مواجهة الارتدادات:
دلالات تفكيك خلية جديدة لـ”داعش” في المغرب

مواجهة الارتدادات:

دلالات تفكيك خلية جديدة لـ”داعش” في المغرب



تتبنى المغرب سياسة حذِرة إزاء الارتدادات المحتملة لحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات الماضية، في ظل تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، المرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، واتساع نطاق التنافس بين المجموعات الموالية للتنظيمين مجدداً خلال العام الماضي، بعد إعادة تنظيم “داعش” هيكلة مجموعاته بمنطقة الساحل، وفصلها عن الفرع الإقليمي المسمى “ولاية غرب أفريقيا”.

وفي استمرار لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، ومنع أي هجمات إرهابية داخل المغرب، والحفاظ على حالة الاستقرار الأمني السائدة منذ سنوات؛ تواصل السلطات الأمنية المغربية، خلال السنوات الماضية، عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية، المرتبطة بشكل رئيسي بتنظيم “داعش”، وكان آخرها تفكيك خلية تضم 3 أشخاص، في 9 مارس الجاري، “للاشتباه في تورطهم للتحضير لتنفيذ مخططات إرهابية تُهدد الأمن والنظام العام”، وفقاً لبيان المديرية العامة للأمن المغربي.

اللافت في البيان الرسمي المغربي، أن هذه الخلية وبخلاف التخطيط لهجمات داخل البلاد، كانت تنوي السفر إلى الخارج، للالتحاق بمعسكرات تنظيم “داعش” في منطقة الساحل، وهو توجه بارز لدى بعض الموالين لتنظيم “داعش” للانخراط في بيئات نشطة على المستوى العملياتي للتنظيم، وتحديداً في دول منطقة الساحل، في ظل صعوبة تنفيذ عمليات داخل المغرب.

أبعاد رئيسية

في ضوء المعلومات التي قدمها البيان الرسمي حول القبض على عناصر الخلية الأخيرة، في إطار العمليات الأمنية لتفكيك الخلايا ومكافحة الإرهاب، والنشاط الإرهابي المتزايد بمنطقة الساحل، يُمكن الإشارة إلى أبعاد ودلالات رئيسية أبرزها:

1- نهج ثابت لأجهزة الأمن المغربية: رغم أن المغرب لم تشهد عمليات إرهابية مؤثرة خلال الأعوام القليلة الماضية، باستثناء الاشتباه في تورط شخص متشدد في استهداف سائحتين أجنبيتين بعملية طعن، إلا أن العمليات الأمنية لتتبع وتفكيك الخلايا تعكس جهداً استخباراتياً مستمراً منذ سنوات، بما يشير إلى تقييمات أمنية لدى السلطات المغربية بنشاط الموالين لأفكار تيار “السلفية الجهادية”، على نحو يستدعي مواصلة الجهد الأمني لاستمرار تجفيف منابع أفكار التطرف.

واللافت أن السلطات المغربية تواصل حالة الاستنفار الأمني بصورة متواصلة على مدار سنوات، وتحديداً منذ عام 2002، أي عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تشير بعض التقديرات إلى توقيف عدد من الأشخاص للاشتباه في الانتماء لتيار “السلفية الجهادية”، بما يوحي بأن المغرب تسير وفقاً لنهج ثابت، سواء في أوقات نشاط عملياتي لتنظيمات إرهابية، أو في فترات “الكمون” لمثل هذه التيارات المتشددة، والاعتماد على تشكيل خلايا يمكن أن تنفذ عمليات إرهابية حال امتلاك القدرة على ذلك.

2- استمرار قدرة “داعش” على الاستقطاب: ترتبط الخلية الأخيرة بتنظيم “داعش”، بغض النظر عن حدود العلاقة مع التنظيم،وهو ما ينطبق على أغلب الخلايا التي تمكّنت السلطات الأمنية في المغرب من تفكيكها خلال العامين الماضيين على وجه الخصوص، والتي تنوعت بين خلايا للترويج الإعلامي لـ”داعش”، أو محاولة نشر أفكار التنظيم في محيط تلك العناصر، بما يعكس قدرة التنظيم على التغلغل الفكري، واستمالة الموالين والمنتمين لتيار “السلفية الجهادية”.وهنا تبرز احتمالات ممارسة بعض تلك الخلايا نشاطاً ميدانياً في عملية نشر الفكر المتطرف وفقاً لأيديولوجيا تنظيم “داعش”، من أجل تعزيز مساعي الأخير لاستمالة عناصر جديدة.

3- مواصلة الضغط لمنع ترابط الخلايا وتطورها: تكشف المعلومات التي نشرتها السلطات المغربية، أن الخلية الإرهابية الأخيرة، تعتمد على عدد أفراد محدود، إذ يُقدر عددهم بثلاثة أفراد، وتمتلك إمكانات متراجعة، وفقاً للمضبوطات التي تنوعت بين الأسلحة البيضاء والمنشورات وإصدارات مكتوبة تخص تنظيم “داعش” بمنطقة الساحل ومعدات رقمية، وبالتالي فإن طبيعة تشكيل الخلية والمضبوطات تشير إلى أن تلك الخلية في ذاتها لا تُشكل تهديداً حرجاً للأمن المغربي.

