مكاسب سياسية:
دلالات توقيت إعلان القبض على نائب قائد تنظيم “داعش”

مكاسب سياسية:

دلالات توقيت إعلان القبض على نائب قائد تنظيم “داعش”



أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في 11 أكتوبر الجاري، القبض على الإرهابي سامي جاسم الجبوري، نائب زعيم “داعش” السابق إبراهيم البغدادي ومسئول المالية وأحد أهم قيادات التنظيم. وجاء الإعلان عن هذه الخطوة بعد ساعات من انتهاء الاقتراع في الانتخابات البرلمانية العراقية، التي أجريت في 10 أكتوبر الحالي، على نحو يطرح العديد من التساؤلات حول دلالات توقيت الإعلان، وانعكاسات القبض على مسئول المالية بالتنظيم على موقع الكاظمي داخل خريطة توازنات القوى التي يمكن أن تفرضها نتائج الانتخابات.

اعتبارات مختلفة

وجّه جهاز الاستخبارات العراقية ضربة جديدة إلى تنظيم “داعش”، حيث قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تغريدة على موقع “تويتر”: “في الوقت الذي كانت عيون أبطالنا في القوات الأمنية يقظة لحماية الانتخابات، كانت ذراعهم الأصيلة في جهاز المخابرات تنفذ واحدة من أصعب العمليات المخابراتية خارج الحدود، للقبض على المدعو سامي جاسم، مشرف المال لتنظيم داعش ونائب المقبور أبو بكر البغدادي، بوركت سواعد الأوفياء، عاش العراق”.

وقد كان لافتاً أن الإعلان عن القبض على الجبوري تأخر عدة أيام، حيث يبدو أن الكاظمي فضّل تأجيل الكشف عن تلك الخطوة إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب العراقي. وفي كل الأحوال، فإن تلك الخطوة يمكن تفسيرها في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- إثبات القدرة على النفوذ والسيطرة: ربما يحاول الكاظمي عبر تلك الخطوة إثبات نفوذه وقدرته على إدارة شئون الدولة ودعم حالة الأمن والاستقرار، وهى الرسالة التي يمكن أن تساهم في تعزيز فرصه في الاستمرار في موقعه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، واكتساب شعبية جماهيرية، والظهور بموقف الحاكم القوي القادر على مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم “داعش”. وبمعنى آخر، فإن عزوف الكاظمي عن الترشح في الانتخابات قد لا يقلص من فرصه في الاستمرار في منصبه، خاصة أن بعض القوى السياسية المشاركة في الانتخابات قد تتبنى هذا التوجه، لاسيما أن السياسة التي يتبعها توافقت إلى حد كبير مع مواقفها السياسية، لاسيما حرصه على الوقوف على مسافة واحدة تجاه تلك القوى وتبني سياسة أكثر توازناً على الصعيد الخارجي.

2- توجيه رسائل للمجتمع الدولي: يدرك الكاظمي أن القوى الدولية تبدي اهتماماً خاصاً بالحرب ضد الإرهاب، وربما سعى إلى تأكيد أن الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة شهدت إنجازات عديدة في هذا السياق، حيث نجحت أجهزة الأمن في شن عمليات أمنية نوعية ضد الخلايا التابعة لتنظيم “داعش” في المناطق التي سبق أن سيطر عليها واضطر إلى الانسحاب منها بفعل الضربات التي تعرض لها. ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التوقيت لا يخلو من مغزى آخر، إذ أن اعتقال نائب البغدادي جاء مع اقتراب حلول الذكرى الثانية لمقتل الأخير في العملية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 27 أكتوبر 2019، في محافظة إدلب السورية، وهو ما فرض تداعيات قوية على التنظيم لم يستطع احتواءها حتى الآن رغم حرصه على تعيين خليفة للبغدادي بعد الإعلان عن مقتل الأخير بفترة وجيزة.

