تعزيز القدرات:
دلالات توجه المغرب لإنشاء مناطق متخصصة في الصناعات الدفاعية

تعزيز القدرات:

دلالات توجه المغرب لإنشاء مناطق متخصصة في الصناعات الدفاعية



تسعى المغرب إلى توطين الصناعات الدفاعية على أراضيها، حيث كشف الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، أمام البرلمان، في 14 نوفمبر الجاري، أن الرباط شرعت في وضع تصور لبناء مناطق صناعية متخصصة في مجال الصناعات الدفاعية، خاصة بعد تلقي المغرب عروضاً أجنبية للاستثمار في هذا المجال، فضلاً عن دخول القانون المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة حيز التنفيذ.

وقد نجحت المغرب خلال الفترة الماضية في تحقيق نقلة نوعية في مجال الاستقلالية الدفاعية، بالإضافة إلى قطع شوط معتبر على صعيد تحديث المنظومة العسكرية، وخاصة في قطاع القوات الجوية. وساهمت النجاحات المغربية في المجال الدفاعي في توفير العديد من فرص العمل، بالإضافة إلى تقليص فاتورة استيراد الأسلحة عبر الصفقات التي تبرمها مع العديد من القوى الدولية والإقليمية.

مؤشرات عديدة

ثمة العديد من المؤشرات التي تكشف عن اهتمام المغرب بتطوير صناعاتها الدفاعية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- رفع مخصصات الميزانية الدفاعية: عملت الرباط خلال الفترة الماضية على زيادة المخصصات المالية في الموازنة العامة لدعم وتطوير الصناعات الدفاعية، وتوسيع الاستثمار في الإنتاج الدفاعي المحلي. وفي هذا السياق، وصلت ميزانية الدفاع المغربية في العام الجاري 2023 إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي، كما رفعت المغرب مخصصات الدفاع في مشروع ميزانية 2024 إلى 12.2 مليار دولار. ويستهدف القسم الأعظم منها امتلاك وإصلاح المعدات العسكرية، ودعم وتطوير الصناعات في المجال الدفاعي تحديداً.

2- توسيع نطاق التعاون العسكري: حرصت المغرب على رفع مستوى التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها من أهم الدول التي تبرم معها صفقات للحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة. وقد شهد التعاون العسكري بين الرباط وواشنطن تطوراً ملحوظاً في الفترة الماضية، بدت أبرز مؤشراته جلية في استضافة الأولى مناورات “الأسد الأفريقي” التي أجريت آخر دوراتها في الفترة من 6 إلى 16 يونيو الماضي.

وقد تواصلت فعاليات المناورات في سبع جهات في المغرب هي: أغادير وابن جرير والقنيطرة والمحبس وتيزنيت وتيفنيت وطانطان. كما وافقت وزارة الخارجية الأمريكية، في 12 أبريل الماضي، على بيع أنظمة صواريخ “هيمارس” وعتادها إلى المغرب.  

لكن كان لافتاً أن المغرب حرصت على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على المستوى الدولي، على نحو انعكس في تعزيز التعاون مع دول مثل الصين وفرنسا. فقد حصلت المغرب على طائرة صينية من دون طيار من طراز “Wing Loong II”، في أكتوبر 2022. ووفقاً لبعض التقارير، فإن المغرب سعت لشراء أنظمة دفاع جوي من الصين. كما أجرت المغرب وفرنسا مناورات عسكرية مشتركة في منطقة الرشيدية جنوب شرقي المملكة، في الفترة من 1 إلى 25 مارس 2022، تحت اسم “شركي 2022”.

وإلى جانب ذلك، تبدي الرباط اهتماماً بتوسيع نطاق التعاون مع بعض دول المنطقة في المجال الدفاعي، على غرار إسرائيل وتركيا، حيث وقعت مع الأولى، في 24 نوفمبر 2021، مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري والدفاعي. وأعلن في 25 سبتمبر من العام نفسه عن تسلم المغرب أول دفعة من الطائرة التركية من دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2”.

3- تطوير الصناعات الدفاعية المحلية: تبذل الرباط جهوداً حثيثة من أجل تطوير الصناعات الدفاعية المحلية، وتسعى من خلال ذلك إلى تقليص التكلفة العسكرية التي تفرضها صفقات التسليح التي تبرم مع العديد من القوى الدولية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا إلى جانب بعض القوى الإقليمية، فضلاً عن تعزيز القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المعدات العسكرية، وربما التحول إلى أحد مصدري الأسلحة إلى بعض الأسواق خلال المرحلة القادمة.

وقد كشف الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، في 13 نوفمبر 2022، عن بدء “بعض أنشطة” تتصل بصناعات دفاعية، بينها تصنيع مسيرات عسكرية، ونقل التقرير الخاص بمناقشة مشروع ميزانية الدفاع للعام 2023 عن الوزير قوله: “تهم بعض مجالات الصناعة الدفاعية التي تعرف بداية بعض الأنشطة في بلادنا، تطور صناعة الأسلحة والذخائر، صناعة الطائرات المسيرة القادرة على القيام بمهام الاستخبارات والاستطلاع والهجمات المسلحة، وصيانة الطائرات العسكرية”.

أهداف مختلفة

يمكن القول إن المغرب تسعى عبر تطوير صناعاتها الدفاعية والتوجه نحو تأسيس مناطق للصناعات الدفاعية إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أولها، في موازنة القدرات العسكرية للجزائر، خاصةً في ظل التوتر المستمر بين الطرفين حول الموقف من قضية الصحراء، والدعم العسكري الجزائري لجبهة البوليساريو، والذي أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في 24 أغسطس 2021.

ويتعلق ثانيها، برفع مستوى القدرات العسكرية للجيش، وذلك من خلال توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمام الرباط فيما يتعلق بمصادر التسليح تحديداً. وينصرف ثالثها، إلى تقليص الاعتماد على القوى الدولية والإقليمية وتعزيز القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي.

ويتصل رابعها، بتعزيز القدرة على مواجهة التهديدات التي تفرضها التنظيمات الإرهابية، لا سيما في ظل تصاعد حدة عدم الاستقرار في بعض الدول المجاورة، على غرار ليبيا والنيجر، على نحو كان له دور في تصاعد نشاط تلك التنظيمات مرة أخرى. ومن دون شك، فإن ما يزيد من حدة تلك التهديدات هو أن هذه التنظيمات تسعى إلى اختراق الحدود بين الدول والانطلاق من معاقلها الرئيسية لشن هجمات ضد مصالح دول أخرى بالمنطقة.

ختاماً، يمكن القول إن توجه المغرب نحو إنشاء مناطق صناعية للمنتجات العسكرية يرتبط بالتحديات الأمنية الإقليمية المتصاعدة في منطقة شمال وغرب أفريقيا، وهو ما يفرض على الرباط السعي نحو تكثيف الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالصناعات الدفاعية تحديداً. كما أن التوجّه نحو بناء المناطق الصناعية الدفاعية لا ينفصل عن توفير القدرات اللازمة لمواجهة الخصوم من جهة، وتقليص الاعتماد على الحلفاء من جهة أخرى.