفيذها بصورة فعالة لتأتي بنتائج عكسية، وربما حدث تواصل بين قادة الأفرع وبين القيادة المركزية، في مسارات تواصل قد تستغرق وقتاً أطول بفعل الملاحقات الأمنية، والترقب الغربي لمعلومات عن زعيم التنظيم الجديد.

ويحدث ذلك كمحاولة لكسب الولاء والارتباط بالتنظيم، خاصة مع وجود اختلاف في درجات الولاء بين الأفرع التي أسسها التنظيم عقب 2014، والأفرع الأخرى التي تكوّنت بالأساس من انضمام مجموعات كانت مستقلة. وتتضح مسألة التخوفات من درجة الولاء وانشقاق أفرع عن التنظيم، في توجيه المتحدث باسم التنظيم رسالة لمرة واحدة فقط في الكلمة على لسان زعيم التنظيم الجديد، حينما توجه بـ”الثناء على عناصر داعش بعد السمع والطاعة، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة، والمسارعة بالبيعة”. ويمكن تفسير إطلاق “غزوة الثأر” في سياق محاولة من القيادة المركزية لترسيخ الولاء، عبر استجابة الأفرع لتنفيذ عمليات مكثفة.

استراتيجية ثابتة

3- عدم بلورة رؤية خاصة بزعيم التنظيم الجديد: بالنظر إلى التوجيهات التي أعطاها المتحدث باسم “داعش” لأفرع التنظيم، سواء بـ”غزوة الثأر” أو “اقتحام السجون وتحرير العناصر” أو “دعوة الذئاب المنفردة للقيام بعمليات في أمريكا وأوروبا”؛ فإنها لا تعكس بلورة رؤية جديدة للزعيم الجديد للتنظيم “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، وإنما تُشير إلى الاستمرار على نفس الاستراتيجية التي وضعها “أبو بكر البغدادي” قبل مقتله عام 2019، إذ دعا المتحدث باسم “داعش” إلى تحرير عناصر من السجون في الدول التي ينشط فيها عبر أفرعه، ويهدف التنظيم إلى إرسال رسالة لعناصره بعدم تركهم حال اعتقالهم، لتعميق ارتباط تلك العناصر بالتنظيم، خاصة وأن التيارات السلفية الجهادية تتسم بالسيولة في انتقال العناصر بين تنظيمات وأخرى.

وفيما يتعلق بدعوة “الذئاب المنفردة” للقيام بعمليات، فعلى الرغم من تراجع هذا التوجه خلال السنوات القليلة الماضية مدفوعاً بتراجع في نطاق القيادة المركزية لـ”داعش”، فإن التنظيم يرغب في استغلال الأوضاع العالمية المترتبة على العملية الروسية في أوكرانيا، والدفع بخلط الأوراق، وإحداث قلاقل داخل أمريكا وأوروبا، مستشهداً بالعملية التي نفذها شابان فلسطينيان لاستهداف إسرائيليين، باعتبارهما من “الذئاب المنفردة” التي بايعت “داعش”، ولكن من غير المتوقع في ضوء عددٍ من العوامل ترجمة هذه الدعوات في صورة استجابة موسعة داخل أمريكا وأوروبا، مع إمكانية حدوث عمليات محدودة خلال الفترة المقبلة.

رسائل لـ”داعش”

4- تقديم دعم لعناصر التنظيم في الأفرع المختلفة: اتّسمت كلمة المتحدث باسم “داعش” بالأداء الخطابي “الحماسي”، بهدف إرسال رسائل لعناصر التنظيم في مختلف الأفرع، وتقديم دعم نفسي للحفاظ على حالة النشاط العملياتي بغض النظر عن النتائج المحققة باستخدام أبيات الشعر والآيات القرآنية، خاصة وأن أفرع التنظيم تواجه حملات عسكرية وأمنية مشددة، وانحسار لتمدد بعض الأفرع مثلما حدث في موزمبيق العام الماضي، وتنفيذ عملية عسكرية كبيرة في بحيرة تشاد لمواجهة فرع التنظيم “ولاية غرب إفريقيا”، تقودها قوة المهام المشترك التي تتشكل من الدول التي تطل على البحيرة بقيادة نيجيريا، وخص التنظيم هذا الفرع بالذكر في كلمته في سياق الثناء على عملياته، كما أن التنظيم يتعرض لحملات مستمرة في العراق وسوريا (على مستوى القيادة المركزية)، ويتضح ذلك من دعوة المتحدث الإعلامي لعناصره بـ”الصبر والثبات وعدم الاستهانة بقلة عددهم”.

استقطاب عناصر

5- عدم قدرة التنظيم على استمالة عناصر جديدة: تعكس بعض رسائل المتحدث الإعلامي وجود أزمة في “داعش” تتعلق بالتراجع المستمر في أعداد عناصره في مختلف الأفرع، في ضوء عدم القدرة على تعويض تلك الأعداد، سواء التي تتعرض للاعتقال أو القتل في العمليات العسكرية، وتضييق بعض الدول على إمكانية توسيع التنظيم قاعدة التجنيد، ويُمكن الوقوف على محاولات استقطاب عناصر جديدة من خلال حديثه لمن وصفهم بـ”المنتكسين”، في إشارة إلى عناصر كانت في صفوف التنظيم قبل أن تنشق، دون أن يقدم أي معلومات يمكن من خلالها تحديد أبعاد هذه الانشقاقات أو توقيتها.

وهنا، يمكن فهم هذا الحديث باعتبار أن تلك العناصر المنشقة أسهل في التأثير عليها للانخراط مجدداً مع التنظيم، والمشاركة في العمليات الإرهابية من الناحية النظرية، كما أن المتحدث الإعلامي خصص الجزء الأكبر من حديثه عن تطورات الأوضاع في المنطقة العربية بشكل موسع، وإطلاق اتهامات للأنظمة العربية، كجزء من محاولة استمالة عناصر جديدة ناقمة عليها، واستغلال استمرار حالة الاضطرابات في أكثر من دولة، وعمد إلى توظيف بعض القضايا المحلية حسب كل منطقة، مثل تكفير “المسيحيين والشيعة”، كما سعى لتوظيف القضية الفلسطينية وربطها باتفاقيات التطبيع، والإشارة إلى الاجتماع الأخير لوزراء خارجية (أمريكا، ومصر، والإمارات، والبحرين، والمغرب) في النقب.

تماسك التنظيم

وأخيراً، فإن التوجيهات الجديدة للمتحدث باسم “داعش” ليست جديدة على استراتيجية التنظيم خلال الأعوام القليلة الماضية، بخلاف استدعاء دعوة “الذئاب المنفردة” لتنفيذ عمليات في أمريكا وأوروبا بصورة أكبر بعدما تراجع هذا الاتجاه بعد إنهاء السيطرة المكانية على الأراضي التي كانت تحت سيطرته. وعلى الرغم من توقّع تكثيف أفرع التنظيم عملياتها خلال الفترة المقبلة؛ فإن كثرة العمليات لا تعكس قوة تلك الأفرع. وبشكل عام، فإن الظهور الجديد للمتحدث الإعلامي يهدف للحفاظ على تماسك التنظيم خلال الفترة المقبلة، بعد حالة اهتزاز وترقب من أفرع التنظيم عقب تأخر الإعلان عن الزعيم الجديد.