هناك دلالات عديدة لتشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات في الصومال، وأبرزها: القلق الأفريقي من انهيار الأوضاع الأمنية بعد انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”، ومواجهة تصعيد حركة الشباب ومحاولتها استعادة سيطرتها على الأراضي التي طردت منها، ودعم قدرات الجيش الصومالي في مواجهة التحديات الأمنية وخاصة بعد تصاعد التوترات الإثيوبية-الصومالية والقلق لدى دول الجوار الإقليمي، والاضطرابات الأمنية المتنامية في منطقة البحر الأحمر بعد تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية.
ففي 19 فبراير الجاري، أكد مستشار الأمن القومي حسين شيخ لوسائل الإعلام (صحيفة ذا ناشيونال) أن قوة متعددة الجنسيات أصغر حجماً ستحلّ محل بعثة حفظ السلام الحالية التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال بحلول نهاية العام، وهو ما يطرح تساؤلات حول دلالات تشكيل قوة متعددة الجنسيات في الصومال في هذا التوقيت.
دلالات عديدة
ثمة دلالات عديدة لإعلان الاتحاد الأفريقي عن تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات في الصومال، ومن أبرزها:
1- مخاوف أفريقية من انهيار الأوضاع الأمنية بعد انسحاب “أتميس”، حيث جاء الإعلان عن هذه القوات في الوقت الذي تستعد فيه بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) لإنهاء عملياتها في 31 ديسمبر المقبل، لتنهي وجود قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال بعد 17 عاماً من نشرها للمساعدة في طرد حركة الشباب، ودعم الحكومة الفيدرالية المعترف بها دولياً، حيث سلمت أتميس حوالي 7 قواعد عمليات أمامية للحكومة الصومالية، وانخفض قوام البعثة من 22 ألف جندي في بدايتها إلى حوالي 14 ألفاً حالياً، ومن المتوقّع أن يُغادر أربعة آلاف جندي في يونيو القادم. ويبدو أن ثمة مخاوف من تدهور الوضع الأمني بعد خروج هذه القوات، حيث لا يزال عديد من الخبراء والمراقبين يشككون في قدرة الجيش الصومالي على السيطرة على الأوضاع الأمنية بدون دعم من قوة “أتميس”.
2- منع حركة الشباب من استعادة سيطرتها في الصومال، فبرغم دور بعثة “أتميس” في طرد حركة الشباب من العديد من معاقل ومناطق سيطرتها، إلا أن عناصر الحركة ومقاتليها يواصلون تكبيد القوات الصومالية خسائر كبيرة من خلال هجمات الكر والفر، ويبدو الجيش الصومالي عاجزاً عن حماية المنشآت والمصالح الأجنبية في وقت انشغاله بمطاردة حركة الشباب، حيث تخوض قواته حالياً معارك عنيفة مع حركة الشباب في جنوب ووسط الصومال. ولا تزال الحركة تعتمد على التفجيرات الانتحارية وخاصة عبر السيارات المفخخة التي كثيراً ما أودت بحياة العديد من المدنيين، ولا سيما في مقديشو. وقد أطلقت الحركة خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير الجاري عدة قذائف هاون على وزارة الدفاع الصومالية، وسقط بعضها داخل المجمع. وقالت الشرطة إن إحدى قذائف الهاون أصابت منزلاً، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 11 آخرين. وخلال يناير الماضي، استولى المسلحون على موقع للقوات الحكومية في قرية كاد بمنطقة مدق بوسط الصومال، مع أنباء عن سقوط العديد من الضحايا من الجانبين.
3- مخاوف من تصاعد التوترات الإثيوبية-الصومالية، وخاصة في ظل غياب أي أفق للتوصل إلى تسوية أو تفاهمات بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع الأخيرة اتفاقاً مع أرض الصومال يسمح لها بإقامة قواعد عسكرية في موانئها البحرية. وقد لوح الصومال، في 21 فبراير الجاري، بإجراءات صارمة لضمان سلامة وأمن مجاله الجوي، وأكدت ذلك هيئة الطيران المدني الصومالية، وقد جاء ذلك بعد عرقلة خدمات الحركة الجوية فوق المناطق الشمالية (أرض الصومال)، وهو الأمر الذي اعتبرته الهيئة مخالفاً لأنظمة الطيران المدني المحلية والدولية. وأعربت الهيئة عن قلقها من الاضطرابات التي أثارتها أرض الصومال في الحركة الجوية في المناطق الشمالية وتجاهلها التحذيرات.