3- تكريس دور دولة المؤسسات: ربما تدعم تلك الخطوة- التي اكتسبت زخماً خاصاً على الساحتين الداخلية والخارجية- من الجهود التي يبذلها الكاظمي وبعض التيارات السياسية، والتي تهدف إلى تأكيد أن القدرة على تحقيق الاستقرار على المستويين السياسي والأمني داخل العراق، مرتبطة بتعزيز مبدأ دولة القانون والمؤسسات, بما يتضمن احتكار الدولة للسلاح وضبط تحركات الميليشيات المسلحة التي تتبع أجندات خارجية، والتي كان لها دور في تأجيج الصراعات الإقليمية على الساحة العراقية خلال المرحلة الماضية.

4- احتواء تأثير المحاصصة الحزبية: يمكن القول إن تلك النوعية من الخطوات الأمنية قد يكون لها دور واضح في احتواء تأثير المحاصصة الحزبية التي كانت بمثابة العنوان الأهم للمشهد السياسي العراقي منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين في عام 2003. فقد كان الكاظمي حريصاً على عدم الانتماء إلى تيار سياسي موجود على الساحة، كما لم يسع إلى تأسيس حزب سياسي يستطيع من خلاله المشاركة في الانتخابات والحفاظ على دور في خريطة التفاعلات السياسية، وهو ما تروج اتجاهات عديدة إلى أنه كان سبباً في تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية وأمنية مختلفة، بالتوازي مع اتخاذ خطوات خارجية نوعية على غرار  تقليص الصراعات الإقليمية على الساحة العراقية، وتحقيق مزيد من التقارب مع الدول العربية.

5- الترويج لدور جهاز الاستخبارات: يعتبر إعلان الكاظمي عن القبض عن الجبوري عبر جهاز الاستخبارات العراقية خارج نطاق الحدود العراقية سابقة هى الأولى من نوعها منذ إعادة تشكيل الجهاز بعد غزو العراق عام 2003. وهنا، فإن الأمر لا يخلو بدوره من مغزى سياسي، يتعلق بمحاولات الترويج إلى الجهود التي بذلت- خلال رئاسة الكاظمي للجهاز- من أجل إعادة بناءه وتعزيز قدرته على المشاركة في تحقيق الاستقرار على المستوى الأمني، وتقليص التهديدات التي تفرضها أنشطة التنظيمات الإرهابية سواء داخل الحدود أو خارجها.

6- إجراء الانتخابات في أجواء مستقرة: يرتبط حرص الكاظمي على تأجيل الإعلان عن القبض على الجبوري إلى ما بعد انتهاء يوم الاقتراع – في الغالب- بعدم استفزاز تنظيم “داعش” الذي سوف يعتبر- على الأرجح- أن تلك الخطوة تمثل ضربة قوية جديدة له بشكل يمكن أن يدفعه إلى تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في نطاق لجان الانتخابات، وهو ما كان يمكن أن يؤثر على مسار العملية الانتخابية.

7- الرد على العمليات السابقة لـ”داعش”: رغم الهزائم والضربات التي تعرض لها تنظيم “داعش” في الفترة الماضية- سواء على مستوى قياداته أو على صعيد المناطق التي انسحب منها ومصادر التمويل التي فقدها- فإنه أثبت قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية عديدة على الساحة العراقية. ومن هنا، يبدو أن تلك الخطوة تمثل- في قسم منها- رداً على تلك العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم، لاسيما التي نفذت خلال الشهرين الماضيين. ومن ثم يمكن القول إن القبض على الجبوري سوف يفرض تداعيات إيجابية على قطاع الأمن العراقي، وأخرى سلبية على تماسك وبنية التنظيم، خاصة أن ذلك قد يهدد هيكله التنظيمي ويقلص من قدرته على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية.

في المجمل، يأتي إعلان الكاظمي عن القبض على الجبوري بعد إجراء الانتخابات وقبل الإعلان عن نتائجها لتحقيق أهداف سياسية عديدة سواء على صعيد التوازنات السياسية الجديدة التي سوف تفرضها تلك النتائج، أو على مستوى المسارات المحتملة للسياسة الخارجية العراقية إزاء العديد من الملفات الإقليمية الشائكة.