ولكن مع تزايد حضور تنظيم “داعش” العملياتي، بالتركيز على النشاط الإرهابي في القارة الأفريقية، بعد طرد عناصره من المناطق التي كانت تحت سيطرته في العراق عام 2017، وفي سوريا بحلول عام 2019، وتاريخ تفكيك المغرب لخلايا أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، التي لا تختلف في أغلبها عن تشكيل الخلية الأخيرة، من حيث عدد العناصر والإمكانات؛ يتضح أن المغرب تتجه إلى مواصلة الضغط الأمني على تلك الخلايا لمنعها من التطور وزيادة عناصرها، خاصة في ظل احتمالات الترابط بين مجموعة خلايا لتشكيل هيكل متماسك يضم العشرات من العناصر.

ويبقى أن احتمالات ترابط تلك الخلايا مع بعضها بعضاً قائم خلال الفترة المقبلة، رغم الجهود الأمنية المغربية، في ظل علاقات بعض تلك الخلايا مع خلايا أو أشخاص داخل تنظيم “داعش”، إذ إن التحريات الأوّلية في الخلية الأخيرة تُشير إلى تواصل عناصرها مع أحد العناصر في التنظيم بمنطقة الساحل.

وقد يتخطى نشاط تلك الخلايا حدود المغرب، وهو ما كشفته السلطات المغربية من توقيف أحد الأشخاص في يناير 2023، في عملية مشتركة مع السلطات الأسبانية، بعد القبض على شخصين آخرين في أسبانيا، ينشطون جميعاً في إطار خلية واحدة موالية لتنظيم “داعش” بين الدولتين.

4- استجابة لدعوات “داعش” للانخراط بمناطق نفوذه: خلال عام 2022، أطلق تنظيم “داعش” توجيهاً للموالين له، بالتوجه إلى القارة الأفريقية، باعتبارها “أرض هجرة وجهاد”، وبالتالي فإن تفكيك الخلية الأخيرة في المغرب، وما كشفته التحريات بأن عناصرها كانوا يستدعون للسفر إلى الخارج، يعكس استجابة من قبل الموالين لـ”داعش”، سواء فكرياً أو تنظيمياً، لدعوات الانخراط في المناطق التي تشهد نشاطاً عملياتياً للتنظيم، وتحديداً منطقة الساحل، خاصة مع اتجاه التنظيم إلى إعادة هيكلة فروعه في القارة خلال عام 2022، مثل إطلاق “ولاية الساحل” كفرع مستقل من الناحية النظرية عن فرعه المسمى “ولاية غرب أفريقيا”.

ومع اتجاه الدول الأفريقية وبعض الأطراف الدولية إلى تركيز الاهتمام على مواجهة الإرهاب بالقارة خلال الفترة الحالية، في ظل تصاعد التهديدات المرتبطة بالنشاط العملياتي لمجموعات إرهابية تابعة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة”؛ فإنّ التنظيم قد يلجأ إلى توجيه الموالين له إلى مناطق نشطة لدعم عملياته، خاصة في ظل خوض مواجهة على أكثر من جانب، سواء القوات الحكومية أو أطراف دولية، أو على مستوى مواجهة عناصر تنظيم “القاعدة” في إطار الصراع على زعامة مشهد مشروع “الجهاد العالمي”.

5- احتواء انعكاسات الأزمات بمنطقة الساحل: وهو ما يرتبط باستجابة الموالين لتنظيم “داعش” للسفر خارج المغرب خلال الفترة المقبلة للانضمام لمناطق النشاط العملياتي، وتحديداً في منطقة الساحل الأفريقي، إذ أن تفكيك الخلايا ومواصلة الضغوط الأمنية يعكس رغبة في مواجهة الارتدادات المحتملة على البلاد، في ظل حالة الفوضى بمنطقة الساحل.

وربما تتخوفالسلطات المغربية من انعكاسات سفر تلك العناصر، وإن كانت بأعداد محدودة للخارج، والانخراط في صراعات مسلحة تمكنهم من اكتساب خبرات وتدريبات متقدمة، وإمكانية العودة للمغرب مجدداً، وتنفيذ عمليات إرهابية، أو نسج روابط مع عناصر أخرى وتجنيدهم، وتوجيههم إلى تنفيذ عمليات أو السفر إلى الخارج والانضمام للتنظيم في منطقة الساحل.

وهنا، فإن المغرب تدفع باتجاه ضرورة مكافحة الإرهاب في أفريقيا، من خلال المشاركة في قيادة مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا التابعة للتحالف الدولي لمواجهة “داعش”، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والنيجر، والاستعداد لنقل الخبرات وتقديم الدعم للدول الأفريقية لمكافحة الإرهاب.

اتجاه متزايد

وأخيراً، بغض النظر عن استمرار جهود السلطات الأمنية المغربية في تفكيك الخلايا الإرهابية خلال الفترة المقبلة؛ فإن تخطيط عناصر الخلية الأخيرة للانضمام لتنظيم “داعش” خارج البلاد، في ظل روابط وتواصل مع أحد عناصر التنظيم بمنطقة الساحل الأفريقي، ربما ليس الأول، ولكنه اتجاه قد يتزايد مع خلايا وعناصر موالين لتنظيم “داعش” خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل عدم القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد خلال السنوات الماضية، وبالتالي احتمالات توجيه التنظيم تلك العناصر إلى مناطق نشاطه العملياتي، مع تخوفات بعض الموالين لتيار “السلفية الجهادية” من اعتقالهم، وبالتالي اللجوء إلى الانتقال إلى منطقة الساحل الأفريقي.