انعكاسات محتملة
يتوقع أن يكون لتشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات في الصومال انعكاسات عديدة على البيئة الأمنية والسياسية، وذلك على النحو التالي:
1- دور محدود للقوة الدولية المتعددة الجنسيات، حيث يرى مراقبون أن القوة المتعددة الجنسيات ستكون أصغر من قوة أتميس، ويُقدر أن عددها يتراوح بين 3000 إلى 8000 وسيعملون بشكل وثيق مع عدد مماثل من القوات الصومالية التي ستتمركز معهم لتتولى في نهاية المطاف المسؤوليات الأمنية في الصومال منهم بعد 12 شهراً، وأن دورها سيتركز على تأمين المنشآت الحكومية والدبلوماسية الرئيسية في البلاد، وقد جرت محادثات حول هذه القضية قبل قمة رؤساء دول الاتحاد الأفريقي الأخيرة التي عقدت في مقرها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا وحضرها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.
كما أن المناقشات جارية بالفعل في مقر الاتحاد الأفريقي ومقر الأمم المتحدة ومقديشو بشأن هذه القوة الجديدة المتعددة الجنسيات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والشركاء المانحين، وقد أكد المستشار الأمني أن “تفويض القوات الجديدة سيكون حماية البنية التحتية الحكومية الرئيسية داخل الصومال والمراكز اللوجستية لقوات الأمن الصومالية وكذلك المناطق التي توجد بها البعثات الدبلوماسية الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية”.
2- التمديد المحتمل لبعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”، فبرغم أن القوة المتعددة الجنسيات هي أفضل تجهيزاً بكثير من الجيش الصومالي، وبالتالي هي خيار أقوى لمحاربة حركة الشباب من قوات الأمن المحلية، لكن من الواضح أن دورها سيتركز على حماية المنشآت وليس الانخراط في عمليات قتالية ضد حركة الشباب، ومن ثم لا يستبعد مراقبون أن يتم التمديد لبعثة “أتميس” في الصومال، فلم يستبعد مستشار الأمن القومي حسين شيخ التمديد للبعثة، حيث أكد أنه سيتم إعادة تقييم دور البعثة بعد 12 شهراً، مع خيار التمديد حسب الوضع الأمني في البلاد. ولم يذكر شيخ علي ما إذا كانت القوة المتعددة الجنسيات الجديدة ستضم أفراداً من قوات أتميس الموجودة بالفعل في الصومال.
3- احتجاجات صومالية محتملة على تشكيل قوة دولية جديدة، إذ يرجح أن يواجه نشر قوة متعددة الجنسيات رد فعل عنيفاً من بعض الصوماليين، الذين كانوا يأملون في رؤية القوات المسلحة للبلاد تتولى المسؤولية، وفي ظل الجدل الصومالي حول وجود قوات دولية في الصومال، ما بين قوى تؤيد وتطالب بالتمديد لبعثة “أتميس”، وقوى تطالب بانسحابها وتولي القوات الصومالية المسؤولية.
دور محدود
وختاماً، يمكن القول إنه برغم الإعلان عن تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات في الصومال، لكن يبدو أن دور هذه القوات سيكون محدوداً بحماية المنشآت والمصالح والبعثات الأجنبية، وهو ما يعزز من احتمالات التمديد لبعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”، حيث لا يزال الجيش الصومالي غير قادر وحده على التصدي لمحاولات حركة الشباب استعادة سيطرتها، ناهيك عن استمرار التوترات الصومالية-الإثيوبية التي يمكن أن تتصاعد إلى اشتباكات مسلحة وعلى الأقل بين القوات الصومالية الفيدرالية وقوات أرض الصومال، وهو ما يكرس حالة من عدم الاستقرار الذي تستغله حركة الشباب لاستعادة سيطرتها.